استقبل إقليم كردستان بعد الغزو الأميركي عام 2003 رؤوس أموال وأصحاب مهن وعمالاً، لكنّه اليوم بات بيئة طاردة حتى لأبنائه
لم تعد مدن إقليم كردستان، شمال العراق، قبلة للعمل والاستثمار مثلما كانت على مدى عشرة أعوام بدأت عام 2004، فاستقطبت رؤوس أموال هاربة من بغداد ومحافظات عراقية أخرى؛ بعد غزو البلاد فضلاً عن استقطاب شركات أجنبية استثمرت في الإقليم.
الخلافات مع بغداد كانت سبباً رئيسياً في تدهور اقتصاد الإقليم، الأمر الذي أجبر المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على إنهاء أعمالهم في الإقليم ما أدى إلى بطالة كبيرة شهدتها المدن الكردية الكبرى.
هجرة عكسية للعاملين في المهن الحرة شهدها الإقليم مؤخراً، وهم يشيرون إلى أنّ كردستان بات بيئة طاردة. ولم تقتصر الهجرة على العاملين في كردستان ممن جاؤوا من محافظات أخرى، بل امتدت إلى أهل الإقليم الكردي أيضاً.
جمال حاجي علي، الذي كان يفرض على أصحاب المطاعم ما كان يريده من أجرة، كونه طباخاً عُرف بمهارته وجودة الأصناف التي يقدمها، لم يعد يملك نفس الفرص التي كانت تتوافر في الإقليم، لذلك قرر المغادرة إلى بغداد. في حديثه إلى "العربي الجديد" يقول حاجي علي إنّ الأجور أصبحت متدنية إلى حد غير معقول في المطاعم بكردستان، وفيما كان يتقاضى باليوم الواحد 150 ألف دينار عراقي (نحو 125 دولاراً أميركياً) يقول إنّه بات يتقاضى 50 ألف دينار (نحو 42 دولاراً). يضيف: "منذ عام 2014 بدأ الإقليم يشهد موجة من عدم الاستقرار في السوق؛ بسبب تهديدات تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق قريبة من حدود الإقليم. أيضاً استقبل كردستان أعداداً كبيرة من النازحين العراقيين والسوريين، وانضم الآلاف منهم إلى سوق العمل، فضلاً عن عمالة بنغالية أخذت تنتشر منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى عدد كبير آخر من العراقيين من بغداد ومحافظات أخرى".
يتابع حاجي علي أن العمالة غير الكردية الكبيرة العدد في الإقليم، والأزمة السياسية مع بغداد، تسببت بشح في فرص العمل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد العاطلين من العمل من أهل الإقليم، موضحاً: "النازحون والبنغاليون يعملون بأجر قليل جداً. منهم طباخون محترفون بأجر يصل إلى 20 ألف دينار (نحو 18 دولاراً) باليوم الواحد، ما أدى إلى تفضيلهم في العمل على نظرائهم من أبناء الإقليم".
اقــرأ أيضاً
تواجه حكومة كردستان العراق -التي تتمتع بحكم ذاتي- صعوبة في سداد أجور قوات البشمركة (المولجة بالدفاع عن الإقليم) والموظفين منذ عام 2014 بعدما أوقفت بغداد مخصصات مالية للإقليم بسبب نزاع على إيرادات النفط. وزادت كلفة الحرب ضد تنظيم داعش من المصاعب المالية التي يواجهها الإقليم، كما قلص انتزاع القوات العراقية السيطرة على محافظة كركوك المنتجة للنفط في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دخل الإقليم من إيرادات الخام بواقع النصف.
فاروق صالح وجد أنّ من غير الممكن البقاء في السليمانية مع تكبده خسائر مستمرة، ووجد أنّ من الأولى أن يتجه صوب العاصمة أو محافظات أخرى خارج الإقليم. صالح الذي يعمل في مجال الإعلانات الضوئية الحديثة يقول لـ"العربي الجديد" إنّه بدأ يخسر منذ أكثر من عام، وكان يدفع إيجار ورشته ومحله في وقت أصاب الجمود مهنته. يضيف: "كنت أقول إنّ عليّ أن أصبر. ربما تتحسن الظروف قريباً، لكنّي لم أعد أطيق البطالة التي أنا فيها وتعرضي لخسائر مستمرة، لذلك قررت نقل عملي إلى بغداد". صالح الأربعيني يقول إنّ مشروعه الجديد الذي بدأه منذ نحو شهرين في بغداد يسير على طريق النجاح، مشيراً إلى أنّه سيبقي عائلته في السليمانية، بسبب ارتباطات أولاده المدرسية، على أن ينتقلوا للاستقرار في بغداد إن بقيت الحال على ما هي عليه اليوم في الإقليم. في حديثه عن سبب الكساد الذي أصاب مهنته، يقول صالح: "كانت المشاريع في كردستان تجري على قدم وساق، آلاف المشاريع منتشرة في الإقليم، وكان عملي مزدهراً بسبب ذلك. كانت المحال التجارية تنتشر بشكل سريع لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، وكانت تعتمد على الإعلان الضوئي الحديث الذي يجذب الأنظار". يعقب: "مع دخول الإقليم في أزمة اقتصادية خانقة بسبب الخلافات المعروفة مع حكومة بغداد، تغيّرت الحال كثيراً. لقد تحول الكثير من أصحاب المهن إلى عاطلين من العمل".
الحال نفسها تنطبق على مراد سيروان الذي انتقل للعمل إلى خارج الإقليم، محاولاً البدء من جديد في تكوين اسم له بين صانعي الحلويات في محافظة النجف (161 كلم جنوب غرب بغداد). سيروان يقول لـ"العربي الجديد" إنّه لا يتقن اللغة العربية بشكل جيد، ولم يعمل سابقاً خارج مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، لكنّه متأكد من النجاح. يشير إلى أنه بدأ منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في العمل بمحل لصنع الحلويات: "كنت صاحب محل خاص في أربيل ويعمل تحت إمرتي ستة عمال. هذه البداية فأنا أفكر في أن أستقل بمحل خاص لاحقاً". يتابع أنّ "مهنة الحلويات من ضمن المهن الأخرى التي أصابها الكساد. سكان الإقليم في غالبيتهم يعملون في وظائف حكومية وهناك تلكؤ في رواتبهم. بعضهم لم يتسلموا رواتبهم بسبب الأزمة بين حكومتي بغداد وكردستان. النشاط التجاري توقف. السياحة باتت ضعيفة. المشاريع الاستثمارية توقفت أيضاً. حين تمر بأسواق مدن كردستان اليوم تجدها خالية من المتبضعين، هذا الأمر أضر بمهنتي". لكنّ على سيروان، بحسب قوله، أن يعمل بجدّ لإرسال المال إلى أهله "أنفق على أسرتي. والدتي متوفاة ووالدي من الأشخاص ذوي الإعاقة، وأخوتي جميعهم طلاب".
اقــرأ أيضاً
لم تعد مدن إقليم كردستان، شمال العراق، قبلة للعمل والاستثمار مثلما كانت على مدى عشرة أعوام بدأت عام 2004، فاستقطبت رؤوس أموال هاربة من بغداد ومحافظات عراقية أخرى؛ بعد غزو البلاد فضلاً عن استقطاب شركات أجنبية استثمرت في الإقليم.
الخلافات مع بغداد كانت سبباً رئيسياً في تدهور اقتصاد الإقليم، الأمر الذي أجبر المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على إنهاء أعمالهم في الإقليم ما أدى إلى بطالة كبيرة شهدتها المدن الكردية الكبرى.
هجرة عكسية للعاملين في المهن الحرة شهدها الإقليم مؤخراً، وهم يشيرون إلى أنّ كردستان بات بيئة طاردة. ولم تقتصر الهجرة على العاملين في كردستان ممن جاؤوا من محافظات أخرى، بل امتدت إلى أهل الإقليم الكردي أيضاً.
جمال حاجي علي، الذي كان يفرض على أصحاب المطاعم ما كان يريده من أجرة، كونه طباخاً عُرف بمهارته وجودة الأصناف التي يقدمها، لم يعد يملك نفس الفرص التي كانت تتوافر في الإقليم، لذلك قرر المغادرة إلى بغداد. في حديثه إلى "العربي الجديد" يقول حاجي علي إنّ الأجور أصبحت متدنية إلى حد غير معقول في المطاعم بكردستان، وفيما كان يتقاضى باليوم الواحد 150 ألف دينار عراقي (نحو 125 دولاراً أميركياً) يقول إنّه بات يتقاضى 50 ألف دينار (نحو 42 دولاراً). يضيف: "منذ عام 2014 بدأ الإقليم يشهد موجة من عدم الاستقرار في السوق؛ بسبب تهديدات تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق قريبة من حدود الإقليم. أيضاً استقبل كردستان أعداداً كبيرة من النازحين العراقيين والسوريين، وانضم الآلاف منهم إلى سوق العمل، فضلاً عن عمالة بنغالية أخذت تنتشر منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى عدد كبير آخر من العراقيين من بغداد ومحافظات أخرى".
يتابع حاجي علي أن العمالة غير الكردية الكبيرة العدد في الإقليم، والأزمة السياسية مع بغداد، تسببت بشح في فرص العمل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد العاطلين من العمل من أهل الإقليم، موضحاً: "النازحون والبنغاليون يعملون بأجر قليل جداً. منهم طباخون محترفون بأجر يصل إلى 20 ألف دينار (نحو 18 دولاراً) باليوم الواحد، ما أدى إلى تفضيلهم في العمل على نظرائهم من أبناء الإقليم".
فاروق صالح وجد أنّ من غير الممكن البقاء في السليمانية مع تكبده خسائر مستمرة، ووجد أنّ من الأولى أن يتجه صوب العاصمة أو محافظات أخرى خارج الإقليم. صالح الذي يعمل في مجال الإعلانات الضوئية الحديثة يقول لـ"العربي الجديد" إنّه بدأ يخسر منذ أكثر من عام، وكان يدفع إيجار ورشته ومحله في وقت أصاب الجمود مهنته. يضيف: "كنت أقول إنّ عليّ أن أصبر. ربما تتحسن الظروف قريباً، لكنّي لم أعد أطيق البطالة التي أنا فيها وتعرضي لخسائر مستمرة، لذلك قررت نقل عملي إلى بغداد". صالح الأربعيني يقول إنّ مشروعه الجديد الذي بدأه منذ نحو شهرين في بغداد يسير على طريق النجاح، مشيراً إلى أنّه سيبقي عائلته في السليمانية، بسبب ارتباطات أولاده المدرسية، على أن ينتقلوا للاستقرار في بغداد إن بقيت الحال على ما هي عليه اليوم في الإقليم. في حديثه عن سبب الكساد الذي أصاب مهنته، يقول صالح: "كانت المشاريع في كردستان تجري على قدم وساق، آلاف المشاريع منتشرة في الإقليم، وكان عملي مزدهراً بسبب ذلك. كانت المحال التجارية تنتشر بشكل سريع لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، وكانت تعتمد على الإعلان الضوئي الحديث الذي يجذب الأنظار". يعقب: "مع دخول الإقليم في أزمة اقتصادية خانقة بسبب الخلافات المعروفة مع حكومة بغداد، تغيّرت الحال كثيراً. لقد تحول الكثير من أصحاب المهن إلى عاطلين من العمل".
الحال نفسها تنطبق على مراد سيروان الذي انتقل للعمل إلى خارج الإقليم، محاولاً البدء من جديد في تكوين اسم له بين صانعي الحلويات في محافظة النجف (161 كلم جنوب غرب بغداد). سيروان يقول لـ"العربي الجديد" إنّه لا يتقن اللغة العربية بشكل جيد، ولم يعمل سابقاً خارج مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، لكنّه متأكد من النجاح. يشير إلى أنه بدأ منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في العمل بمحل لصنع الحلويات: "كنت صاحب محل خاص في أربيل ويعمل تحت إمرتي ستة عمال. هذه البداية فأنا أفكر في أن أستقل بمحل خاص لاحقاً". يتابع أنّ "مهنة الحلويات من ضمن المهن الأخرى التي أصابها الكساد. سكان الإقليم في غالبيتهم يعملون في وظائف حكومية وهناك تلكؤ في رواتبهم. بعضهم لم يتسلموا رواتبهم بسبب الأزمة بين حكومتي بغداد وكردستان. النشاط التجاري توقف. السياحة باتت ضعيفة. المشاريع الاستثمارية توقفت أيضاً. حين تمر بأسواق مدن كردستان اليوم تجدها خالية من المتبضعين، هذا الأمر أضر بمهنتي". لكنّ على سيروان، بحسب قوله، أن يعمل بجدّ لإرسال المال إلى أهله "أنفق على أسرتي. والدتي متوفاة ووالدي من الأشخاص ذوي الإعاقة، وأخوتي جميعهم طلاب".