أصبح رجلاً الآن!

25 سبتمبر 2014
دخل إلى عالم النساء من علی كرسيه أمام الباب/Getty
+ الخط -
اعتاد أن يرافق والدته إلی محل الملابس الداخلية (اللانجري) الذي تملكه، وهو في الخامسة عشرة. توفي والده وتسرّب هو من المدرسة لمساعدة والدته التي قالت إنّها بحاجة إليه. رتّبت له كرسياً أمام المحل حتّی يجلس خارجاً عند حضور الزبونات. علّمته أنواع الأقمشة والألوان والأذواق المختلفة. له مع المقاسات حكاية أخری. تعلّم تخمين المقاسات من خلال النظر فقط. تصرخ والدته في وجهه وتطلب منه إحضار "سوتيان" مقاس 75 من المخزن الخلفي، فيحضره وينظر بخجل إلی صدر صاحبته. صار يعرف مقاس الزبونات حتّى قبل أن تصرخ والدته.
دخل إلى عالم النساء من علی كرسيه أمام الباب. سمع النساء يشتكين من هجر أزواجهنّ ويطلبنَ الحلّ من والدته. وهي تحلّ المشاكل. تعرض علی الزبونة طقماً داخلياً أحمر اللون مكوناً من قطعتين. تقول لها: "البسيه.. وستكون ليلتك حمراء أيضاً". يسمعه في الخارج ويضحك. لم يكن يعرف أنّ عالم النساء معقّد إلى هذه الدرجة. يتذكّر كيف كان يقضي الوقت مع أصحابه أمام المدرسة. ينتظرون خروج الفتيات ويراقبون صدورهنّ الناهدة من تحت مراييل المدرسة الواسعة.
بالطبع لا يعرف أصدقاؤه شيئاً عن حمّالات الصدر المبطّنة أو الحيل الأخری. وحده يعرف، وتعامله الفتيات كأنّه "غير". يوقفنه في الشارع ليسألنه عن البضاعة الجديدة أو يشتكينَ من انكماش بعض القطع عند غسلها، فيعيد على مسامعهنّ نصائح الغسل والتنشيف. نفر منه أصدقاؤه جميعهم فيما بعد. قربه الشديد من عالم الإناث جعله دخيلا علی عالم الذكور، فهجروه. قالوا إنه "ليس رجلا مثلهم". استلم المحل وهو في الخامسة والثلاثين بعد وفاة والدته. لم يكن قد تزوّج بعد. لم تفكر أيّ فتاة في القرية به كـ"رجل" مثل بقية الرجال. كان يراقب تطور أجسامهنّ منذ المراهقة إلی ما بعد الزواج والحمل والولادة. يعرف المقاس المناسب والقماش الأكثر راحة لكلّ مرحلة.
صارت بعض الزبونات يقسنَ القطع بحضوره. كان الأقرب إلى النساء والأقدر علی فهمهنّ، ولكنْ لم تفهمه أيٌّ منهنّ يوماً، لم تفكر به أيّ واحدة كرجل... رجل فقط. أربكته ثقة الزبونات الزائدة به. امتنع حتّی عن عادة التلصّص علی أجسادهنّ. لم يعد الجسد يغريه. لا يفرّق بين ثدي ويدٍ، أو حتّی أنف. يتعامل مع الأجساد جميعها كما يتعامل مع أيّ عمل آخر. خلق فلسفة لنفسه. قال حتی الأشياء التي نحبّها ونستمتع بها تفقد قيمتها عندما تتحوّل إلى مدخل إلى المال. قصدته زبونة جديدة مرّة. لم تكن بالغة الجمال، فقد رأى كثيرات أجمل منها بكثير، لكنّها مختلفة. لا يعرف أن يفّسر كيف تختلف عن غيرها، لكنّه يستطيع أن يفسّر التغيير الذي طرأ عليه.
فقد ارتبك للمرّة الأولی ولم يستطع تحديد مقاسها. لاحظ أنّه يختلس النظر إلی جسدها ويدقّق في الألوان التي تختارها: "تحب الأصفر والبيج والكحلي" يقول لنفسه. صار يختار لها كلّ القطع ذات الألوان الثلاثة هذه، كلّما وصلت بضاعة جديدة، ويحرص علی أنواع الأقمشة التي تختارها. صارت تتردّد علی محله كثيراً. تحدّث مع امرأة، للمرّة الأولی، في مواضيع جديدة لا عن المقاسات ولا الألوان ولا الحيل. وجد نفسه رجلا للمرّة الأولی. يتحدث كرجل ويبدي رأيه في القطع التي تنتقيها كرجل أيضاً. شعوره هذا دفعه إلى طلب يدها من والدها. فسأله عن مهنته، وعندما علم رفض بحدّة. قال إنّه لن يزوّج ابنته من رجل يعمل في كار النساء ويعرف ألوان ملابس النساء الداخلية في الحارة كلّها. يعرف حتّى ملابس ابنته الداخلية. لم يناقش. لا أحد يناقش في مهنته أصلا. صباح اليوم التالي قصدت الفتاة محله ولم تجده. ظلّ المحل مغلقاً شهراً كاملاً، وعندما كثرت أسئلة الزبونات عنه، قال لهنّ أزواجهنّ إنه "أصبح رجلا ويعمل عتّالا الآن". أصبح رجلاً الآن.
دلالات
المساهمون