استمدت "الحريقة" اسمها أساساً، من حريقٍ ضخم، شب قبل ثلاثة وتسعين عاماً، على يد الفرنسيين، لتتحول المنطقة لاحقاً شيئاً فشيئاً، وتصبح أهم أسواق دمشق، ومعقل تُجارها وتجارتها، حتى أن البعض ذهب ليصف "سوق الحريقة"، بأنه مركز المال والأعمال في العاصمة السورية.
بدأت قصة "الحريقة"، في عشرينيات القرن الماضي، إذ يروي كتاب "دمشق.. تاريخ وصور" لقتيبة الشهابي، أن مجموعة من الثوار (نحو 400 شخص) كانت اتخذت من غوطة دمشق معقلاً لها، لشن هجمات ضد الاحتلال الفرنسي في سورية، دخلت صبيحة الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1925، إلى دمشق، بهدف مهاجمة القصر الذي اتخذه المفوض الفرنسي موريس سراي، مقر إقامة له، وهو "قصر العظم" المعروف، وسط دمشق القديمة، والذي يبعد عشرات الأمتار فقط عن منطقة "سيدي عامود"، التي تحوي قصوراً وبيوتاً لأثرياء دمشق.
و"سيدي عامود" هو اسم الحي الذي يمكن وصفه بالأرستقراطي حينها، وسط دمشق القديمة، وجاء الاسم هذا، من ضريحٍ هناك، لشخصية غير معروفة تماماً، اختلفت المصادر التاريخية في أن تكون لعلامةٍ أو أحد الأولياء القدامى.
دخل الثوار السوريون إلى دمشق القديمة، لتشهد اشتباكاتٍ مع الجنود الفرنسيين هناك، بمحيط "قصر العظم" وسوق الحميدية، وغيرها، الأمر الذي دفع المفوض الفرنسي ليعطي أوامره بقصف مدينة دمشق، وحي "سيدي عامود"، عقاباً للسكان الذين اعتبر أنهم رحبوا بدخول الثوار، وسهّلوا طريقهم لمحاربة الفرنسيين.
وفيما شمل القصف، مناطق كثيرة في دمشق، تعرض حي "سيدي عامود" لقصفٍ عنيف، من المدفعية الفرنسية الرابضة في قلعة جبل المزة، حيث كان الفرنسيون قد نصبوا مدافعهم في المرتفعات المحيطة بدمشق، فنشبت حرائق كبيرة في الحي، أدت لدمارٍ واسع فيه، ونزوح آلاف السكان. وقد خلف القصف الفرنسي بالمدفعية والطائرات مئات القتلى، في مختلف مناطق دمشق، حيث يقول محمد أديب تقي الدين الحصني، في كتابه "منتخبات التاريخ لدمشق"، إن عدد القتلى بلغ نحو 1500 شخص، في هذا القصف الذي استمر عدة أيام.
ومنذ ذلك التاريخ، بدأ السكان يشيرون إلى "سيدي عامود" على أنه مكان الحرائق أو "الحريقة"، وهو الاسم الذي يلازم اسم ذلك المكان إلى اليوم، مع تحولاتٍ عديدة شهدها الحي، الذي أصبح شيئاً فشيئاً مركز أسواق دمشق التجارية، إذ تحيط بسوق الحريقة، أسواقٌ تاريخية عديدة، من أبرزها سوق الخياطين، وسوق الحرير، وسوق الصاغة، وسوق البزورية، وسوق العصرونية، والسروجية، والمسكية، والمناخلية، وغيرها.
وقد خَلَدَ أحمد شوقي بعد زيارته لدمشق، قصف المدينة واحتراقها بالقنابل الفرنسية، بعد عامٍ، أي سنة 1926، في حفلٍ أقيمَ بالقاهرة، لدعم سورية، والمنكوبين جراء الحملة العسكرية الفرنسية هناك، بقصيدة شهيرة، افتتحها بـ"سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ.... ودمعٌ لا يُكفكف يا دمشقُ"، متحدثاً فيها عن القصف الفرنسي:
"وبي مما رمتكِ به الليالي.... جراحاتٌ لها في القلب عمقُ. وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا.... قلوبٌ كالحجارةِ لا تَرِقُ. رماكِ بطيشه ورمى فرنسا.... أخو حربٍ بِهِ صلفٌ وحمقُ. دمُ الثوار تعرفه فرنسا.... وتعلم أنهُ نورٌ وحقُ"، وصولاً إلى أبياته الشهيرة، التي يرددها اليوم كثيراً، مؤيدو وداعمو "الربيع العربي"، وهي "ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ.... وفي الأسرى فدى لَهُمُ وعِتقُ. وللحرية الحمراء بابٌ.... بكل يدٍ مضرجة يدقُ".
وبالعودة إلى "الحريقة"، فإن سوقها الواسع، يلتصق بسوق "الحميدية" الشهير، إذ تتفرع عن الأخير، مجموعة شوارع أو أزقة، نحو الجنوب، وكلها تصل إلى سوق الحريقة، لتقطع هذه التفرعات وسط الحريقة، وتنتهي في سوق مدحت باشا، وتتوزع على جانبيها المحال التجارية، التي تبيع مختلف أنواع الألبسة، والأقمشة، والخيوط، والستائر، والسجاد، والمفروشات، وكافة مستلزمات الخياطة، وغير ذلك من أنواع البضائع الكثيرة في ذاك السوق.
عند التجوال في سوق الحريقة، والأسواق المحيطة القريبة منه، كسوق الحميدية، والمسكية والبزورية والعصرونية، وغيرها، فإن العارفين بتاريخ هذه الأماكن، يشتمون مع زيارتها رائحة التاريخ، وذكرياته وعبره. وعند هذه الأسواق تماماً، اشتعلت بعد قرنٍ إلا قليلاً من قصف الفرنسيين الذين رحلوا لاحقاً من الشام، شرارة الثورة السورية ضد نظام الأسد، ففي الحميدية والحريقة، انطلقت أولى المظاهرات المطالبة بالحرية ورحيل نظام الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011، واشتعلت بعدها حرائق كثيرة في طول سورية وعرضها، لم تنطفئ حتى اليوم.
بدأت قصة "الحريقة"، في عشرينيات القرن الماضي، إذ يروي كتاب "دمشق.. تاريخ وصور" لقتيبة الشهابي، أن مجموعة من الثوار (نحو 400 شخص) كانت اتخذت من غوطة دمشق معقلاً لها، لشن هجمات ضد الاحتلال الفرنسي في سورية، دخلت صبيحة الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1925، إلى دمشق، بهدف مهاجمة القصر الذي اتخذه المفوض الفرنسي موريس سراي، مقر إقامة له، وهو "قصر العظم" المعروف، وسط دمشق القديمة، والذي يبعد عشرات الأمتار فقط عن منطقة "سيدي عامود"، التي تحوي قصوراً وبيوتاً لأثرياء دمشق.
و"سيدي عامود" هو اسم الحي الذي يمكن وصفه بالأرستقراطي حينها، وسط دمشق القديمة، وجاء الاسم هذا، من ضريحٍ هناك، لشخصية غير معروفة تماماً، اختلفت المصادر التاريخية في أن تكون لعلامةٍ أو أحد الأولياء القدامى.
دخل الثوار السوريون إلى دمشق القديمة، لتشهد اشتباكاتٍ مع الجنود الفرنسيين هناك، بمحيط "قصر العظم" وسوق الحميدية، وغيرها، الأمر الذي دفع المفوض الفرنسي ليعطي أوامره بقصف مدينة دمشق، وحي "سيدي عامود"، عقاباً للسكان الذين اعتبر أنهم رحبوا بدخول الثوار، وسهّلوا طريقهم لمحاربة الفرنسيين.
وفيما شمل القصف، مناطق كثيرة في دمشق، تعرض حي "سيدي عامود" لقصفٍ عنيف، من المدفعية الفرنسية الرابضة في قلعة جبل المزة، حيث كان الفرنسيون قد نصبوا مدافعهم في المرتفعات المحيطة بدمشق، فنشبت حرائق كبيرة في الحي، أدت لدمارٍ واسع فيه، ونزوح آلاف السكان. وقد خلف القصف الفرنسي بالمدفعية والطائرات مئات القتلى، في مختلف مناطق دمشق، حيث يقول محمد أديب تقي الدين الحصني، في كتابه "منتخبات التاريخ لدمشق"، إن عدد القتلى بلغ نحو 1500 شخص، في هذا القصف الذي استمر عدة أيام.
ومنذ ذلك التاريخ، بدأ السكان يشيرون إلى "سيدي عامود" على أنه مكان الحرائق أو "الحريقة"، وهو الاسم الذي يلازم اسم ذلك المكان إلى اليوم، مع تحولاتٍ عديدة شهدها الحي، الذي أصبح شيئاً فشيئاً مركز أسواق دمشق التجارية، إذ تحيط بسوق الحريقة، أسواقٌ تاريخية عديدة، من أبرزها سوق الخياطين، وسوق الحرير، وسوق الصاغة، وسوق البزورية، وسوق العصرونية، والسروجية، والمسكية، والمناخلية، وغيرها.
وقد خَلَدَ أحمد شوقي بعد زيارته لدمشق، قصف المدينة واحتراقها بالقنابل الفرنسية، بعد عامٍ، أي سنة 1926، في حفلٍ أقيمَ بالقاهرة، لدعم سورية، والمنكوبين جراء الحملة العسكرية الفرنسية هناك، بقصيدة شهيرة، افتتحها بـ"سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ.... ودمعٌ لا يُكفكف يا دمشقُ"، متحدثاً فيها عن القصف الفرنسي:
"وبي مما رمتكِ به الليالي.... جراحاتٌ لها في القلب عمقُ. وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا.... قلوبٌ كالحجارةِ لا تَرِقُ. رماكِ بطيشه ورمى فرنسا.... أخو حربٍ بِهِ صلفٌ وحمقُ. دمُ الثوار تعرفه فرنسا.... وتعلم أنهُ نورٌ وحقُ"، وصولاً إلى أبياته الشهيرة، التي يرددها اليوم كثيراً، مؤيدو وداعمو "الربيع العربي"، وهي "ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ.... وفي الأسرى فدى لَهُمُ وعِتقُ. وللحرية الحمراء بابٌ.... بكل يدٍ مضرجة يدقُ".
وبالعودة إلى "الحريقة"، فإن سوقها الواسع، يلتصق بسوق "الحميدية" الشهير، إذ تتفرع عن الأخير، مجموعة شوارع أو أزقة، نحو الجنوب، وكلها تصل إلى سوق الحريقة، لتقطع هذه التفرعات وسط الحريقة، وتنتهي في سوق مدحت باشا، وتتوزع على جانبيها المحال التجارية، التي تبيع مختلف أنواع الألبسة، والأقمشة، والخيوط، والستائر، والسجاد، والمفروشات، وكافة مستلزمات الخياطة، وغير ذلك من أنواع البضائع الكثيرة في ذاك السوق.
عند التجوال في سوق الحريقة، والأسواق المحيطة القريبة منه، كسوق الحميدية، والمسكية والبزورية والعصرونية، وغيرها، فإن العارفين بتاريخ هذه الأماكن، يشتمون مع زيارتها رائحة التاريخ، وذكرياته وعبره. وعند هذه الأسواق تماماً، اشتعلت بعد قرنٍ إلا قليلاً من قصف الفرنسيين الذين رحلوا لاحقاً من الشام، شرارة الثورة السورية ضد نظام الأسد، ففي الحميدية والحريقة، انطلقت أولى المظاهرات المطالبة بالحرية ورحيل نظام الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011، واشتعلت بعدها حرائق كثيرة في طول سورية وعرضها، لم تنطفئ حتى اليوم.