على امتداد النظر، تزهو الأسواق الشعبية، التي تُنصب بسطاتها في أماكن ألفها سكان العاصمة الأردنية عمان، بما لذ وطاب من المنتوجات الزراعية على جانب، وعلى جانب آخر بما يصلح من ملابس يتم استيرداها خصيصاً لعرضها على زبائن هذه الأسواق، الذين يقصدونها يوم العطلة الأسبوعية، في أماكن محددة سلفاً بات يحفظها روادها عن ظهر قلب.
والمثير في هذه الأسواق، التي باتت تنافس مراكز التسوّق الكبرى والمولات، بسبب انخفاض أسعارها نسبياً وجودة معروضاتها، هو الإقبال الكبير من أصحاب الدخول المرتفعة على التبضّع منها، بعد أن ظلت هذه الأسواق لسنوات عديدة حكراً على الفقراء فقط.
وقال البائع في سوق رأس العين الأسبوعي، رفعت محمود، لـ"العربي الجديد": "مَن يرَ الأسواق الشعبية اليوم، يدرك أن زبائنها لم يعودوا من الفقراء، إنما باتت مقصداً لفئات عديدة من أبناء المجتمع".
ورفعت، عشريني يمتلك بسطة خشبية يعلوها غطاء مزركش قوامه البلاستيك، ويفرش عليها "رأس ماله"، من خضار وأعشاب خضراء، بانتظار زبائن السوق ليبدأ نداءه الذي يخفت مع نهاية اليوم، أو مع نفاد كمية الخضروات التي في جعبته.
ويؤكد أن زبائنه من مختلف طبقات المجتمع، بسبب ملاءمة الأصناف والأسعار لمرتادي السوق في ظل ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية عموماً.
وقالت فاطمة مسعود، التي تجر بيدها حقيبة تشبه تلك التي يستخدمها المسافر، لحمل مشترياتها، إن محلات وبسطات البيع في الأسواق الشعبية تتميّز بالبساطة وانخفاض أسعار البيع، فضلاً عن أن جودتها تراوح بين المتوسط والجيد، علاوة على وجود مواد ذات جودة عالية ولكن لها سعرها المقبول هي الأخرى.
فيما يروي المهندس نضال البربري أنه يحضر باستمرار للسوق، قاصداً أن يبتاع خضروات وفواكه تكفي عائلته لأسبوع كامل نظراً لانشغاله باقي أيام الأسبوع. وفضلاً عن جودة البضاعة المعروضة، يبيّن البربري أنه يجد في القسم الأخر من السوق مبتغاه من الملابس والأحذية الأوروبية التي يتم استيرادها خصيصاً للأسواق الشعبية وتكون بحالة جيدة جداً نظراً لعدم استعمالها، ويتم استيرادها بماركاتها العالمية المعروفة بسبب حدوث خلل بسيط لا يلاحظ عادة فيتم اعتبارها "ستوكات".
أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية، حسين الخزاعي، يرى في إقبال شرائح واسعة من المجتمع على شراء مستلزماتهم الشخصية وأغذيتهم من الأسواق الشعبية، أمراً يتناسب مع مداخيلهم الشهرية وقدرتهم الشرائية التي تسجل تراجعاً ملحوظاً في ظل الضائقة المعيشية التي يواجهها المجتمع الأردني عموماً.
وبيّن الخزاعي أن ضعف القوة الشرائية هي سبب البحث عن بدائل، خاصة للمواطنين الذين يعد دخلهم محدوداً، وتبلغ نسبتهم، حسب دائرة الإحصاء العامة، نحو 55 في المئة من المجتمع المحلي ولا يتجاوز دخلهم الشهري 300 دينار شهرياً (أقل من 500 دولار).
وكشف خزاعي أن الأسواق الشعبية باتت وجهة للكثيرين ولا تقتصر فقط على فئات المجتمع من ذوي الدخل المحدود والمتدني، بل إن فئات من ذوي الدخول المرتفعة باتت تقصد مناطق متعددة تُعرف بأنها أسواق شعبية، سواء في العاصمة أو غيرها من محافظات الأردن، والسبب الرئيس هو انخفاض الأسعار وارتفاع جودتها بشكل ملحوظ مقارنة مع المحلات الأخرى.
من وجهة نظر مالية، يقول أستاذ الإدارة المالية، حسين الطراونة: منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، أجبر ارتفاع الأسعار والغلاء غير المنطقي، الحكومة الأردنية على البحث عن حلول جديدة أو غير تقليدية لمواجهة هذه الآفة، حيث أطلقت الحكومة في حينها مبادرة لإنشاء أسواق شعبية في كافة أنحاء البلاد توفر السلع للمستهلكين بأسعار مخفضة.
وأضاف الطراونة: كانت فكرة الأسواق الشعبية التي تم تنفيذها فعلاً، تقوم على توفير الخضار والفواكه من المزارعين مباشرة ليتم بيعها للمستهلكين بعد اختصار التجار الوسطاء، وكذلك توفير أماكن من قبل البلديات لتخفيف الإيجارات للباعة، بالإضافة إلى العديد من السلع الأساسية الأخرى التي يقوم منتجوها بعرضها مباشرة في هذه الأسواق، فخصصت الحكومة مليوني دينار أردني لإنشاء عشرة أسواق شعبية جديدة خارج العاصمة، وكانت النية التوسّع في مراحل لاحقة.