أسوأ من فولدمورت

14 ديسمبر 2015

شخصية لورد فولدمورت في عرض في لندن (يوليو/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

لم يعد هناك من يحترم نفسه في الغرب ولم يندّد بمطالبة دونالد ترامب بمنع المسلمين من دخول أميركا. كثيرون اعتبروها ترقى إلى مستوى الفاشية الصرف. هناك يهود ذكَّرهم هذا الخطاب بالدعاوى والممارسات النازية ضدهم، ويابانيون بمعسكرات الاعتقال الأميركية في الحرب العالمية الثانية. كلُّ من لديه قدرة على التفكير السليم الذي يقول، ببساطة، إن مليار مسلم ليسوا مسؤولين عن بضعة إرهابيين يعيثون فساداً في بلاد المسلمين قبل غيرهم، أذهله هذا الدرك العنصري الذي وصل إليه مرشح "أساسي" للرئاسة الأميركية. نحن لا نتحدث عن حاكم ولاية، ولا عن ممثل من الدرجة الثالثة، ولا عن قسيس متهوّر في بلدة مغمورة، بل عن رجل قد يكون، في ضربة عماء مطلق، رئيس أقوى دولة في العالم. هذه خطورة كلام ترامب: رفع عنصرية بعض الأوساط الأميركية البائسة من الشارع، الحانة، إلى مستوى الخطاب السياسي الرئاسي!

بين ملايين الذين ندّدوا بدعوة الفاشي ترامب هذه، هناك صحافية واحدة وقفت، حسب علمي، إلى جانبه. إنها كيتي هوبكنس، المعلقة في واحد من أكثر المواقع الصحافية الإنكليزية شعبية في العالم: ميل أونلاين. هذه خرقت الإجماع الصحافي والثقافي، بل والشعبي، البريطاني، واعتبرت أن ترامب لم "يذهب بعيداً" في وضعه مليار إنسان في خانة واحدة. وتعبير "الذهاب بعيداً" هو، بالمناسبة، لزعيم حزب الاستقلال البريطاني، نايجل فراج، المعادي حتى النخاع للمهاجرين. حتى نايجل فراج الذي يطالب بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنع دخول المهاجرين إليها، رأى أن ترامب "ذهب بعيداً" في تطرّفه. كالغريق الذي يتمسك بقشة وسط طوفان من التنديدات (التي زادت جماهيريته في أوساط اليمين الأميركي!) رفع ترامب كلام كيتي هوبكنس دليلاً على صواب قوله. فهي نطقت، مثله، بما لا تنطق به النخبة السياسية البريطانية، خشية إثارة ملايين من المسلمين البريطانيين عليهم، أو لكي لا تبدو هذه النخبة السياسية مجافية للصوابية السياسية. حتى لو كان الأمر كذلك، فمعيار العنصرية هو السلوك، وليس ما تضمره الدواخل. معيارها اللفظ الذي يحرّض على فعل، ويؤدي إلى وضع البشر في خاناتٍ لا يبرحونها أبداً.

أطرف، وأدلّ، عنوان صحافي قرأته هو ما نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية التي عنونت مقالاً لها بالقول: أخيراً، وجد ترامب من يقف إلى جانبه. الصورة التي نشرت مع هذا العنوان لم تحتج إلى كلمات: إنها سارة بيلين، المرشحة الجمهورية إيّاها. هذا هو مستوى مؤيدي ترامب في بلاده أميركا، وحليفتها بريطانيا. من نمط هوبكنس وبيلين. ليس حتى من نمط منافسه كارسون.. ولا أبعد كثيراً.. العنصري نتنياهو! لكن من بين الأصوات التي لم تفتأ ترتفع ضد خطابه الفاشي، يلفت النظر نزول جي. كيه. رولينغ، مؤلفة هاري بوتر، نادرة الخوض في قضايا من هذا الطراز، إلى ساحة المعركة. هناك، على الأغلب، أكثر من سبب لتشميرها عن يدها في المعركة ضد ترامب. إنها من سكوتلندا، البلد الذي تتحدَّر منه والدة ترامب. ولهذا قامت أواصر اقتصادية بينه وسكوتلندا، منها امتلاكه ملاعب للغولف، وتعيينه من الحكم المحلي الأسكتنلدي، لهذا السبب بالذات، سفيراً للغولف. كما أن الطبقة السياسية والثقافية الأسكتلدنية كانت الأعلى صوتاً ضده، نظراً لوجود مشهد عرقي وديني ملحوظ في أسكتلندا، فيه ملمح إسلامي آسيوي واضح.

اختارت رولينغ، في هجاء ترامب، إحدى شخصيات كتابها الشهير "هاري بوتر": لورد فولدمورت. إنه التجسيد التام للشر والظلام والخوف، حتى إن اسمه يتم تحاشي ذكره، مثلما يتحاشى العامة في بلادنا ذكر مرض السرطان، فيقولون: المرض الذي لا يسمى. لا أظن أن هناك وصفاً أقوى لهذا المخلوق الشرير، الرديء، الجعاري، دونالد ترامب، الذي أنكر، لسبب ما، تحدَّر والده من أصولٍ ألمانية، فكذب، في كتاب سيرته الذاتية، قائلاً إن عائلة والده هاجرت من السويد إلى أميركا.

هذا هو ترامب كما تراه جي. كيه. رولينغ. سيد العالم السفلي، وهكذا ستكون أميركا في "عهده" غير الميمون.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن