أستانة 13: هدنة لضمان تقدم النظام السوري

03 اغسطس 2019
توقفت غارات النظام وروسيا أمس (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

باستثناء الهدنة المشروطة التي أعلن عنها النظام السوري في شمال غربي سورية، لم تخرج الجولة الـ13 من اجتماعات أستانة، التي اختُتمت أمس الجمعة، بأي نتائج مهمة، فملفا اللجنة الدستورية وقضية المعتقلين لم يتم الإعلان عن أي تقدّم فعلي حولهما، وحتى أن الهدنة بدت كمناورة وحيلة بتخطيط روسي لتعزيز مصداقية محادثات أستانة، ولتثبيت المناطق التي سيطر عليها النظام في إدلب وحماة والانطلاق منها لقضم المزيد منها تدريجياً بأقل قدر من الخسائر في أرواح مقاتلي معسكر النظام ـ روسيا ـ إيران، وخصوصاً أن النظام بقي مصراً على خطابه باستعادة كل المناطق، بالتوازي مع تأكيد الدول الثلاث الضامنة لأستانة، روسيا وإيران وتركيا، تصميمها على مواصلة التعاون للقضاء على "داعش" و"جبهة النصرة" وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بـ"القاعدة" أو "داعش"، وهو ما يُفسر على أنه ترخيص بمواصلة القصف في إدلب ومحيطها بحجة محاربة الإرهاب. أما على الأرض، فإن الإعلان عن وقف إطلاق النار، تُرجم بوقف الغارات الجوية على شمال غربي سورية، غير أن قوات النظام واصلت عمليات القصف المدفعي ولو بوتيرة أقل، وهو ما قوبل برد من الفصائل المسلحة. وطيلة سنوات الحرب السورية، كل مرة كان يعلن فيها عن هدنة بشروط النظام، كانت قوات النظام وروسيا وإيران سرعان ما تقضم الأراضي وتحسم الجبهات لمصلحتها تحت شعار الهدنة، الممنوع فقط على المعارضة خرقها.

واختتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، أمس الجمعة، مباحثات أستانة الخاصة بسورية، من دون التوصل إلى نتائج واضحة سوى دعم وقف إطلاق النار مع ضرورة مواصلة محاربة تنظيمي "داعش" و"القاعدة". وبالنسبة للجنة الدستورية، فقد أعربت الدول الضامنة، تركيا وإيران وروسيا، في البيان الصادر عنها بعد اللقاء، عن ارتياحها للتقدّم المحرز في وضع اللمسات الأخيرة على تشكيل النظام الداخلي للجنة الدستورية، وأكدت استعدادها لتسهيل عقد اللجنة في أقرب وقت ممكن. وبالنسبة لملف المعتقلين، رحبت هذه الدول بـ"العملية الرابعة الناجحة المتعلقة بالإفراج المتبادل عن المحتجزين/ المختطفين التي عقدت في 31 يوليو/ تموز الماضي، في إطار الفريق العامل المعني التابع لأستانة".

وعن منطقة "خفض التصعيد" في إدلب ومحيطها، شددت هذه الدول على "ضرورة تهدئة الأوضاع على أرض الواقع من خلال التنفيذ الكامل لكل الاتفاقات المتعلقة بإدلب، أولاً وقبل كل شيء مذكرة 17 سبتمبر/ أيلول 2018". وأعربت عن "قلقها البالغ إزاء زيادة وجود هيئة تحرير الشام الإرهابية (جبهة النصرة سابقاً) في المنطقة"، وأكدت "تصميمها على مواصلة التعاون من أجل القضاء في النهاية على (داعش)، (جبهة النصرة)، وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بـ(القاعدة) أو (داعش)، وغيرها من الجماعات الإرهابية، كما حددها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". وفي الوقت الذي شجبت الدول الثلاث سقوط ضحايا مدنيين، وافقت على "اتخاذ تدابير ملموسة، بناءً على الاتفاقات السابقة، لضمان حماية السكان المدنيين وفقاً للقانون الإنساني الدولي".

وناقشت الدول الضامنة الوضع في شمال شرق سورية، مؤكدة أن "الأمن والاستقرار على المدى الطويل في هذه المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا على أساس احترام سيادة البلاد وسلامة أراضيها"، رافضة في هذا الصدد "كل المحاولات لإيجاد حقائق جديدة على أرض الواقع بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة"، معربة عن عزمها على الوقوف "ضد جداول الأعمال الانفصالية الرامية إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية وكذلك تهديد الأمن القومي للبلدان المجاورة". وقررت الدول الثلاث عقد الاجتماع المقبل لمجموعة أستانة في نور سلطان في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وجاء اجتماع أستانة في وقت كان وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه النظام قد دخل حيز التنفيذ ليل الخميس الجمعة. وبدأت الهدنة بعد إعلان مصدر عسكري تابع للنظام، الخميس، "الموافقة على وقف إطلاق النار شريطة أن يتم تطبيق اتفاق سوتشي الذي يقضي بتراجع المسلحين بحدود 20 كيلومتراً بالعمق من خط منطقة خفض التصعيد في إدلب وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة"، وفق ما نقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام.


وشهدت محافظة إدلب ومحيطها في شمال غرب سورية هدوءاً نسبياً مع توقف غارات النظام وروسيا، بعد مضي ثلاثة أشهر على بدء العمليات العسكرية في المنطقة من قبلهما، والتي تسبّبت خلال 3 أشهر في مقتل أكثر من 800 مدني، وفق منظمات حقوقية، نحو 200 منهم من الأطفال. لكن توقف الغارات الجوية لم يحل دون مواصلة القصف المدفعي والصاروخي ولو بوتيرة أقل من قِبل قوات النظام، فيما ردت فصائل المعارضة بقصف استهدف محافظة اللاذقية، ما أسفر عن مقتل شخص على الأقل، بحسب وسائل إعلام النظام.

وبقيت هذه الهدنة محل شكوك، خصوصاً مع تأكيد النظام عزمه على استعادة كل المناطق الخارجة عن سيطرته. ونقلت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام عن مدير الإدارة السياسية في جيش النظام، اللواء حسن حسن، قوله إن "المسار العسكري للقضاء على الإرهاب في الشمال مستمر"، معتبراً أنه إذا عجز المسار السياسي عن تحقيق المطلوب، فإن "الجيش لن يتوقف على الإطلاق، لا عند إدلب ولا عند أي منطقة تنتشر فيها المجموعات الإرهابية. وبالتالي لن يبقى شبر واحد إلا وستتم استعادته".
بدورها، حذّرت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في بيان من أن أي قصف على مناطق سيطرتها في شمال غرب سورية سيؤدي إلى عدم التزامها بوقف إطلاق النار.

وعن طلب النظام تراجع المسلحين بحدود 20 كيلومتراً بالعمق من خط منطقة خفض التصعيد في إدلب، قال رئيس وفد المعارضة إلى أستانة، أحمد طعمة، إن فصائل المعارضة التزمت بالفعل باتفاق سوتشي، وسحبت الأسلحة الثقيلة من النطاق الجغرافي الذي حدده الاتفاق، لكن النظام هو الذي ظل يخرق الاتفاق. وأضاف طعمة، خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الكازاخية مع أعضاء من وفد المعارضة عقب انتهاء جولة المفاوضات أمس، أن الهدنة هي السبيل للوصول إلى حل سياسي، مشيراً إلى أن محادثات أستانة تركزت على ملف وقف إطلاق النار في إدلب ووقف العمليات العسكرية التي يشنها النظام ضد المدنيين، معتبراً أن النظام استغل سابقاً التزام المعارضة بسحب السلاح الثقيل من محيط إدلب تنفيذاً لاتفاق سوتشي ليتقدّم عسكرياً في ريف حماة، وهو ما استدعى من المعارضة إعادة سلاحها لمواجهة النظام. وقال: "إذا كان النظام سيلتزم بوقف إطلاق النار، ويتوقف عن قتل المدنيين، فنحن لسنا بحاجة لبقاء السلاح الثقيل".

وعن الإجراءات العملية على أرض الواقع لتطبيق الاتفاق في ظل استمرار القصف من قوات النظام على ريف حماة الشمالي، قال طعمة: "إذا كان النظام ينقض الاتفاق فهذا من طبعه، لكننا نعتقد بأن الضمانات التي قدّمها الضامنون ستجبر النظام على وقف القصف".
وبالنسبة لملف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، قال طعمة: "لكي نصل إلى أي حل سياسي لا بد من الوصول إلى أرضية مناسبة لذلك"، مؤكداً أنه "عندما يحل الهدوء يمكننا العمل على حل ملف الهيئة وبقية الملفات المدنية والاجتماعية، وكل السوريين بالنسبة لنا سواء"، مشيراً إلى أن مشكلة المقاتلين الأجانب في سورية تشمل أيضاً مسلحي المليشيات الأجنبية والإيرانية و"حزب الله" اللبناني، التي تقاتل إلى جانب النظام.

في المقابل، كان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، يشكك بالتزام الفصائل باتفاق الهدنة، مرجحاً أن تواصل هذه الفصائل القيام بما سماها "استفزازات ضد القوات الحكومية". وأعلن ترحيب موسكو بإعلان النظام الموافقة المشروطة على وقف إطلاق النار، معتبراً أن "الكرة باتت في ملعب المسلحين". وأشار إلى وجود العديد من أعضاء "المجموعات المتطرفة" في منطقة إدلب، قائلاً: "ستستمر مكافحة الإرهاب في إدلب". كما اعتبر أن الوجود الأميركي في سورية غير شرعي.

من جهته، أعرب نائب وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، في مؤتمر صحافي بعد نهاية محادثات أستانة، عن أمله في أن تسهم مشاركة دول جوار سورية في مسار أستانة، في حل الأزمة السورية وإزالة الخلافات.


وشكك بعض المحللين بجدية الإعلان عن وقف إطلاق النار، معتبرين أنه مجرد تكتيك روسي لإعطاء بعض الزخم لمباحثات أستانة. وقال الباحث المتابع للشأن السوري سامويل راماني، لوكالة "فرانس برس": "لا أرى أن وقف إطلاق النار سيكون دائماً، ذلك أن بشار الأسد لن يتساهل إطلاقاً مع بقاء إدلب خارج دائرة نفوذه". وأعرب عن اعتقاده بأنها "حيلة ذكية بإيعاز روسي على الأرجح بهدف تعزيز مصداقية وفعالية محادثات أستانة، في وقت كان قد بدأ فيه التشكيك جدياً بفعاليتها".

من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الروس وصلوا إلى قناعة بعدم جدوى مواصلة هذه الحرب لأنه خلال ثلاثة أشهر لم يستطيعوا السيطرة سوى على واحد في المائة من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وأضاف رحال أن النظام لن يلتزم على الأغلب بالهدنة، خصوصاً عندما يخف الضغط الروسي عليه بعد انتهاء أستانة، لكن الفصائل جاهزة للرد، وهو ما قد يجبر روسيا على محاولة التفاهم مع الضامن التركي على حلول سياسية.