أسبوع على تهدئة إدلب: غموض بشأن التفاهمات ومصير الكبانة

13 مارس 2020
ستسير روسيا وتركيا دوريات مشتركة الأحد (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
لليوم الثالث على التوالي، واصل خبراء عسكريون وأمنيون أتراك وروس التباحث في العاصمة التركية أنقرة، لوضع آليات عملية لتطبيق اتفاق بين البلدين أفضى إلى تهدئة في الشمال الغربي من سورية، لكن الغموض لا يزال يكتنفه لجهة العديد من القضايا المهمة.


وفي حين أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أنه تم التوصل إلى اتفاقات بين أنقرة وموسكو، فإن مصادر دبلوماسية تركية مطلعة نفت، في حديث مع "العربي الجديد"، حصول خرق كبير خلال المباحثات، إذ إن الطرفين اتفقا على فتح عدة معابر لعودة النازحين إلى منازلهم، لكنهما لم يتوصلا بعد إلى اتفاق حول حصولهم على ضمانات لعودة آمنة. كما لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الوضع النهائي للعديد من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية ويطالب النظام باستعادة السيطرة عليها، ومنها تلة الكبانة ومحيطها في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي.

وأعلن الكرملين، أمس الخميس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان أشادا "بانخفاض كبير في التوتر في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب". وذكر الكرملين، في بيان بعد محادثة هاتفية بين الرئيسين اللذين اتفقا الأسبوع الماضي على وقف إطلاق النار في إدلب، أنه "جرت مناقشة القضايا المتعلقة بتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال القمة الروسية التركية في موسكو في 5 مارس/ آذار (الحالي). وقد أشير بارتياح إلى الانخفاض الكبير في التوتر في منطقة خفض التصعيد في إدلب". كما اتفق بوتين وأردوغان، بحسب البيان، على "مواصلة الحفاظ على الحوار المنتظم على مختلف المستويات، بما في ذلك الاتصالات الشخصية. وأكدا من جديد على أهمية استمرار العمل المشترك الوثيق، وفي المقام الأول بين وزارتي الدفاع، من أجل وقف دائم للأعمال القتالية وزيادة استقرار الوضع".

وكشفت مصادر تركية رفيعة المستوى، أمس الخميس، أن أنقرة وموسكو اتفقتا على فتح عدة معابر لعودة النازحين والمهجرين السوريين في منطقة خفض التصعيد بإدلب، في حين يبحث الجانبان موضوع تقديم الضمانات لعودة آمنة للمدنيين. وقالت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على كلام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار حول التوصل إلى توافقات مع الجانب الروسي خلال المباحثات الجارية في أنقرة، إنه "لا يمكن الحديث عن حصول خرق كبير في التوافقات، عكس ما يصرح به، ولا يزال هناك طريق طويل ليقطعه الطرفان". وأضافت المصادر أن "المفاوضات تجري لبحث مصير عودة المهجرين والنازحين إلى قراهم وبلداتهم داخل مناطق حدود اتفاقية سوتشي، أي منطقة ريف إدلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي".

وأكدت المصادر أن "التوافقات الحالية المقصودة، هي الاتفاق على اعتماد عدة نقاط كمعابر لعودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم، من بينها معبر في منطقة أريحا، ومعبر في منطقة أرناز بريف حلب، وآخر في منطقة فريكة بريف إدلب، وبالتالي يمكن القول إن سقف التوافق حالياً هو على اعتماد المعابر فقط، فيما يتواصل الحديث بين الطرفين على موضوع عودة النازحين والمهجرين، والضمانات التي يمكن أن تقدم لهم بعدم المساس بهم، كما حصل في مناطق أخرى شملت مصالحات، مثل الغوطة الشرقية ومناطق ريف درعا". وأوضحت المصادر أن "تركيا تسعى للحصول على ضمانات كبيرة جداً، مختلفة عن تلك التي حصلت في هذه المناطق، مستشهدة بما حصل فيها من تجاوزات، وإخلال النظام بالاتفاقيات مع الأهالي والشبان وقيادات المعارضة ونقص الخدمات، في ظل غموض كبير لا يزال يلف مصير نقاط المراقبة التركية التي حتى الآن لم تتنازل أنقرة عنها".


كما أن سعي تركيا للحصول على ضمانات "يشير إلى أن المناطق التي سيعود إليها النازحون تشمل تلك التي تقدم فيها النظام في الأشهر الأخيرة، فضلاً عن المناطق الواقعة جنوب الطريق الدولي حلب اللاذقية "أم 4". ورغم حديث أكار عن التقدم الحاصل في المفاوضات الجارية مع الوفد العسكري الروسي، إلا أن تفاصيل كثيرة ما زالت مبهمة، منها مصير منطقة جنوب الطريق، التي يبلغ عمقها أكثر من 6 كيلومترات، ومصير المعارضة فيها، وأيضاً نقاط المراقبة التركية وموضوع الضمانات التي تسعى أنقرة للحصول عليها. وكان الأهالي في تلك المناطق قد رفضوا سابقاً دخول قوات النظام إليها.

وفي هذا الإطار، قالت مصادر ميدانية تركية إن "الأحد المقبل سيشهد تسيير أول دورية مشتركة بين الجيشين التركي والروسي على الطريق الدولية أم 4، وأن موسكو تطالب أنقرة بأن تكون المنطقة الآمنة على جانبي الطريق خالية من أي وجود للمعارضة المسلحة، على أن تنشئ روسيا نقاط مراقبة فيها، في وقت ترفض تركيا هذا المقترح، لما له من أبعاد في فصل المنطقة وعزل جنوب الطريق الدولية، ومنع الحركة فيها، ما يمهد لسيطرة النظام عليها".

وكان أكار قد أعلن، أمس الخميس، أن بلاده أنجزت تفاهمات مهمة مع الوفد العسكري الروسي بخصوص الأوضاع في محافظة إدلب. وحذر في تصريح، عقب زيارته مؤسسة "أسيلسان" للصناعات العسكرية والإلكترونية التركية في أنقرة برفقة عدد من القادة العسكريين، من أن قوات بلاده ستستأنف عملياتها العسكرية من حيث توقفت في حال فشلت الهدنة في إدلب. وأشار إلى أن الوجود العسكري التركي "متواصل في إدلب بكل عناصرنا"، مضيفاً "وحداتنا تحافظ على مواقعها هناك، وانسحابنا غير وارد". وأشار إلى أن قوات النظام السوري قتلت نحو 1500 شخص في إدلب منذ مايو/ أيار الماضي، عبر استهدافها المدارس والمستشفيات والأسواق والأفران، لافتاً إلى أن الهجمات أدت إلى تهجير نحو مليون و400 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال، من منازلهم.

كما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أمس الخميس، أن وقف إطلاق النار في إدلب يحترم بشكل عام. وقالت زاخاروفا، في مؤتمر صحافي في موسكو: "في الآونة الأخيرة تم التغلب على تصاعد خطير للتوتر في منطقة إدلب، وقد أصبح ذلك ممكناً بفضل الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال اجتماع رئيسي روسيا وتركيا في 5 مارس/ آذار" الماضي. وأشارت إلى أن "البروتوكول الإضافي لمذكرة 17 سبتمبر/ أيلول 2018، الموقّع في نهاية اللقاء الثنائي، سمح بوقف الأعمال العدائية في المنطقة اعتباراً من 6 مارس". وقالت "الاتفاق يحترم بشكل عام. وهذا يساهم في تحقيق استقرار ملحوظ في الوضع في إدلب".
لكن قوات النظام خرقت وقف إطلاق النار الجديد في محافظة ادلب، الذي دخل يومه السابع، إذ تقدمت، أمس الخميس، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في ريف إدلب الجنوبي، حيث سيطرت وثبتت نقاطاً لها في كامل مناطق معارة موخص والبريج في محيط كفرنبل. وأشار المرصد إلى أن المناطق التي تقدمت إليها قوات النظام كانت خالية من أي وجود لفصائل المعارضة السورية.

وأشارت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري إلى استمرار محافظة اللاذقية بتنفيذ أعمال إزالة السواتر والعوائق من أوتوستراد حلب اللاذقية، بدءاً من مفرق قرية كفرية وصولاً إلى عين حور، مع إعادة تأهيل العقد المرورية وتنظيف قنوات المياه على جانبي الأوتوستراد. ونقلت عن مصدر في محافظة اللاذقية قوله إن أعمال الصيانة في المقاطع السابقة المحددة من الطريق تجاوزت 80 في المائة، وأنها ستكون جاهزة للوضع في الخدمة الأحد المقبل، الموعد المحدد لتسيير دوريات روسية تركية على جانبيه الشمالي والجنوبي في المناطق المخصصة لها.

ونقلت صحيفة "الوطن"، الموالية للنظام، عن مصدر ميداني قوله إن قوات النظام "متمسكة بالتهدئة لإنجاح مساعي موسكو في تطبيق الاتفاق الروسي التركي، ولا سيما تسيير دوريات مشتركة بين الطرفين على جانبي الطريق الدولي بين بلدتي ترنبة، غرب سراقب، وعين حور في ريف اللاذقية، قرب الحدود الإدارية الغربية لمحافظة إدلب، بحلول 15 مارس الحالي، تمهيداً لفتح طريق عام حلب اللاذقية أمام حركة المرور". كما نقلت عن "خبراء" ترجيحهم أن تُسند لقوات النظام مهمة السيطرة على مدينتي أريحا وجسر الشغور، بالإضافة إلى بلدات أورم الجوز وكفر شلايا ومحمبل الواقعة على أوتوستراد سراقب اللاذقية، لوقوعها في الناحية الجنوبية منه والمخصصة لتسيير الدوريات الروسية بعرض 6 كيلومترات. وأشارت المصادر إلى أن "الجيب المتبقي بحوزة فصائل المعارضة السورية، جنوب الشريط الآمن وجنوب طريق عام سراقب جسر الشغور، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية، ويتضمن ما تبقى من قرى وبلدات سهل الغاب الشمالي الغربي، سيخضع لسيطرة قوات النظام أيضاً بموجب بروتوكول الاتفاق الأخير في موسكو، وحتى وفق ملحق اتفاق سوتشي الروسي التركي في العام 2018".

إلى ذلك، لا يزال الغموض سيد الموقف بما يخص الاتفاق التركي الروسي حول العديد من القضايا المهمة، إذ إنه لم يتضح مصير مدينتي جسر الشغور وأريحا، وما بقي من مناطق خارج سيطرة قوات النظام في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، حيث لا تزال منطقة الكبانة ومحيطها تحت سيطرة فصائل مقاتلة.

ومنذ إبريل/ نيسان الماضي لم تنقطع محاولات قوات النظام والطيران الروسي لاقتحام هذه المنطقة. وتحولت تلة الكبانة إلى "ثقب أسود" ابتلع المئات من عناصر النظام والمليشيات. وأشار مصدر في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الكبانة منطقة جبلية ومرتفعة، ويمكن لأعداد قليلة من المقاتلين فيها الصمود وصد أي تقدم أو محاولة تسلل من قبل مليشيات النظام". وتضم منطقة الكبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي الشرقي تلالاً استراتيجية عدة، يستميت النظام والروس لانتزاع السيطرة عليها، كونها بوابة منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، التي تعد الهدف الكبير للنظام. ووفق المصدر، فإن الكبانة تقع على أعلى قمة مطلة على جسر الشغور وسهل الغاب وبداما والناجية والشغر والجانودية وغيرها من المناطق، وصولاً إلى جبل الزاوية في محافظة إدلب. وكشف أن "سيطرة قوات النظام على التلة تعني رصد المنطقة نارياً، ومن ثم يصبح تقدّمها إلى باقي المناطق أسهل، كونها ستقود المعارك من الأعلى إلى الأسفل، ومن هنا تنبع أهمية الكبانة الكبيرة لدى الثوار والنظام".

المساهمون