وشهدت مناطق سيدكان وسوران وخواكورك وبنكرد وسلسلة جبال قنديل، إضافة إلى أطراف قضاء العمادية وزاخو، خلال الأيام الماضية، عمليات جوية وبرية تركية فضلاً عن تعرضها لقصف مدفعي بين حين وآخر. ويقول مسؤولون في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، إنّ العمليات التركية لم تسفر عن خسائر بشرية بين العراقيين الأكراد، واستهدفت مواقع لحزب "العمال" ومراصد ومخازن لسلاحه في مناطق جبلية وريفية عدة.
وبحسب المقدّم دلشاد زيباري، من قوات البشمركة في دهوك، فإنّ قوات برية تركية توغّلت داخل الأراضي العراقية على مسافات تصل إلى 30 كيلومتراً، ونفّذت عمليات ضدّ عناصر بارزة بحزب "العمال الكردستاني"، مشدداً على أنّ مناطق العملية التركية خالية من البشمركة أو الأسايش (قوات الأمن).
وأضاف زيباري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ العمليات تشارك فيها الطائرات المروحية والمقاتلة، كما يتخللها قصف مدفعي. وأوضح أنها "واحدة من أوسع العمليات التركية في شمال العراق منذ شتاء العام الماضي". وقال إنّه "حتى الآن، تعتبر العملية نظيفة، كونها لم تتسبّب بمقتل مدنيين، على الرغم من وجود خسائر مادية بالتأكيد، لكن دائماً ما يكون هاجس سقوط مدنيين من الأكراد بالأرياف العراقية الحدودية هو الأبرز".
وكشف زيباري عن "توغّل هو الأحدث لقوة تركية جديدة فجر الجمعة الماضي مؤلّفة من عشرات الجنود، والذين استقروا في معسكر تركي داخل العراق يقع في قرية كريبي التابعة لناحية باطوفا ضمن قضاء العمادية بمحافظة دهوك"، مؤكداً أنّ "القوة الجديدة استقرت في المنطقة مع نحو 20 آلية عسكرية". وأقرّ زيباري بمقتل عناصر بارزة بحزب "العمال الكردستاني" خلال العمليات العسكرية الحالية.
وأعلن الجيش التركي، يوم الثلاثاء الماضي، عن بدء عملية برية مدعومة جوياً في منطقة خواكورك شمالي العراق بمشاركة لواء من قوات الكوماندوس، وأطلق عليها اسم "المخلب"، وقال إنها تهدف إلى تدمير مواقع حزب "العمال الكردستاني"، وتحييد الإرهابيين في تلك المنطقة.
وفي السياق، قال مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد"، إنّ "بغداد على علم مسبق بالعملية التركية الحالية"، معتبراً أنّ "الهجمات التي تستهدف تركيا من داخل العراق تعطيها الحق في اتخاذ إجراءات للوقاية منها".
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه أنّ "الحكومة العراقية لن تصرّح لا الآن ولا مستقبلاً، بسماحها للأتراك في تلك العملية، إلا أنّها لن ترفضها، وهناك تنسيق مسبق. فالأتراك قالوا لحكومة حيدر العبادي السابقة والحكومة الحالية برئاسة عادل عبد المهدي، إنهم سيكونون ممتنين في حال قاموا هم بمنع هجمات العمال الكردستاني على المصالح التركية، وفرضوا الأمن في مناطقهم الحدودية". وتابع "في الوقت الحالي موضوع العمال الكردستاني مرتبط بملفات سياسية وأمنية داخل العراق وخارجه، ويعتبر همّاً مؤجّلاً بالنسبة للحكومة العراقية الحالية".
ولفت المسؤول إلى اتفاقية عراقية تركية ما زالت فاعلة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تنصّ على إمكانية توغّل القوات التركية بحدود عشرين كيلومتراً، داخل العمق العراقي، موضحاً أنّ "هذه الاتفاقية تمّت بعد غزو القوات العراقية للكويت وفرض منطقة حظر جوي شمالي العراق، وخروج المحافظات الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية عن سيطرة نظام صدام حسين".
وفي وقت سابق، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، إنّ حزب العمال الكردستاني "يستخدم أراضي الجارة الجنوبية الشرقية منذ أعوام طويلة، قاعدة لشنّ عمليات ضدّ تركيا"، مضيفاً أنّ "عشرات الآلاف من مواطنينا قتلوا في تلك الهجمات، وباتت أنشطة المنظمة داخل الأراضي العراقية والسورية مسألة أمن قومي بالنسبة إلينا". وأكّد أنّ "أنقرة ذكّرت بغداد مراراً بوجوب تحمّل مسؤولياتها بمنع أنشطة الإرهابيين، وبأنّ المادة السابعة من الدستور العراقي تلزم حكومة البلاد بمنع استخدام أراضيها قاعدة لشنّ هجمات ضدّ دول مجاورة".
في هذه الأثناء، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، عدنان فيحان، إنّ "البرلمان ينتظر إجابة واضحة من الحكومة، بشأن سؤالنا عن العمليات العسكرية التي تقودها القوات التركية ضدّ العمال الكردستاني، وهل هي باتفاق وتنسيق مع بغداد، أم أنها خارج الاتفاقات".
ورأى فيحان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنّ "العمليات التركية الأخيرة في شمال العراق، تتضمّن خرقاً واعتداءً سافراً على السيادة العراقية، ونعتبرها احتلالاً، ونطالب بإيقافها، في حال لم يكن هناك اتفاق واضح مع العراق، مع العلم أنّ الحكومة ليس من حقها أصلاً إعطاء الحقّ لأي قوة أجنبية بأن تدخل العراق أو تحارب جماعة معينة إلا بموافقة البرلمان".
من جانبه، لفت قائمقام قضاء سنجار في نينوى، محما خليل، إلى أنّ "ملف العمال الكردستاني لا بدّ من معالجته بين حكومتي أنقرة وبغداد، وعلى الجميع منع استمرار انتهاكات حزب العمال الكردستاني. كما أننا لا نريد أن تشتبك قوات الأخير وتركيا على أراضينا، ولا نريد مشاكلهم، وعليهم أن يحلوا خلافاتهم بعيداً عن حدودنا". وأكّد في حديث مع "العربي الجديد" على ضرورة أنّ "تستثمر بغداد فرصة علاقتها الطيبة وتنسيقها العالي مع أربيل، لمعالجة ملف العمال الكردستاني، ومنع كل التدخلات الخارجية والقوات المسلحة من التقاتل على أرضنا، وقد طلبنا مسبقاً من قوات العمال الكردستاني، الخروج من سنجار لمصلحتهم ومصلحة سنجار والعراق".
بدورها، قالت عضو الجناح السياسي لحزب "العمال الكردستاني"، خاتو جيهان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "الوضع حالياً في المناطق التي توجد فيها قوات الحزب بالعراق متأزم بسبب العمليات التركية"، موضحةً أنّ "الحكومة العراقية لا تتواصل معنا، ولو اتجهت إلى الحوار لكانت تمّت معالجة الكثير من الملفات، وأهمها ما يتعلّق بأنشطة العمال الكردستاني العسكرية ضدّ السلطات التركية".
أمّا أمين هورامي، عضو الحزب "الديموقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه مسعود البارزاني، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "البشمركة غير مستعدة للدخول في معارك مع مسلحي العمال داخل العراق، فالنتائج ستكون كبيرة على حساب السكان، وكذلك المناطق داخل الإقليم"، موضحاً أنّ "الحكومة العراقية وحدها تمتلك تلك الإمكانات، لكن الجميع يعرف أنّ الملف متداخل بين إيران وتركيا والولايات المتحدة ومصالح أخرى، والحزب يستغلّ هذه التناقضات، وبات أقوى من قبل بفعل دفعات السلاح الأميركي التي وصلت لقوات سورية الديمقراطية، وتسلّلت إليه".
وحول موقف حكومة كردستان حالياً مما يجري، قال "نجد أنّ الحزب عامل مهدّد لأمن الإقليم واستقراره، ونتمنى عودته إلى تركيا، وعدم استخدام مناطقنا للاختباء. لكن كما قلت، الملف بيد بغداد التي لا تجد استقلالية كافية في هذا الموضوع لنفسها، فهناك عوامل أقوى منها".