تتجه الأوضاع في أرمينيا إلى مزيد من التأزم، مع تلبية عشرات الآلاف من المواطنين لدعوة زعيم المعارضة نيكول باشينيان إلى عصيان مدني، بعد فشله في الحصول على الغالبية البرلمانية لترؤس الحكومة، على الرغم من أنه المرشح الوحيد لهذا المنصب. وإذا فشلت الوساطات للتوصل إلى حلول وسط قبل عقد البرلمان جلسة جديدة بعد نحو أسبوع، فإن البلاد ستذهب إلى انتخابات نيابية مبكرة.
ومنذ 13 إبريل/ نيسان الماضي، تواجه أرمينيا، التي حصلت على استقلالها في العام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أزمة سياسية غير مسبوقة، حيث أجبرت تظاهرات شارك فيها عشرات آلاف المعارضين سيرج سركيسيان، الحليف الوثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الاستقالة في 23 إبريل بعد ستة أيام من انتخابه في البرلمان رئيساً للوزراء، بعدما كان رئيساً للدولة طوال 10 سنوات. وكانت أرمينيا قد شهدت في نهاية عام 2015 استفتاء على التعديلات الدستورية أسفر عن تقليص صلاحيات الرئيس والانتقال إلى نظام حكم برلماني، ما مهد الطريق لبقاء سركيسيان على رأس السلطة لفترة غير محدودة في منصب رئيس الوزراء. ورأت المعارضة الأرمينية آنذاك أن السلطات أجرت الاستفتاء بهدف البقاء في السلطة وليس لإصلاح المنظومة السياسية. ويصر باشينيان على أنه وحده القادر على تخليص أرمينيا من الفساد والفقر وإجراء انتخابات برلمانية عادلة وحرة، فيما تتهم المعارضة رئيس الوزراء المستقيل والحزب الجمهوري الحاكم منذ العام 1999 بالفساد واحتكار السلطة.
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، حظي باشينيان بدعم الحزبين الرئيسيين، بينهما حزب "أرمينيا المزدهرة" (31 نائباً)، ليضمن بذلك الحصول على 47 صوتاً، لكن تنقصه ستة أصوات للحصول على الأصوات الـ53 التي يحتاجها من المجلس، الذي يضم 105 مقاعد، وحيث يمتلك الحزب الجمهوري الحاكم الأغلبية (58 نائباً). وأحبط "الجمهوري" مسعى باشينيان لتولي منصب رئيس الوزراء، الثلاثاء، إذ صوت نواب الحزب، بعد جلسة استمرت تسع ساعات، ضده. ومن أصل مئة نائب شاركوا في التصويت، عارضه 55، وأيده 45 لتولي رئاسة الحكومة. وكان باشينيان يحتاج إلى 53 صوتاً لانتخابه، وقد عارضه نائبان داخل الكتل البرلمانية الثلاث التي سبق أن أيدته وكان متوقعاً أن تؤمن له 47 صوتاً. وقبل التصويت، ندد العديد من نواب الحزب الجمهوري بعدم التجانس في برنامج المعارض السياسي. وقال المتحدث باسم الحزب الجمهوري ونائب رئيس البرلمان، إدوارد شارمازانوف: "سيد باشينيان، لا أراك في منصب رئيس الوزراء ولا أراك قائداً". وأضاف "علينا اختيار شخص غير ملتبس. لا يمكن أن يكون المرء متأرجحاً بين الاشتراكية والليبرالية". وقال باشينيان، خلال الجلسة: "هناك معلومات بأن (الرئيسين السابقين) سيرج سركيسيان وروبرت كوشاريان، الثنائي الشهير، يخططان لاستعادة السلطة". وأضاف "أريد أن أحذرهما من أن اعتبار تساهل الشعب ضعفاً سيقود إلى تسونامي سياسي حقيقي". وأضاف "أدعو الجميع إلى الخروج للشوارع، لأنهم يريدون مجدداً سرقة النصر الذي حققه الشعب".
يشار إلى أن دستور أرمينيا ينص على أن البرلمان يجب أن يعقد جلسة تصويت جديدة بعد نحو أسبوع من فشله في المرة الأولى. وإذا فشل في التصويت على رئيس للحكومة، فإنه سيتم حله والذهاب إلى انتخابات مبكرة. ولم يصوت أي نائب من الحزب الجمهوري، الذي يتمتع بالغالبية في البرلمان، لمصلحة زعيم المعارضة. وقد يكون هذا الأمر عبارة عن استراتيجية متعمدة من "الجمهوري" لإجبار المعارضة على التوصل إلى حل وسط يلبي بعض مطالب الحزب، الذي لم يطرح مرشحاً لمواجهة باشينيان. وقال الخبير ألكسندر اسكندريان، إن "السلطة قررت كسب الوقت، من أجل إجبار المعارضة على تقديم تنازلات". وأضاف "من الواضح أن السلطة تريد الحصول على حصانة من المحاكمة ومقاعد في الحكومة الجديدة".
وأعلن باشينيان، لوكالة "رويترز"، أمس الأربعاء، أنه وأنصاره لن يستسلموا وسيواصلون حملة العصيان المدني. وقال باشينيان، خلال احتجاج في العاصمة الأرمينية يريفان: "قوتي الوحيدة هي الشعب. لن نستسلم. سنواصل الإضراب والعصيان". ورداً على سؤال عما إذا كان سيعيد ترشيح نفسه لمنصب رئيس الوزراء بعد أن فشل في الحصول على الأغلبية اللازمة من أصوات النواب، قال باشينيان "سنفكر ونتفاوض". وإذا فشل البرلمان للمرة الثانية في اختيار رئيس للوزراء، فسيتم حله والدعوة لانتخابات مبكرة. وأعلن باشينيان أنه إذا حدث ذلك فستكون مقاطعة الانتخابات أحد الخيارات أمام حركته. وتابع "لا أستطيع أن أبلغكم الآن. سيعتمد الأمر على الأوضاع".
وكان باشينيان دعا، في خطاب أمام عشرات الآلاف الذين تجمعوا في العاصمة أول من أمس، أنصاره إلى قطع الطرق وتعطيل حركة القطارات والمطارات في البلاد، وإلى إعلان "العصيان المدني". وكان توعد في وقت سابق بـ"تسونامي سياسي" إذا عمد الحزب الجمهوري الحاكم إلى "سرقة انتصار الشعب". وأغلق محتجون بعض مداخل يريفان وطريقاً إلى المطار. وقال أحد الذين أغلقوا الطريق المؤدي إلى المطار ويدعى ديفيد (19 سنة): "سنظل هنا". وأغلق المحتجون أيضاً عدة مفارق طرق في وسط المدينة. وقال أرمن نيكاغوسيان، وهو خبير مالي شارك في المسيرة في يريفان: "لن يتمكن الجمهوريون من إفشال النصر الذي حققه الشعب". أما مهندس البرمجيات ديفيد بابايان فحذر من أن رغبة الحزب الحاكم في التشبث بالسلطة ستكون لها نتائج عكسية. وقال "سيوقعون على حكمهم بالموت سياسياً". وأعرب مراقبون والمجتمع الدولي عن قلقهم إزاء إمكانية زعزعة الاستقرار في البلد المتحالف مع موسكو والعالق في نزاع على أراض مع أذربيجان منذ عقود. وحضت الولايات المتحدة الأطراف المعنية على التوصل إلى "حل يعكس مصالح جميع الأرمينيين"، بينما دعت روسيا إلى تسوية الخلاف. وتراقب موسكو الأزمة في أرمينيا التي يسكنها ثلاثة ملايين نسمة وتستضيف قواعد عسكرية روسية. ويخشى الروس تكرار سيناريو الانتفاضة الشعبية التي شهدتها أوكرانيا في عام 2014 وجاءت بزعماء جدد لا يدورون في فلكها.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)