01 أكتوبر 2022
أسبوع الدم في مصر
لعل الأسبوع الماضي كان من أكثر الأسابيع دموية في مصر، منذ فضّ الاعتصام في ميدان رابعة العدوية في 2013. بدأ بهجوم "داعشي" في سيناء أسقط ضابطاً و14 جندياً، ثم بعد يومين انفجار آخر في منطقة شعبية قريبة من الجامع الأزهر في القاهرة، حين حاول أفراد الأمن استيقاف من اتهموه بتفجير سابق في ميدان الجيزة، ليظهر أنه انتحاري فجّر نفسه، ما أدى إلى مقتل ثلاثةٍ من أفراد الشرطة، وإصابة ستة مدنيين وعسكريين، وبعدها بيوم تم تنفيذ أحكام إعدام على تسعة شباب متهمين باغتيال النائب العام، هشام بركات، كأنه ردّ مباشر. كأن الرسالة هي "قتلوا منا ونقتل منهم"!
يُنسي الدم بعضُه بعضاً. لا يرى متطرفو كل طرفٍ إلا دماءه... صار من المكرّر الحديث عن عدم استيفاء ضمانات المحاكمة العادلة، عن تجاهل الإجراءات القانونية لضمان حق من يقف بوجه القاضي، قائلاً إنه تعرّض للتعذيب والاختفاء القسري، ومن قبل ومن بعد، عن اختلال منظومة العدالة بشكل عام، حتى بالأمن الجنائي العادي، فما بالنا بالأداء بالقضايا السياسية. وهنا لا يغيب أن من يحكم بأمثال هذه القضايا ليس قضاءً طبيعياً أصلاً، بل دوائر خاصة بـ"الإرهاب"، لا يقوم عليها أكثر من بضعة قضاة، صاروا شخصيات عامة يطلق عليهم الإعلام الألقاب، ويُدلون بالتصريحات كنجوم السينما.
هذا فضلاً عن شبهة الخصومة السياسية المباشرة العامة ضد كل منتمٍ للإخوان المسلمين أمام القضاء والشرطة والإعلام وقطاعات شعبية. وقد شهدنا قضاةً يطلقون الخطب العصماء عن "30 يونيو"، وشهدنا في قضية وادي النطرون قاضياً يكتب في "التبيان" رؤيته التفصيلية الخاصة لثورة يناير التي خطط لها "الإخوان" وحركة حماس وحزب الله، واستغلوا بعض الشباب الطيب، وأيضاً الغوغاء والرعاع من الشعب.
حين ننادي بتعليق الإعدامات لهذه الأسباب، وبلا قطعٍ ببراءة أو إدانة، يظهر مزايدون بالدماء الأخرى صائحين: إذن تقبلون بدم الجنود؟ إذن تدعمون الإرهاب؟ إذن تريدون أن يمرّ مقتل النائب العام بلا حساب؟ والحقيقة أنهم صرحاء مع أنفسهم بالعبارة الأخيرة تحديداً، فالغرض إذن هو الانتقام، لا العدالة المجرّدة. قبيلتان لا دولة، وعدالة هم يريدونها مبصرةً تسحق أعداءهم لا عمياء، كما يُفترض بها أن تكون.
قالها عبد الفتاح السيسي بنفسه سابقاً "يد العدالة مكبّلة بالقوانين"، وبعدها خصيصاً فصّلوا له القوانين المطلوبة. وعلى الرغم من ذلك، لم يرض، وهو الآن بصدد التهام القضاء كاملاً بالتعديلات الدستورية المرتقبة. وليس مستبعداً أن تكون الإعدامات المتسارعة وسيلته لوأد بذور الحراك القضائي الذي ظهر في رسائل داخلية مُسرّبة، بزيادة العداء المباشر للقضاء باعتباره طرفاً سياسياً.
على الجهة المقابلة، نشهد أيضاً هذياناً من قبيل أن السيسي هو من يقتل "العساكر الغلابة" في سيناء، على الرغم من أن القائمة تشمل ضباطاً بأعلى الرتب، والسيسي هو من قتل النائب العام، بل إن واقعة الدرب الأحمر المسجلة بالفيديو بالكامل، والتي فجّر فيها الانتحاري نفسه أمام أعينهم، وشهد الأهالي بأنهم يعرفون الشاب وأسرته من قديم الزمان، وكانت قد ظهرت عليه أخيراً علامات الانعزال والتحول، وقُتل في الواقعة ضابط أمن وطني، وأصيب ضابط آخر له اسم معروف من عهد حسني مبارك، ولم يغير هذا كله من جدل أنها تمثيلية من المخابرات!
وهو ما يذكّرنا بهستيريا أن "الإخوان المسلمين" هم من قتلوا أنفسهم في ميدان رابعة العدوية، بل إن القضاء حكم ضد أفرادٍ في رابطة أولتراس الزمالك بأنهم هم من قتلوا رفاقهم في استاد الدفاع الجوي.
جوهر التلاعبات اللفظية والفكرية للطرفين هو رؤية دماء الآخر كـ "الأغيار"، نزع الإنسانية عنهم، والتنصّل التام من أي مسؤولية، أو حتى تساؤل داخلي. مع التأكيد أننا، بالطبع، لا نتحدّث عن طرفين متساويين، فأولاً على الدولة التصرف باعتبارها دولة، وثانياً فارق القوى الهائل لا يمكن تجاهله. وهذا الانقسام المجتمعي الحاد، والذي لم يعد قاصراً على المنتظمين بالأطراف المختلفة، بل امتد إلى معسكرات شعبية، وبعضها داخل صفوف المعارضة، يمثل عقبةً في وجه أي حراك سياسي، والتعامل معه ينضم إلى التحدّيات الصعبة المطلوبة في مصر المستقبل القريب والبعيد.
يُنسي الدم بعضُه بعضاً. لا يرى متطرفو كل طرفٍ إلا دماءه... صار من المكرّر الحديث عن عدم استيفاء ضمانات المحاكمة العادلة، عن تجاهل الإجراءات القانونية لضمان حق من يقف بوجه القاضي، قائلاً إنه تعرّض للتعذيب والاختفاء القسري، ومن قبل ومن بعد، عن اختلال منظومة العدالة بشكل عام، حتى بالأمن الجنائي العادي، فما بالنا بالأداء بالقضايا السياسية. وهنا لا يغيب أن من يحكم بأمثال هذه القضايا ليس قضاءً طبيعياً أصلاً، بل دوائر خاصة بـ"الإرهاب"، لا يقوم عليها أكثر من بضعة قضاة، صاروا شخصيات عامة يطلق عليهم الإعلام الألقاب، ويُدلون بالتصريحات كنجوم السينما.
هذا فضلاً عن شبهة الخصومة السياسية المباشرة العامة ضد كل منتمٍ للإخوان المسلمين أمام القضاء والشرطة والإعلام وقطاعات شعبية. وقد شهدنا قضاةً يطلقون الخطب العصماء عن "30 يونيو"، وشهدنا في قضية وادي النطرون قاضياً يكتب في "التبيان" رؤيته التفصيلية الخاصة لثورة يناير التي خطط لها "الإخوان" وحركة حماس وحزب الله، واستغلوا بعض الشباب الطيب، وأيضاً الغوغاء والرعاع من الشعب.
حين ننادي بتعليق الإعدامات لهذه الأسباب، وبلا قطعٍ ببراءة أو إدانة، يظهر مزايدون بالدماء الأخرى صائحين: إذن تقبلون بدم الجنود؟ إذن تدعمون الإرهاب؟ إذن تريدون أن يمرّ مقتل النائب العام بلا حساب؟ والحقيقة أنهم صرحاء مع أنفسهم بالعبارة الأخيرة تحديداً، فالغرض إذن هو الانتقام، لا العدالة المجرّدة. قبيلتان لا دولة، وعدالة هم يريدونها مبصرةً تسحق أعداءهم لا عمياء، كما يُفترض بها أن تكون.
قالها عبد الفتاح السيسي بنفسه سابقاً "يد العدالة مكبّلة بالقوانين"، وبعدها خصيصاً فصّلوا له القوانين المطلوبة. وعلى الرغم من ذلك، لم يرض، وهو الآن بصدد التهام القضاء كاملاً بالتعديلات الدستورية المرتقبة. وليس مستبعداً أن تكون الإعدامات المتسارعة وسيلته لوأد بذور الحراك القضائي الذي ظهر في رسائل داخلية مُسرّبة، بزيادة العداء المباشر للقضاء باعتباره طرفاً سياسياً.
على الجهة المقابلة، نشهد أيضاً هذياناً من قبيل أن السيسي هو من يقتل "العساكر الغلابة" في سيناء، على الرغم من أن القائمة تشمل ضباطاً بأعلى الرتب، والسيسي هو من قتل النائب العام، بل إن واقعة الدرب الأحمر المسجلة بالفيديو بالكامل، والتي فجّر فيها الانتحاري نفسه أمام أعينهم، وشهد الأهالي بأنهم يعرفون الشاب وأسرته من قديم الزمان، وكانت قد ظهرت عليه أخيراً علامات الانعزال والتحول، وقُتل في الواقعة ضابط أمن وطني، وأصيب ضابط آخر له اسم معروف من عهد حسني مبارك، ولم يغير هذا كله من جدل أنها تمثيلية من المخابرات!
وهو ما يذكّرنا بهستيريا أن "الإخوان المسلمين" هم من قتلوا أنفسهم في ميدان رابعة العدوية، بل إن القضاء حكم ضد أفرادٍ في رابطة أولتراس الزمالك بأنهم هم من قتلوا رفاقهم في استاد الدفاع الجوي.
جوهر التلاعبات اللفظية والفكرية للطرفين هو رؤية دماء الآخر كـ "الأغيار"، نزع الإنسانية عنهم، والتنصّل التام من أي مسؤولية، أو حتى تساؤل داخلي. مع التأكيد أننا، بالطبع، لا نتحدّث عن طرفين متساويين، فأولاً على الدولة التصرف باعتبارها دولة، وثانياً فارق القوى الهائل لا يمكن تجاهله. وهذا الانقسام المجتمعي الحاد، والذي لم يعد قاصراً على المنتظمين بالأطراف المختلفة، بل امتد إلى معسكرات شعبية، وبعضها داخل صفوف المعارضة، يمثل عقبةً في وجه أي حراك سياسي، والتعامل معه ينضم إلى التحدّيات الصعبة المطلوبة في مصر المستقبل القريب والبعيد.