أسباب تفضيل واشنطن المعارضة السورية لا النظام ضد "داعش"

27 اغسطس 2014
الجيش السوري منهك بشكل كبير (أحمد حسن عبيد/الأناضول/getty)
+ الخط -

ترى بعض المصادر الأميركية أن مسألة استهداف تنظيم "داعش" في سورية، عبر غارات جوية، أصبحت محسومة داخل إدارة الرئيس باراك أوباما، في حين تكشف بعض المصادر العراقية أن طائرات استطلاع أميركية من دون طيار باشرت بالفعل عملية مسح للأراضي السورية المجاورة للعراق، من أجل تحديد مواقع التنظيم في مدينتي دير الزور والبوكمال، ومناطق أخرى مجاورة للمدينتين.

ومع تسرب مثل تلك الأنباء عن أروقة القرار الأميركية، لم يعد السؤال المركزي ما إذا كانت واشنطن ستلجأ لضرب التنظيم في سورية، بل أصبح السؤال الأهم اليوم حول هوية القوى الموجودة على الأراضي السورية التي قد تتعاون واشنطن معها من أجل القضاء على التنظيم.

وهنا تكمن الإشكالية الأكبر التي تواجه الإدارة الأميركية. وفي هذا السياق، يدور الحديث الأميركي في الكواليس، حول إمكانية فتح قنوات التعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد، للقضاء على التنظيم. وبموازاة تلك الأحاديث، تعلو أصوات الجمهوريين في واشنطن حول ضرورة تسليح الجيش الحر وفصائل "المعارضة المعتدلة"، واستحالة التعاون مع الأسد، محملة إدارة أوباما المسؤولية عن تمدد سيطرة "داعش" نتيجة التقاعس منذ البداية في التدخل لصالح قوى المعارضة في سورية.

مما لا شك فيه أن طرفي الصراع في سورية، النظام والمعارضة، تابعا خلال الأيام الماضية، التصريحات الفرنسية والبريطانية والأميركية حول ضرورة تشكيل حلف موحد في مواجهة خطر "الدولة الإسلامية" في المنطقة، وانطلاقاً من ذلك، يتسابق الطرفان لاستغلال وكسب رضا واشنطن من أجل الانخراط في ذلك الحلف. ولأول مرة منذ ظهور التنظيم، قام طيران النظام بسلسلة غارات استهدفت مواقعه في مدينة الرقة، وذلك غداة قرار مجلس الأمن رقم ٢١٧٠ الذي اعتبره النظام بأنه جاء لمصلحته، واعترافاً بدوره بمحاربته للإرهاب، وهو ما عاد وكرره وزير الخارجية وليد المعلم.

لكن قصف طيران النظام لمواقع "داعش" في الرقة جاء أيضاً في أحد أسبابه نتيجة خساراته الكبيرة في مواقع "الفرقة 17". ولم يحل القصف دون خسارة النظام أخيراً، مطار الطبقة العسكري في الرقة بشكل كامل لصالح "داعش"، الأمر الذي ينذر بتحقيق التنظيم لانتصارات واسعة في الأراضي السورية. وغداة السيطرة على المطار، تتجه الأنظار اليوم نحو مطار مدينة دير الزور، إذ تشير التوقعات إلى أن المعركة المقبلة لـ"الدولة الإسلامية" ستكون بالسعي إلى السيطرة على المطار والأحياء المتبقية من المدينة التي ما زالت تحت سيطرة النظام، لتأمين ظهر التنظيم في الأراضي السورية.

وكانت المعارضة قد تكبدت خسائر كبيرة في المناطق التي كانت تسيطر عليها في ريف دير الزور شرقاً لصالح التنظيم، ويعمل التنظيم منذ أسابيع على استعادة المناطق التي كان قد انسحب منها مطلع العام الجاري، في ريف حلب الشمالي والشرقي، واستطاع بالفعل إعادة إحكام السيطرة على بعضها.

وفي نظرة سريعة للخريطة العسكرية لتمدد "الدولة الإسلامية" على الأراضي السورية، وإمكانات تعاون واشنطن مع أحد طرفي الصراع للقضاء على التنظيم، يبدو واضحاً أن الكفة تميل إلى فصائل المعارضة وليس الأسد، لأسباب عدة: أولاً لأن أغلب المناطق الذي يسيطر عليها "داعش"، هي مناطق فرضت فصائل المعارضة سيطرتها عليها لوقت طويل نسبياً، ولا تزال المعارضة موجودة في محيط تلك المناطق، ما يمكّنها من مساعدة واشنطن بشكل أكبر في القضاء على التنظيم في حال تم إمدادها بالسلاح اللازم.

ثانياً، لأن واشنطن ستواجه صعوبة كبيرة في إقناع الرأي العام العربي والإقليمي والغربي في حال قررت التعاون مع نظام الأسد في مواجهة "داعش" والقضاء عليه، وما يعني ذلك التعاون من اعتراف رسمي بشرعية النظام السوري وإعادته لحضن المجتمع الدولي بعد عشرات آلاف القتلى وملايين اللاجئين السوريين.

ثالثاً بسبب إنهاك الجيش السوري النظامي بشكل كبير في الآونة الأخيرة، إذ إن قوات النظام السوري اعتمدت بشكل رئيسي في الآونة الأخيرة في انتصاراتها ضد المعارضة، على الميليشيات الداعمة لها، العراقية منها واللبنانية، بالإضافة إلى اعتماد البراميل المتفجرة في قصف مناطق المعارضة، وليس اقتحام القوات البرية.

ومع تصاعد الحديث عن ضربة أميركية محتملة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية، بدأ التنظيم يتحسب للضربة، وما قد يترتب عليها من تحرك على الأرض. انطلاقاً من ذلك، وتجنباً لتشكيل أي نوع من أنواع مجالس الصحوات التي شهدها العراق في فترة سابقة، لجأت "الدولة الإسلامية" إلى إعدام نحو 700 شخص من عشيرة "الشعيطات" في دير الزور أخيراً بهدف ترويع العشائر السورية إن فكرت في الانتفاض ضد التنظيم.

حتى الآن لم تتضح ركائز الاستراتيجية الأميركية للقضاء على التنظيم، وهو ما يرجح خبراء أنه يحتاج إلى سنوات، وربما أن السبب الأساسي في عدم وضوح هذه الاستراتيجية نابع من تشابكات القضية، فأي تدخل ضد التنظيم ضمن المعطيات الراهنة، سيصب في خدمة النظام السوري.

وبدا لافتاً في هذا السياق اجتماع دول أصدقاء سورية الأساسيين في جدة، قبل 3 أيام، للتباحث حول مواجهة خطر "داعش"، بدون أن يأتي في البيان الختامي على أي ذكر لموضوع النظام السوري. يبدو الأمر مفهوماً بالنظر لتعقيدات وتشابكات المشهد، وهو ما يحتم على كل الأطراف المعنية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، صياغة استراتيجية متكاملة تتضمن أسساً لحل سياسي للأزمة السورية، قد يتطلب ضغوطاً كبيرة على كافة الأطراف لتقديم تنازلات تنقذ البلاد من المسار الكارثي الذي انحدرت إليه في العامين الأخيرين.

المساهمون