تحت عنوان "مرافعات الضوء" يتواصل معرض التشكيلي اللبناني أسامة بعلبكي (1978) في غاليري "أجيال" في بيروت حتى الخامس من أغسطس/ آب المقبل، حيث يضمّ 21 عملاً موضوعها الأساسي هو بيروت. لوحات أكريليك وأخرى مائية، معظمها يدور في الفضاء الطلق بين أبنية بيروت وبين أشجارها القليلة، لا وجود للبحر في أعمال بعلبكي لكن الأزرق بدرجاته يهيمن من خلال حضور السماء والليل والأشجار التي اختار لها الأخضر المزرق.
عناوين الأعمال لافتة أيضاً سنجد؛ "المدينة الملحمية"، و"الفزاعة المرتعبة"، و"ألفة مغناطيسية"، و"الجرف الغامض"، و"موكب الضوء"، "الجنوب البري"، و"رغوة الغيمة" و"موعد" و"إزهار المدينة"، و"شلال سماوي" و"ليلة سعيدة يا حمرا". المكان مفردة مهيمنة على العنوان واللوحة، بعلبكي متفقد كبير للأمكنة، يراقب عشبة تنبت من حافة الجدار فيرى أن المدينة تبرعم، يراقب حركة الغيمة حتى ليبدو الأمر أنه يتتبع حركة غيمة انتقلت من بين الأشجار في لوحة، ثم انحشرت بين البيوت في أخرى، ثم عبرت السماء حرة طليقة في ثالثة.
يشعر المرء وهو يرى أعمال صاحب مجموعة "مراسم العزلة" (2011)، أن الرسام مختبئ خلف شجرة ما، يراقب حركة المشهد من مكان غامض وضيّق فيرى منه جزءاً صغيراً أو بعيداً أو ممتداً، حيث الوقت دائماً هو المساء قبيل الليل بقليل، الشمس لا وجود لها إلا على شكل ضوء يغادر العالم، أو يختفي خلف الغيوم أو يجري تهريبه من بين عروق الأشجار وأغصانها. في لوحة "ألفة مغناطيسية"، يختار بعلبكي للرسمة أن تكون بيضاوية، مثل عدد من أعمال المجموعة، الشكل البيضاوي اختبار جديد لريشة الفنان، كيف سيحني السماء وماذا سيقتطع من هذه الشجرة أو تلك البناية لكي يكون المشهد مقوساً من دون أن يخسر من زواياه الحقيقية شيئاً.
ورغم هيمنة ألوان مونيه على أعمال بعلبكي، ورغم أنها كلها تبدو كما لو أنها انعكاسات المدينة على بحيرة انطباعية، ثمة لوحة واحدة بالأسود والأبيض، يهديها صاحبها إلى الشاعر الروسي فلاديميير ماياكوفسكي (1893-1930)، ويسميها "جرح الشاعر وردة". في اللوحة يظهر الشاعر، قتيلاً، كما يتخيل بعلبكي صورته بعد أن انتحر مطلقاً النار على صدره، في اللوحة أثر الرصاصة التي تركت فجوة في جسده، ونجد الرسام يؤشر على مكان الطلقة أو جرح الشاعر بيد تشبه يد "المؤشر" على شاشة كمبيوتر.
في مجموعة سابقة اختار بعلبكي رسم بودلير، بوردة صفراء تختفي خلف رأسه. ومثل كل مجموعة قدّمها بعلبكي سابقاً، لا بد أن يكون هناك بورتريه ذاتي، رأيناه سابقاً نائماً على كرسي وفي يده مسجل وثمة يد تغطي على عينه، رأيناه أيضاً يقيس طول وجهه بالمتر، أو يده مقطوعه وملقاة على كتفه، هذه المرة سنرى وجهه في طبق بيضاوي، كأنه أيقونة من عصر قديم. هذه هي مفردات بعلبكي، كل مرة يقترب منها بشكل؛ ذاته، بيروت، الجنوب، السهوب، الأشجار، الشاعر.