لطالما وصف الاقتصاد بأنه علم كئيب يقوم على موارد محدودة تقلّ أكثر فأكثر عند المشاركة بها، فتخلق لنا عالماً من الندرة. لكن دخول المعرفة في المنظومة الاقتصادية كأحد المحددات الجديدة للاقتصاد، ينهي هذا الوصف. فالمعرفة هي ذاك المورد الذي لا ينضب، وهي أكثر الأصول الاستراتيجية في المنشآت الاقتصادية، ومصدر كل الإبداع، الابتكار، القيمة، والتقدم الاجتماعي.
ويظهر ذلك جلياً بعد الانتقال الكبير من المنظومة الصناعية إلى المنظومة المعلوماتية، فالعالم يتوحد ضمن سوق عالمية تحكمها قواعد المعرفة. ونتيجة لذلك، نجد أن اقتصاد المعرفة يساهم بنسبة 80% من الناتج الداخلي الخام للدول المتقدّمة ويخلق 70% من فرص العمل بها، كما أنه رافعة للتنمية بعدة دول.
فقد استفادت دول آسيوية من الطفرة التكنولوجية والتقدم المعرفي لتسلّق المراتب في سلّم الأمم، فأصبحت ماليزيا وسنغافورة أكثر الدول تخصصاً في إدارة المعرفة، واحتلت هونغ كونغ المرتبة الثالثة عالمياً في جلب الاستثمارات الأجنبية لوجود بيئة حاضنة لمؤسّسات الاقتصاد المعرفي، وضاعفت الهند معدل نموّها الاقتصادي ثلاث مرّات في عقد واحد، كما أضحت المنتجات والخدمات المعرفية تمثل 60% من إجمالي صادرات اليابان.
وبناءً على ما تقدم، تقوم إدارة المعرفة بإعادة تنظيم البنى الاقتصادية بحيث تتيح زيادات هائلة في الإنتاجية، إزالة العمل الروتيني غير الضروري، خلق قنوات أكثر مباشرة للتوزيع، وتشجيع الإنتاج من السلع والخدمات ذات النوعية العالية، وافتتاح أسواق ضخمة جديدة، وتسهيل العمليات العالمية في كل الأعمال. كما تمارس ثورة المعلومات تأثيراً مضاعفاً، لأن هذه القدرة المتزايدة على اكتساب المعرفة تعجّل بالتقدم العلمي.
وإجمالاً، يعتمد الاقتصاد على سلسلة متكاملة لخلق القيمة وإنجاز العمليات الإنتاجية التي يترتّب عنها تجديد هيكلي للعمل في ما يخصّ التنظيم والتنسيق والمراقبة. وبذلك، تعتبر المعرفة المدخل والمنتج في العملية الاقتصادية، الأمر الذي يستدعي إقامة نظام وطني للابتكار متكامل الأركان، وقادر على قيادة الاقتصاد الوطني للخروج من بوتقة الفقر المعرفي إلى آفاق التنمية المعرفية من خلال مواجهة الفجوة الرقمية بين مستخدمي التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والتواصل وغير المستخدمين لها، إدارة جيدة للرأسمال البشري عبر كسب الأدمغة بدل هجرتها وإرساء سياسة علمية تدعم الابتكار.
وجدير بالذكر أن الابتكار عبارة عن عملية تدريجية وتراكمية تعتمد على الدراسة بالتعلّم وتُبنى على علاقات شبكية، وعلى التفاعل المستمر بين المنشآت التكنولوجية، جامعات التعليم العالي، معاهد البحوث والدراسات، المصارف التمويلية وشركات الاستثمار ومؤسسات الرقابة الحكومية.
وعلى هذا الأساس، فالنظام الوطني للابتكار يجعل كل هؤلاء الفاعلين في إطار مؤسساتي هادف إلى تحقيق عملية الابتكار على الصعيد الوطني عبر ربطها بعلاقات تعاونية ومعاملات تجارية وتنافسية تمكّن من تحصيل القيمة الاقتصادية المضافة.
وعلى هذا النحو، يستند النظام الوطني للابتكار على تشبيك واسع بين كل المؤسسات المعنية بإنتاج المعرفة بهدف إقامة تواصل يقوي تنمية التكتل التكنولوجي من خلال مناطق صناعية، وأقطاب تكنولوجية ونُظُم للإنتاج المحلي.
ويستلزم النظام الوطني للابتكار الارتكاز على عناصر رئيسة تؤطر عمله وتعزز مكانته في المنظومة الاقتصادية. ونذكر هنا: ضرورة وجود نظام تعليمي قوي منتج لموارد بشرية ذات كفاءة عالية ومتحلية بروح المبادرة والرغبة في الاكتشاف، تعزيز البحث والتطوير عبر توفير التمويل الكافي وتحفيز الباحثين والعمل على شراكات استراتيجية بين القطاع العام والخاص، تنظيم الإطار الاقتصادي بترسانة قانونية تهم المنافسة، حماية المستهلك وحقوق الملكية الفكرية.
علاوة على ذلك، يحتاج النظام الوطني للابتكار إلى مؤسسات وسيطة تعمل على تمويل المنشآت الصغرى والمتوسطة من خلال رأس المال المجازف، وكذلك تشجيع ريادة الأعمال بالقطاعات المعرفية عن طريق تقديم الدعم المالي في شكل التعويضات الصناعية عن مصاريف البحث والتطوير، وعرض خدمات التكوين والتأهيل في القطاعات التكنولوجية الدقيقة للارتقاء بمهارات الرأس مال البشري.
(باحث وأكاديمي مغربي)
إقرأ أيضا: 12 مليار دولار أرباح السعودية من البتروكيماويات
فقد استفادت دول آسيوية من الطفرة التكنولوجية والتقدم المعرفي لتسلّق المراتب في سلّم الأمم، فأصبحت ماليزيا وسنغافورة أكثر الدول تخصصاً في إدارة المعرفة، واحتلت هونغ كونغ المرتبة الثالثة عالمياً في جلب الاستثمارات الأجنبية لوجود بيئة حاضنة لمؤسّسات الاقتصاد المعرفي، وضاعفت الهند معدل نموّها الاقتصادي ثلاث مرّات في عقد واحد، كما أضحت المنتجات والخدمات المعرفية تمثل 60% من إجمالي صادرات اليابان.
وبناءً على ما تقدم، تقوم إدارة المعرفة بإعادة تنظيم البنى الاقتصادية بحيث تتيح زيادات هائلة في الإنتاجية، إزالة العمل الروتيني غير الضروري، خلق قنوات أكثر مباشرة للتوزيع، وتشجيع الإنتاج من السلع والخدمات ذات النوعية العالية، وافتتاح أسواق ضخمة جديدة، وتسهيل العمليات العالمية في كل الأعمال. كما تمارس ثورة المعلومات تأثيراً مضاعفاً، لأن هذه القدرة المتزايدة على اكتساب المعرفة تعجّل بالتقدم العلمي.
وإجمالاً، يعتمد الاقتصاد على سلسلة متكاملة لخلق القيمة وإنجاز العمليات الإنتاجية التي يترتّب عنها تجديد هيكلي للعمل في ما يخصّ التنظيم والتنسيق والمراقبة. وبذلك، تعتبر المعرفة المدخل والمنتج في العملية الاقتصادية، الأمر الذي يستدعي إقامة نظام وطني للابتكار متكامل الأركان، وقادر على قيادة الاقتصاد الوطني للخروج من بوتقة الفقر المعرفي إلى آفاق التنمية المعرفية من خلال مواجهة الفجوة الرقمية بين مستخدمي التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والتواصل وغير المستخدمين لها، إدارة جيدة للرأسمال البشري عبر كسب الأدمغة بدل هجرتها وإرساء سياسة علمية تدعم الابتكار.
وجدير بالذكر أن الابتكار عبارة عن عملية تدريجية وتراكمية تعتمد على الدراسة بالتعلّم وتُبنى على علاقات شبكية، وعلى التفاعل المستمر بين المنشآت التكنولوجية، جامعات التعليم العالي، معاهد البحوث والدراسات، المصارف التمويلية وشركات الاستثمار ومؤسسات الرقابة الحكومية.
وعلى هذا الأساس، فالنظام الوطني للابتكار يجعل كل هؤلاء الفاعلين في إطار مؤسساتي هادف إلى تحقيق عملية الابتكار على الصعيد الوطني عبر ربطها بعلاقات تعاونية ومعاملات تجارية وتنافسية تمكّن من تحصيل القيمة الاقتصادية المضافة.
وعلى هذا النحو، يستند النظام الوطني للابتكار على تشبيك واسع بين كل المؤسسات المعنية بإنتاج المعرفة بهدف إقامة تواصل يقوي تنمية التكتل التكنولوجي من خلال مناطق صناعية، وأقطاب تكنولوجية ونُظُم للإنتاج المحلي.
ويستلزم النظام الوطني للابتكار الارتكاز على عناصر رئيسة تؤطر عمله وتعزز مكانته في المنظومة الاقتصادية. ونذكر هنا: ضرورة وجود نظام تعليمي قوي منتج لموارد بشرية ذات كفاءة عالية ومتحلية بروح المبادرة والرغبة في الاكتشاف، تعزيز البحث والتطوير عبر توفير التمويل الكافي وتحفيز الباحثين والعمل على شراكات استراتيجية بين القطاع العام والخاص، تنظيم الإطار الاقتصادي بترسانة قانونية تهم المنافسة، حماية المستهلك وحقوق الملكية الفكرية.
علاوة على ذلك، يحتاج النظام الوطني للابتكار إلى مؤسسات وسيطة تعمل على تمويل المنشآت الصغرى والمتوسطة من خلال رأس المال المجازف، وكذلك تشجيع ريادة الأعمال بالقطاعات المعرفية عن طريق تقديم الدعم المالي في شكل التعويضات الصناعية عن مصاريف البحث والتطوير، وعرض خدمات التكوين والتأهيل في القطاعات التكنولوجية الدقيقة للارتقاء بمهارات الرأس مال البشري.
(باحث وأكاديمي مغربي)
إقرأ أيضا: 12 مليار دولار أرباح السعودية من البتروكيماويات