أسئلة بشأن بيان قمّة دول "التعاون"

14 ديسمبر 2014

قادة دول مجلس التعاون في قمة الدوحة (9ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تناولت صحف عربية ومواقع إخبارية إلكترونية مؤتمر قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجية التي انعقدت في الدوحة، الأسبوع الماضي، تارة بالتهكّم على قصر مدة الاجتماع، وتارة بتفسيرات لا محل لها في الإعراب، وتارة ثالثة بالتمجيد. وفي الحالات الثلاث، نستطيع القول "ما هكذا تورد الإبل"، فلكل بيئة ظروفها، ولكل اجتماع ظروف تحكمه.
(1)
ورد في نص البيان الختامي، في الفقرة الخامسة عشرة، (العمل العسكري المشترك) ما نصه "وافق المجلس الأعلى على توفير الخدمات العلاجية للأمراض المستعصية لمنتسبي القوات المسلحة بالدول الأعضاء في المستشفيات العسكرية والمراكز المتخصصة في دول مجلس التعاون". والسؤال، أليس ذلك حقاً لأي مواطن خليجي أن يتلقى العلاج في أي مستشفى، أو مقر طبي، تتوفر فيه الإمكانات لتلقي العلاج من تلك الأمراض. بمعنى آخر، لو مرض مواطن، أيّاً كانت وظيفته في الدولة (ص) بمرض عضال، ويوجد علاجه في مستشفى للقوات المسلحة في الدولة (ق)، أليس من حقه العلاج في ذلك المستشفى؟ أليس من الأفضل أن تكون هذه المادة في النظام الداخلي المعمول به في مجلس الدفاع المشترك، بدلاً من أن تكون في البيان الختامي للقمة؟ مفهوم البيان الختامي للقمم، أيّاً كانت، هو تناول القضايا الاستراتيجية والمخاطر الآنية، وإعلان السياسات لتلك الدول، صاحبة القمة، في شأنها، وليس التفاصيل الجزئية. 

تقول الفقرة 15 في البيان "عبّر المجلس الأعلى عن ارتياحه وتقديره للإنجازات والخطوات التي تحققت لبناء القيادة العسكرية الموحّدة..". طالما أن البيان الختامي هو موجّه للشعب الخليجي، ومعلن أمام كل وسائل الإعلام، فلماذا لا يبيّن للمواطن ميزانية تلك القوة العسكرية، وممَّ تتكوّن، هل قوات برية وبحرية وجوية، وما دور درع الجزيرة، وما تلك الإنجازات والخطوات التي تحققت في المجال العسكري؟ إننا في سباق مع الزمن لمواجهة المخاطر التي تحيط بالمنطقة، من كل الجهات، ولم نعد في حاجة إلى إجراء الدراسات في هذا المجال. إننا نحتاج إلى إجراءات عملية تنفيذية، والبدء في التدريب، وتوحيد العقيدة القتالية، والتسلّح من أجل الدفاع عن هذا الوطن الخليجي الذي يعيش في قلق، لأنه لم يبنِ قوة رادعة، تخيف كل متربّص بأمنه وسيادته واستقراره.
(2)
ورد، في الفقرة 18، بند الإرهاب في البيان بشكل مركّز، لكنه تجاهل، أو نسي، أن يقدم مفهوم دول مجلس التعاون لمعنى الإرهاب، ولم يفرّق بين إرهاب الدولة وأي نوع آخر من أنواع الإرهاب. وهنا، أعتقد أن البيان الختامي وقع في إشكال قانوني، قد يمتد إلى قيادات سياسية عليا. وفي هذا المجال، هل نعتبر المقاومة الفلسطينية من أجل استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني عملاً إرهابياً، أم حركة تحرر وطني؟ إن القول "نبذ الإرهاب والتطرّف بكافة أشكاله وصوره، ومهما كانت دوافعه ومبرراته، وأيّاً كان مصدره، وتجفيف موارده"، يحتاج وقفة تأمل عميقة، قانونية وسياسية، لأن تلك الفقرة، بما تضمنت من كلمات، في تقدير الكاتب، مثيرة للقلق لقيادات خليجية وعربية، خصوصاً أن دولاً خليجية ومصر السيسي تناصر المعارضة المسلحة في بلاد الشام وشمال أفريقيا.
(3)
الفقرة 27، في تقدير الكاتب، ناقصة الصياغة، وكانت تحتاج، إلى جانب التأكيد على أهمية التعاون بين دول مجلس التعاون وإيران، فقرة تؤكد على إيران بأن ترفع يدها عن تمويل الارهابيين في اليمن وتدريبهم، وكذا الميليشيات الطائفية في العراق وسورية، وفي مملكة البحرين الشقيقة. ما تفعله إيران في هذه الدول، وحسب بيانات مسؤولين في طهران وخطبهم وتصريحاتهم، يجعلنا نؤكد القول إن تلك الأفعال لا تخدم، أو لا تقود إلى التعاون بيننا وبين إيران. دبلوماسية الاسترضاء غير مجدية، والأكثر جدوى دبلوماسية المصارحة، ولا أقول المواجهة، في الوقت الراهن.

بشأن الفقرة 42. لا جدال في أن لمصر ثقل سياسي واستراتيجي لا ينكر، والعرب كلهم يقفون مع مصر العزيزة في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها. لكن، غاب عن البيان الختامي، في هذا المجال، مناشدة مصر، وبأحسن العبارات، أن ترفع الحصار عن قطاع غزة، وأن تفتح المعابر، مرة وإلى الأبد، أمام حركة الفلسطينيين، دخولاً وخروجاً من دون قيود. وفي تقدير الكاتب أن على مصر أن تغلّب المصلحة القومية والإنسانية، في هذا الشأن، على مصالح بعض قيادات حركة فتح التي تريد من مصر إمعان الحصار على قطاع غزة بالتعاون مع إسرائيل. كان حريّاً بمجلس التعاون أن يضمن مطلب رفع الحصار إلى جانب مطلب دعم النظام السياسي القائم في مصر.

الفقرة 40 "رحب المجلس الأعلى بالتوجهات الجديدة للحكومة العراقية". وسؤالي للجنة صياغة البيان الختامي: ما هي هذه التوجهات؟ هل يرحب المجلس بأن تدخل القوات الجوية الإيرانية أجواء العراق، لضرب قرى ومدن أهل الأنبار ونينوى، بذريعة محاربة داعش؟ وهل يرحبون بالحشد الشعبي الطائفي ضد أهلنا في الأنبار ونينوى ومناطق أخرى؟ جانَب التوفيق والصواب الذين صاغوا البيان الختامي في هذه المسألة.

آخر القول: البيان الختامي مليء بالثغرات السياسية والقانونية والاستراتيجية، وهذا إثبات على الضعف السياسي والقانوني عند فريق الصياغة، ولا جدال في أن قادتنا ينشدون الكمال.

EC78868B-7E9C-4679-9EB1-42A585C1A75D
محمد صالح المسفر

كاتب وباحث من قطر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، له عدة بحوث ومقالات وكتب.