أسئلة برسم زمن السيسي

23 يوليو 2014
+ الخط -

عندما سقط حسني مبارك، بعد ثورة الشعب المصري على نظامه، سجد لله مواطن موريتاني في غرب الأرض العربية الأفريقية، وسالت دموعه فرحاً بالحدث الذي سيجعل مدينة غزة المحاصرة، بحسب ما يتصور، تتنفس من معبر رفح بشكل دائم، وتأخذ حريتها في ذلك، تماماً كما تفعل كل المدن الحرة. ولم يكن، ببساطته، يدرك سذاجة تفكيره، مقارنة مع تعقيدات الساسة الذين يكرهون البساطة، خصوصاً إذا كانت في مستوى تطلعات أمثاله. الآن، ومع العدوان الصهيوني الحالي على غزة، وفي يوم مجزرة مروعة في الشجاعية، تتبدى في عيني ذلك المواطن الموريتاني نظرة بائسة، تسأل: ماذا حل بمصر؟ وهل يعقل أن مصر في عهد عبد الفتاح السيسي تحطم الأرقام القياسية في عهد مبارك، من حيث التنسيق مع الكيان الصهيوني، أو على الأقل الصمت عن عدوانه المتكرر على الفلسطينيين؟
لا يعرف مواطننا البسيط التعقيدات الجيوسياسية، ولا تهمه إطلاقاً، ولا يعرف غير الصور التي تصل إليه، على شاشات التلفزات، وتظهر أطفالاً ونساءً وكهولاً وعجائز، يتناثرون أشلاء بفعل همجية صهيونيةٍ، وفي أثناء صمت عربي رسمي غير مسبوق، تؤلمه إلى حدود التشظي والبكاء العاجز، تجعله ينطلق في متاهة الأسئلة التي تجتمع كلها في مصبٍّ واحد هو: أين أنت يا مصر الشقيقة الكبرى، أين أنت يا من تملكين في تاريخك إرثاً لا يرضى بممالأة العدو، مهما اتحدت المصالح السياسية الظرفية معه، وتشابكت؟.
يتلبسنا وجع صاحبنا الذي سجد شكرا لله يوم إطاحة مبارك، فيما أسئلة تتراكم بشأن دور مصر في عهد السيسي، والذي فاق كل الكنز الاستراتيجي الذي كان عليه مبارك. علماً أننا، لم نأمل يوما الكثير من أي موقف رسمي، طوال تاريخ القضية المركزية لنا، قضية فلسطين.
وثمة حالة أكثر تعقيداً، هي التراخي والسكون الذي ينتاب النخبة القومية واليسارية المصرية. ويتمدد تساؤل أولي إلى إحساس بالاحتقار عندما نرى ونسمع هجوماً باسم "قوميين ناصريين" على حركة حماس الإخوانية، واعتبار حكمها غزة أسوأ من حكم الصهاينة، واعتبارها المسؤولة عن معاناة الغزيين، لرفضها "المبادرة المصرية".
ولم تكن النخب اليسارية والقومية، إطلاقاً، في عهد مبارك، وعلى الرغم من خلافاتها المعلنة مع الإخوان، تتوقف عن إعلان مواقفها المنددة بالتعاون الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني ونظام مبارك، فضلاً عن خروجها، دائماً، في مسيرات وفعاليات لرفض أي عدوان على غزة المجاورة، والمطالبة بفتح معبر رفح بشكل دائم، فما الذي استجد، وجعل كثيرين منها يسكتون، أو ينطق بعضهم بذلك التطرف ضد حماس وغزة؟.
يبدو سؤالاً معقداً، بالنظر إلى التشابك بين العوامل التي تشكل مفاتيح لإجابته، فهناك السلوك السياسي الإخواني، في أثناء حكم الرئيس المنقلب عليه، محمد مرسي، والذي ساهم، بحسب محللين، في زرع فجوة كبيرة بين "الإخوان" في مصر وباقي الشركاء في الثورة والمشروع الوطني. وهناك الذهنية التي رافقت المشروع القومي، منذ ظهوره كممارسة سياسية سلطوية، والمجسدة لمفهوم مختلف للثورة، حيث كان القائد الثائر في كل الأنظمة القومية التي حكمت بلداننا العربية، عسكرياً قادماً بانقلاب بمسمى ثوري! لذلك، يرى محللون أنه كان من الطبيعي أن تنحاز القوى القومية تحديداً للجنرال السيسي، لأنه من يخلصها من سلطة الإخوان، ومن ناحية أهم، فهو قد يمثل ذلك القائد "الثائر" الذي تعودت عليه في تاريخها السياسي.
العامل الأخطر، وقد يكون له ما بعده على مستوى المفاهيم الاستراتيجية، وتمدد الفكرة القومية أو اليسارية، أن تلك النخب سمحت لنفسها بأن تلعب دور المبرر النظري لمشروع "مشترك" بين عدة دول عربية، يسعى إلى استئصال فكرة "الربيع العربي"، بالبدء في استئصال كل ما هو إخواني، وكل ما يمثل قوة للإخوان.
 


 

4D8EB186-878A-4661-9143-F7EE55E566CB
الحبيب الشيخ محمد

كاتب موريتاني