أزمة موارد... استنفار برلماني ضد الإجراءات التقشفية في تونس

19 أكتوبر 2017
تتضمن الموازنة الجديدة زيادة الإيرادات الضريبية (فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت أحزاب معارضة في البرلمان التونسي حالة الاستنفار ضد الإجراءات الاجتماعية التي وردت في مشروع الموازنة المحال إليها منذ يومين، معتبرة هذه السياسات بمثابة مسكنات منتهية الصلاحية.

ولم يول مشروع موازنة العام المقبل الإجراءات الاجتماعية حيزا مهما ضمن فصوله، ما عدا بعض التدخلات التي ستشمل الصحة والتعليم ورفع المنح المخصصة للعائلات الفقيرة في حدود 4%، ما دفع أحزاب المعارضة داخل البرلمان إلى رفع درجة التأهب لخوض معركتها ضد مقترحات الحكومة التي وصفتها بالضعيفة.

ويعتبر المهتمون بالشأن الاقتصادي أن توفير التمويلات للموازنة ورفع الضرائب كان العنوان الأبرز لمشروع قانون المالية للعام المقبل، ما قد يهدد باصطدامه برفض واسع من قبل الأحزاب البرلمانية ذات التوجه الاجتماعي.

وتبدأ اللجان البرلمانية بداية الأسبوع القادم في مناقشة فصول القانون وسط سعي حكومي لإقناع شركاء الحكم والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج بضمان الحد الأقصى من الدعم لهذا المشروع والمصادقة عليه دون تغييرات عميقة تجبر الحكومة على البحث مجددا عن موارد لتمويل الموازنة.

وضمن حزمة الإجراءات الاجتماعية وعدت حكومة يوسف الشاهد، بإعادة إدماج الحرفيين في الدورة الاقتصادية العام المقبل، من خلال تمكينهم من الحصول على قروض جديدة، وذلك بإعفائهم من تسديد الديون المتعثرة لديهم التي حصلوا عليها عبر قروض مصرفية، شريطة ألا يتجاوز القرض الذي يعفى منه المتعثرون 2000 دينار (833 دولارا) بغرض تمكينهم من مواجهة الصعوبات التي يلاقونها في إطار نشاطهم، على أن يشمل هذا الإجراء قرابة 30 ألف حرفي.

كما تضمنت ذات الإجراءات تعبئة موارد إضافية عبر الضرائب، وإعادة توزيعها نحو الطبقات الضعيفة عبر برامج ذات نجاعة اجتماعية واقتصادية مباشرة، ورفع المنح الاجتماعية بنحو 4% لصالح العائلات الفقيرة ودعم برنامج السكن الأول الذي تدعمه الحكومة، مع إنشاء صندوق إعادة تهيئة المؤسسات الصحية والتربوية.

واعتبر عضو البرلمان زهير المغزاوي، أن ما حاولت الحكومة الترويج له تحت عنوان الإجراءات الاجتماعية، "مفرّغ من محتواه"، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات لم تأت مدعمة بالأرقام ولا ببرامج واضحة عن كيفية تنفيذها أو الفئات المستهدفة.

وقال المغزاوي في تصريح لـ "العربي الجديد" أن الأحزاب المعارضة ستخوض معركتها داخل البرلمان وخارجه من أجل ضمان قوت التونسيين وحقوق الطبقات الضعيفة في الصحة والتعليم، مؤكدا أن هذه الأحزاب ستدعم كل التحركات الاجتماعية ضد مشروع القانون.

ويتأهب التونسيون مع بداية العام الجديد إلى تقبل زيادات مختلفة في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات بعد قرار الحكومة بزيادة الرسوم الجمركية على بعض المواد المستوردة ومراجعة الأداء على القيمة المضافة في حدود 1% إلى جانب التوظيف في القطاع العام من أجل خفض عجز الميزانية إلى 4.9%، واستهداف نسبة نمو لا تقل عن 3% مقابل 2.5% منتظرة هذا العام.

وبالتوازي مع الإجراءات الاجتماعية التي تضمنها مشروع قانون المالية، أعلنت الحكومة في وقت سابق عن تبني استراتيجية للحد من الفقر والأسباب المؤدية إليه، تعمل على تنفيذها بوضع وتطوير برامج وآليات للإدماج الاجتماعي والتمكين الاقتصادي للفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل لمساعدتها على الخروج من دائرة الاحتياج والمشاركة في دورة الإنتاج.

وستنتفع ببرنامج "الأمان الاجتماعي" الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل من التونسيين وكذلك الأجانب المقيمين بصفة قانونية، وذلك على أساس مبدأ المعاملة بالمثل ومراعاة الاتفاقيات الدولية في هذا المجال.

ويهدف هذا البرنامج إلى ضمان الحقّ في حدّ أدنى من الدخل والحق في المنافع الصحية، إلى جانب مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل على تحسين ظروفهم المعيشية عبر تجويد الخدمات الأساسية كالصحّة والتربية والتعليم والتدريب المهني والتشغيل والسكن.

لكن رئيس مرصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مسعود الرمضاني، لا يرى أي جدوى في الاستراتيجية أو الإجراءات الحكومية لمقاومة الفقر، مشيرا إلى أن الخدمات الاجتماعية التي يؤمنها المرفق الحكومي في تراجع كبير لصالح القطاع الخاص ولا سيما الخدمات الصحية والتعليم.

وقال الرمضاني، لـ "العربي الجديد"، إن كل الإجراءات لفائدة الطبقات الضعيفة تبقى مفرغة من محتواها في غياب نسب نمو قادرة على خلق فرص العمل، مشددا على أن المساعدات الاجتماعية استنزفت في السنوات التي تلت الثورة أموالا طائلة اقترضتها الحكومات بالعملة الصعبة، دون أن تحقق أهدافها في تحسين المستوى المعيشي للطبقات الضعيفة أو الخدمات الصحية والتعليمية.


المساهمون