أزمة محمد المنسي قنديل

07 مايو 2016

محمد المنسي قنديل وأزمة الجوائز: اللغة العربية ميتة

+ الخط -
حينما قال الكاتب المصري، محمد المنسي قنديل، قبل أيام، إن اللغة العربية ميّتة، لم تكن أزمته الأساسية معها، فهو ابن اللغة العربية تأثراً وكتابة ورؤية، وابن التراث العربي نقلاً وخيالاً، وله كتاب (حكايات عربية) تأويلاً لحكايات من التراث، وهو ابن (ألف ليلة وليلة) عن جدارة، وابن حكايات الشرق، في سمرقند وطريق الحرير وحكايات الشعراء في بغداد والكوفة، وهو ابن مجلة العربي الكويتية ربع قرن مع رفيق دربه محمد المخزنجي، الذي كان أول طبيب يعطي ختم براءة اختراع جهاز الكفتة للواء عبد العاطي، حينما قال: ولماذا لا يكون الجهاز علمياً؟ ولماذا نشكّك في كل شيء؟ وعلينا أن ننتظر. وهو الذي قال إن "30 يونيو" مروءة وليست انقلاباً.. هل هي أزمة طبقة وسطى، أصحابها في العقد السابع من أعمارهم؟
أتذكر أنه في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حينما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل، لم تزعجني ثورة يوسف إدريس بعد الجائزة بادعاء أن "نوبل" منحت لموظف له آراء في السلام مع الكيان الصهيوني. ما أضحكني قول المنسي قنديل يومها "طالما أن جائزة نوبل ولت إلينا بوجهها، إذن فقد اقتربت، وعلى الواحد أن يجهز نفسه، طالما أن المسائل بهذه السهولة". وبما أنني من اليائسين، كان تعليقي أن على الكتّاب المصريين المتلهفين لجائزة نوبل أن ينتظروا مائة سنة أخرى.
نعود إلى مشكلة المنسي قنديل الجوهرية. سأله المذيع: هل تركت فيك جائزة البوكر العربية بعض الأحزان، أو المرارة، خصوصاً وأنك لم تحصل عليها؟ الغريب أن الكاتب يرد بالإيجاب، أنها تركت أحزاناً فيه. عند ذلك أدركت أن الرجل جاء كي يصفي مع الواقع العربي حسابات أحزانه. والمنسي قنديل كاتب متحقق، بل كاتب موهوب، لكن صرعة الجوائز أصابته في مقتل. هو يزاحم ويراكم ويعمل من سنة 1988، وتلك جناية أخري على الذات، وعلى الموهبة نفسها. رحم الله الكاتب، ألبير قصيري، الذي علّمنا أن الكسل الخلّاق بمثابة قيمة أخرى، تُضاف للكاتب الذي لا ينتظر شيئاً.
قال المنسي قنديل، قبل أسبوع، إنه لم يكن يحب حسني مبارك، وذلك في معرض حديثه عن لقائه أخيراً بعبد الفتاح السيسي. وذكر أنه نظرا لسفره خارج مصر ثلاثين سنة، لم يلتق بمبارك الذي لا يحبّه سوى ثلاث مرات في قصوره، وعدّدها وذكر دواعيها. كدت أيضاً أن أموت من الضحك، كما مت من الضحك على اقتراب "نوبل" منه في سنة 1988. وكتبت في "فيسبوك": المنسي قنديل التقى بمبارك الذي لا يحبه ثلاث مرات فقط، رغم أنه كان يعمل في الخارج طوال فترة مبارك كلها، فماذا ستكون عدد المرّات لو كان يحبه لا قدر الله، وماذا كانت ستكون عدد المرات لو كان المنسي قنديل لم يسافر خارج مصر طوال حكم مبارك؟ وضحكت بالطبع.
عودة إلى المخزنجي، كان رئيس اتحاد الكتاب السابق، محمد سلماوي، قد وضع اسمه احتياطياً في لجنة كتابة الدستور، فاعترض وترك لجنة الخمسين، ومشى إلى وحدته وإبداعه ومؤلفاته، وهو الكاتب الذي يعتز جداً بذاته وعلمه وهدوئه، وابتعاده عن الجمهور والوسط الأدبي، إلا أنه فيما بعد، حيا جهاز العاطي كفتة بأجمل ما تكون التحية. ومن قبل، حصل على جائزة (مالبورو في القصة القصيرة)، ثم أردفها بجائزة ساويرس. هل نقول إن هذا هو فيروس الطبقة الوسطى الكامن تحت الجلد، أن يتعالى بالذات وتفرّدها على سخام الدنيا وأيديولوجياتها، ثم يرضخ سعيداً لفلوس الرأسمالية المتوحشة وسجائرها ورجال الأعمال.
أما المنسي قنديل وتصريحه، أخيراً، إن اللغة العربية ميتة وماتت، ولن نجد لدينا خير ختام من كلمات صديقه الصدوق كاتب القصة القصيرة، سعيد الكفراوي، له: المطلوب من المنسي قنديل السفر إلى منتجعه الصيفي، لكي يستنشق هواء نقياً يعيد له علاقة طيبة باللغة العربية. .. وأزيده من الشعر بيتاً، وأقول له: إنس، يا عم المنسي، كلامي عن حكاية المائة سنة انتظاراً، حتى تعود "نوبل" إلى مصر ثانيةً، فقد رفعت الرهان إلى مائتي سنة.