أزمة جنوب السودان: مشار لاتخاذ الخرطوم مقراً

10 يونيو 2014
خلال لقاء سلفاكير ومشار في أديس أبابا الشهر الماضي(getty)
+ الخط -
تشهد العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا، اليوم الثلاثاء، اجتماعاً مفصلياً بين رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، وزعيم المتمردين رياك مشار، بهدف الوصول لاتفاق سلام نهائي يضع حداً للحرب التي اندلعت في الدولة الجديدة منتصف ديسمبر /كانون الأول الماضي.

ويأتي الاجتماع استكمالاً للقاء سابق عقد الشهر الماضي بين الرجلين، توصلا خلاله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، غير أن الطرفين تبادلا خلال الفترة الماضية الاتهامات بشأن اختراقه.

وتكمن أهمية الاجتماع الحالي بين سيلفا كير ومشار، في وضع صورة شاملة بشأن تصور الحل، غير أن فشل اللقاء سيزيد الأزمة تعقيداً بين الطرفين، ويدخل دولاً مجاورة بشكل مباشر في الصراع الجنوبي ــ الجنوبي، كالسودان ومصر وأثيوبيا، التي كانت تلتزم الحياد وتحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الدخول في الصراع.

ويرى مراقبون، أن إرجاء الزيارة المعلنة من طرف واحد، برئاسة رياك مشار، إلى الخرطوم، الى ما بعد إجتماع إديس ابابا، اليوم الثلاثاء، يشير إلى أن مشار يريد استجلاء الوضع قبل خطوة التوجه إلى الخرطوم، وربما تكون السودان هي نفسها نصحت بذلك، ولا سيما أن اللقاء قد يُحدث اختراقاً، يضعها في مأزق.

وتشير المعطيات إلى أن الحكومة السودانية ترحب بزيارة مشار، على الرغم من أنها لم تعلن ذلك بشكل رسمي، إلا أنها سمحت لوفد من "التمردين" الجنوبيين، الذين وصلوا السودان قبل ثلاثة أسابيع، بعقد مؤتمر صحافي حُشدت له جميع وسائل الإعلام المحلية والخارجية، كما أن الوفد الذي يمثل مشار، أعلن أنه سيبقى في الخرطوم إلى حين حصول زيارة قائد "التمرد".

وتفيد معلومات في الأوساط الجنوبية، بأن الوفد ما هو إلا جهاز تنفيذي لرياك مشار، ما يشير إلى أن الرجل سيتخذ من الخرطوم منطلقاً لعمله السياسي المعارض ضد النظام في جوبا.

من جهة أخرى، استشعرت سفارة جوبا في الخرطوم باكراً، خطر الزيارة المرتقبة، فبدأت في رصد وفد المتمردين وتتبع مسار الزيارة، لا سيما بعدما اُعلن أنها تأتي تحت مظلة منظمة "الإيغاد".

غير أن سفير دولة الجنوب، ميان دوت، قال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إن "الإيغاد نَفت أي صلة لها بالزيارة". وعقب انعقاد المؤتمر الصحافي الذي أقامه وفد "التمرد"، وتحدث فيه المتحدث الرسمي باسم الحركة، يوهانس موسى، أًصدرت سفارة جوبا تعميماً صحافياً عَبرت فيه عن احتجاجها على السماح بعقد المؤتمر داخل الخرطوم، وأكدت أن ذلك يتعارض تماماً مع اتفاقيات التعاون التسعة التي وقعها الطرفان في أديس أبابا العام الماضي.

وعلى رغم من تصريحات دوت، فإن موسى تمسك خلال المؤتمر بوقوف دول "الايغاد" خلف زيارة مشار للخرطوم، وبالتنسيق مع رئيس المفاوضات الجنوبية الجنوبية محمد الدابي. وحاول جاهداً إبعاد الحكومة في الخرطوم عن الترتيب أو التنسيق لها.

ويرى المحاضر في جامعة "هارفرد" الأميركية، القيادي الجنوبي لوكا بيونق، أن ترتيب الخرطوم لزيارة مشار جاءت بعد قراءتها للوضع في دولة جنوب السودان، لا سيما بعد تراجع الدعم الإقليمي والدولي للحكومة في جوبا، عقب فشل دبلوماسيتها في إبقاء الدعميَن الدولي والإقليمي الى جانبها، ورجّح "أن تكون الخرطوم رأت في تطوير علاقتها مع مشار، مكاسباً لها فوضعت الطرفين في كفة واحدة".

وأشار بيونق إلى أن الزيارة في حد ذاتها ستشكل ضربة دبلوماسية لجوبا، وخصوصاً في ظل شكوك النظام الجنوبي بدعم الخرطوم لتمرد مشار بشكل مباشر أو غير مباشر، الأمر الذي يعتبر رسالة مفتوحة بتساوي الطرفين، في ما يتعلق بدعم متمردي البلدين، وخصوصاً في ظل شكوك الخرطوم بدعم جوبا للفصائل المتمردة ضدها، في إشارة إلى "الجبهة الثورية".

وأضاف أن "ما يدفع الخرطوم لتلك الخطوة، هو ظهور يوغندا كلاعب أساسي في مسرح الصراع الجنوبي – الجنوبي، وهي العدو التاريخي للحكومة الجنوبية، كما أن مشار يحقق مكسباً للخرطوم عبر قطع الإمداد عن الجبهة الثورية".

أما عن الأهمية التي تمثلها الزيارة لمشار، فأجاب بيونق: قطعاً، ستحقق الزيارة مكسباً دبلوماسياً لمشار، إضافة لما حققه خلال زيارته الى كينيا التي استقبل فيها استقبال الرؤساء، وأيضا في أديس أبابا، الأمر الذي يضعف موقف جوبا خلال التفاوض، وسيُعقد من سير المفاوضات، ولا سيما أن المتمردين سيدخلون التفاوض وبيدهم اعتراف من قبل بعض دول الايغاد المؤثرة جداً، على حد تعبير بيونق.

ولفت القيادي السياسي والأكاديمي، إلى أن جوبا في حاجة لأن تنقذ علاقاتها مع الخرطوم حتى لا تفقدها، وتدخل في مواجهة معها، ولا سيما أنها في وضع غير عادي بعد انسداد مخارجها سواء على المستوى الإقليمي والدولي.

واعتبر أن "تأزم العلاقة بين الطرفين السودانيين، سيُدخل الطرفين في أزمة، تقودهما الى الانتحار الاقتصادي، وخصوصاً أنه من المرجح أن تتخذ جوبا قراراً بإيقاف النفط، كما أن تعويل الخرطوم على مشار لن ينجح في نقل البترول بالأنابيب عبر الشمال، إذ إن شركات النفط من الصعب أن تستأنف عملها في ظل النزاع".

وأوضح أن "جوبا ليس أمامها خيار سوى استعادة علاقتها مع الخرطوم بأي ثمن".
ويتفق المحلل السياسي والخبير في الشأن الجنوبي، علاء الدين بشير، مع ما قاله لوكا بيونق، بشأن إعادة الخرطوم لقراءتها بخصوص النزاع في دولة الجنوب.

ويقول بشير لـ"العربي الجديد"، إن "المؤسسات العسكرية السودانية لديها فكرة راسخة تاريخياً بأن قبيلة النوير، والتي ينحدر منها رياك مشار، هم حلفاء للشمال السوداني، بسبب تواجدهم على الشريط الحدودي للدولتين وتداخل المصالح بينهما".

وأردف أنه "بالعودة للحروب الأهلية التي نشبت في سودان ما قبل الانفصال، فإن النوير لم يشعلوا الحرب بل كانت كتائبهم خط الدفاع الأول عن مناطق البترول التي يقع معظمها في مناطقهم".

واستدرك بشير بالقول إن "الحرب الأولى ما بعد استقلال البلاد من الاستعمار أشعلها الاستوائيون بجانب الحرب الثانية، أما الأخيرة التي توصل فيها الطرفان إلى اتفاق سلام أفضى لانفصال الجنوب، فقد قادها الدينكا".

وأشار إلى أنه "غالباً ما تلعب الخرطوم على تناقضات الداخل الجنوبي، والتنافس التاريخي ما بين النوير والدينكا"، مضيفاً أنه "من الواضح أن موقف الحكومة المتمثل باستقبال مشار، وإن لم تعلن ذلك بشكل صريح، جاء بعد قراءة الموقف الدولي والاقليمي بشأن الأحداث في الدولة الوليدة".

ولفت المحلل السياسي والخبير في الشأن الجنوبي، إلى أن "الخرطوم ربما رأت أن الأمور لا تسير لمصلحة الرئيس سلفاكير، بعدما بدأ التأييد له يتراجع، وخصوصاً بعد تشكيل موقف إقليمي قادته أديس أبابا والولايات المتحدة، ضد الأخير، إلا أن الخرطوم تخشى في الوقت نفسه، من أن تنقلب الموازين فجأة، الأمر الذي يربك أوراقها، لذلك التزمت الصمت بشأن زيارة مشار". ويرّجح بشير أن تسمح الخرطوم لمشار، بممارسة نشاطه السياسي من أراضيها.

المساهمون