لا يعرف الفلسطيني محمود عبد القادر (49 عاماً) كيف يُسكت بكاء صغيرته التي تطلب "رشفة" من الماء تطفئ ظمأها منذ الصباح، فمنزله في مدينة غزة بات خالياً تماما من المياه الصالحة للشرب بعد أن توقف باعة المياه عن العمل خشية تعرض حياتهم لخطر القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 29 يوما.
ليس أمام عبد القادر الذي يعيل أسرة مكونة من 7 أفراد بالإضافة لزوجته ووالديه المسنين، إلا أن يذهب إلى سوق مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، الذي يبعد عن منزله 10 كيلومترات ليملئ أحد "جالونات المياه"، فهناك لا تزال إحدى شركات "تحلية المياه" تستقبل الزبائن من معظم مناطق غزة.
وتجد بلدية غزة (أكبر بلديات القطاع) صعوبة في توصيل المياه "الصالحة للشرب" إلى السكان، بسبب توقف مضخات المياه عن العمل نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ونفاد كميات الوقود المخزّنة، كما لا يتمكن باعة المياه العذبة من الوصول إلى معظم أحياء القطاع بسبب استهدافهم بشكل مباشر من الطائرات الإسرائيلية.
ويقول عبد القادر لـ العربي الجديد" "لا أدري ماذا سأفعل أمام بكاء طفلتي المستمر منذ ساعات، هي تطلب المياه التي نفدت من منزلي ليلة أمس. ربما سأضطر للذهاب إلى مخيم الشاطئ الذي يبعد عن منزلي 10 كيلو متر سيرا على الأقدام فلا أتوقع أن أجد سيارة تقلني إلى هناك".
ويضيف "اتصلت بعشرات موزعي المياه العذبة لعلهم يتمكنوا من الوصول إلى منزلي بوسط مدينة غزة، ولكن دون جدوى، فهم إما يخشون على حياتهم من القصف الإسرائيلي، أو لا تتوفر لديهم المياه".
ويعتمد سكان القطاع على محطات تحلية المياه، لاستخدامها للشرب والطهي نظرا لارتفاع نسبة الأملاح وتلوث المياه التي تصل إلى منازلهم من الآبار التابعة لبلديات القطاع، بمياه البحر والمياه العامة.
كما أن تلك المياه الملوثة لم تعد تصل لسكان القطاع، بعد أن استهدفت إسرائيل عشرات من آبار المياه في أنحاء القطاع، ما يزيد من معاناة الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة لليوم الـ29 على التوالي.
من جانبه، يقول مصطفى مسعود وهو أحد موزعي المياه العذبة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة إن مئات الاتصالات تصله يوميا من الفلسطينيين تطلب منه تزويدهم بالمياه الصالحة للشرب.
ويضيف مسعود لـ "العربي الجديد" لا أتمكن من الاستجابة لطلبات الزبائن بسبب عدم قدرتي على تشغيل أجهزة تحلية المياه بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، بالإضافة للخطر الذي قد تتعرض له حياتي في حال استهدفت الطائرات الإسرائيلية سيارة نقل المياه كما حدث من قبل".
ويؤكد مسعود أن معظم شركات تحلية المياه في قطاع غزة تعاني من ذات مشكلته خاصة بعد قصف إسرائيل لمحطة توليد الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي عن جميع أنحاء القطاع، ما تسبب في تفشي مشكلة نقص المياه.
وفي السياق، حذرت بلديات القطاع، من كارثة بيئة وصحية نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي، بعد قصف إسرائيل لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، وتوقفها عن العمل بشكل كامل، مما أوقف تزويد المواطنين بالمياه.
ويتزود السكان البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، بالمياه عبر 200 بئر للمياه في القطاع، توقف معظمها عن العمل، نتيجة انقطاع الكهرباء، وعدم وجود وقود يمكنه تشغيل المولدات الخاصة بسحب المياه من الآبار.
وأعلنت سلطة الطاقة في غزة أن محطة توليد الكهرباء تحتاج إلى عام كامل لتعود للعمل بشكل طبيعي بعد تعرضها للقصف من المدفعية والطائرات الإسرائيلية قبل نحو أسبوع، ما تسبب بانقطاع الكهرباء عن معظم مناطق غزة.