أزمة الإنترنت في العراق.. هكذا فاقم انقطاع الخدمة معاناة العراقيين

25 يوليو 2018
فاقم انقطاع الإنترنت من معاناة العراقيين بحياتهم اليومية(فرانس برس)
+ الخط -

لم يتمكن الجامعي العراقي عقيل سالم من دفع مستحقات جامعة فولغوغراد الروسية، بعدما فشلت جميع محاولات عائلته في تحويل 3 آلاف دولار له بواسطة شركات الصرافة المحلية التي توقف عملها بعد قطع الحكومة العراقية خدمة الإنترنت صبيحة 14 يوليو/تموز الجاري.

ومن شركة الطيف للتحويل المالي إلى شركة الفاروق وصولاً الى شركة المؤتمن، لم تفلح محاولات أم عقيل في إرسال المبلغ حتى يسدد ابنها البكر قسطه الدراسي، كما تقول.

وتكررت معاناة الجامعي عقيل مع 650 عراقيا وعراقية داخل وخارج العراق بعد إلغاء حوالتهم التي لم تتمكن شركة الطيف إحدى كبريات شركات التحويل المالي في بغداد من إجرائها بسبب قطع الإنترنت عن البلاد، كما يوضح المهندس كرم العلي مسؤول القسم التقني في شركة الطيف، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن خسارة شركته "تجاوزت 80 ألف دولار خلال الأسبوعين الماضيين".

وكشف العلي أن عدداً من فروع الشركة توقفت بشكل نهائي عن التعاملات المالية لأكثر من يومين، بعد الانقطاع المفاجئ لخدمة الإنترنت، قائلا "ليس من المنطقي أن تقدم الحكومة على مثل هذه الخطوة من دون إشعار مسبق على أقل تقدير، وهي تعلم تماما بأن انقطاع الخدمة يكلف شركات تحويل الأموال خسائر كبيرة ويوقف تعاملاتها".

وتزامن انقطاع شبكة الإنترنت مع اشتداد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الخدمات في عدد من المحافظات العراقية، ما تسبب بخسائر مالية واقتصادية باهظة للدوائر التجارية والشركات المالية والقطاعات الحكومية الرسمية، التي يشكل الإنترنت عصب عملها، وفق ما أكده خبراء ومختصون لـ"العربي الجديد".

ويستخدم ثمانية ملايين عراقي شبكات الإنترنت في عموم البلاد باشتراكات شهرية تصل إلى 100 دولار أميركي، وفقا لما أوضحه الأكاديمي محمد صالح، أستاذ مادة الحاسوب في جامعة ذي قار.


تضرر القطاع المالي

اختلفت أسباب انقطاع الإنترنت في العراق بسبب تناقض الرواية الحكومية، فبعد إعلان وزارة الاتصالات في 15 يوليو/تموز 2018 بأن قطع خدمة الإنترنت وقع نتيجة صيانة وإدخال الخطوط الناقلة الجديدة للخدمة، بينما عاد وزير الاتصالات حسن الراشد وقال في 23 يوليو، إن "حجب بعض المواقع الإلكترونية تم بقرار حكومي"، وهو ما أثر في العديد من القطاعات التي يرصدها "العربي الجديد" في التحقيق التالي.

لم يؤثر وقف خدمة الإنترنت في العراق على شركات الصيرفة وتحويل الأموال فحسب، بل أصاب القطاع المصرفي والحجوزات الإلكترونية لحركة الملاحة الجوية ووفقا للمسؤولين الذين تواصل معهم "العربي الجديد" ومن بينهم نبيل النجار، مدير إعلام رابطة المصارف العراقية، والذي قال إن "جميع مفاصل القطاع المصرفي تأثرت بانقطاع خدمة الإنترنت، التي تعد عصب القطاع الأكثر تضرراً من باقي القطاعات، كونه يعتمد على الحوكمة الإلكترونية (استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) لتقديم الخدمات الحكومية)".

ويقدر النجار الخسائر التي تعرض لها قطاع المصارف بشكل تقريبي، قائلا "أتصور أنها تصل حتى 75 مليون دولار في أول يومين من انقطاع الإنترنت، اللذين شهدا حالة من الشلل التام والإرباك، وهو ما يقتضي من الحكومة العراقية ووزارة الاتصالات سرعة معالجة أزمة الإنترنت، كونها تعيق عمل المصارف، قائلا "نحن لسنا بحاجة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، عملنا يعتمد على البريد الإلكتروني وبعض البرامج البنكية الخاصة، والمشكلة أن الحكومة لا تزال حتى الآن تحظر الكثير من المواقع الإلكترونية".

جانب آخر للأزمة كشفه المتحدث باسم سلطة الطيران أكرم لعيبي لـ"العربي الجديد" قائلا "بعض المواطنين لم يستطيعوا الحصول على نسخ من تذاكر الحجوزات الإلكترونية بسبب توقف الإنترنت بشكل مفاجئ، الأمر الذي انعكس سلباً حتى على المخاطبات الخارجية مع مكاتبنا في دول العالم، وهو ما اضطررنا إلى إرسال تلك المخاطبات مكتوبة عبر الطواقم الجوية".


إرباك القطاعين التربوي والمروري

بسبب انقطاع خدمة الإنترنت صبيحة السبت الرابع عشر من يوليو/تموز، اضطرت وزارة التربية العراقية إلى تأجيل امتحان مادة الفيزياء للمرحلة الإعدادية الذي صادف اليوم الموالي، نتيجة عدم تمكنها من إرسال نموذج الأسئلة الوزارية إلى المدارس العراقية في مختلف دول العالم، حسبما يوضح ذلك سرمد لفتة، المتحدث باسم وزارة التربية، والذي قال لـ"العربي الجديد": "الوزارة لم تجد خياراً آخر سوى تأجيل امتحان الفيزياء إلى اليوم الذي تلاه، بعدما استطعنا أن نوصل الأسئلة إلى تلك الدول، وهو ما جعلنا نعيش حالة من الإرباك غير المتوقع".

وليست وزارة التربية فحسب التي تضررت، إذ توقفت عمليات تسجيل المركبات في مديرية مرور البصرة، بعدما عجز مرور المحافظة عن إرسالها إلى المنظومة الرئيسية في بغداد جراء انقطاع خدمة الإنترنت في العراق، كما يقول العقيد صبيح الإمارة، مدير مرور محافظة البصرة لـ"العربي الجديد"، والذي تابع "بعد توقف خدمة الإنترنت اضطررنا إلى تسيير بعض المعاملات التي لا تحتاج إلى توفر تلك الخدمة، وإيقاف المعاملات التي تحتاجها إلى حين عودة الخدمة بشكل نهائي".

الظروف القاهرة ذاتها عاشها موظفو مديرية مرور ذي قار، حسب ما يقول مدير مرور المحافظة العميد علاء طه ياسين، موضحا أنهم اضطروا إلى إيقاف معاملات التسجيل على اللوحات المرورية، ومعاملات منح إجازات السوق.



مقاضاة الحكومة

يعتبر مازن الأشقر المختص في السوشال ميديا قرار قطع خدمة الإنترنت بالتزامن مع التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها مدن الوسط والجنوب، محاولة لاستنساخ التجربة الإيرانية في حظر مواقع التواصل الاجتماعي في أوقات الاحتجاجات لمنع انتشارها ونقل ما يجري على الأرض، وهو ما أدى إلى ضرر مالي واستثماري كبير، وفق ما يؤكده استشاري التنمية الصناعية والاستثمار في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) عامر الجواهري، والذي قال لـ"العربي الجديد": "ما حدث يضعف ثقة الشركات المستثمرة في العراق، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال حصر الخسائر الفادحة التي تعرضت لها مختلف مفاصل الحياة في العراق، وأبسط مثال على ذلك المؤسسات والمجمعات التجارية التي ترتبط بعلاقات تبادل مالي مع نظيراتها في مختلف دول العالم، جراء عدم إرسال فواتير عملها اليومي".

وبسبب تلك الخسائر أقام المحامي العراقي، طارق المعموري، في 22 يوليو 2018 دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته حيدر العبادي ووزير الاتصالات، حسن الراشد، بسبب قطع الإنترنت مستندا في حيثيات دعواه إلى المادة 40 من الدستور العراقي التي تنص على أن "حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورة قانونية وأمنية، وبقرار قضائي".

المعموري قال لـ"العربي الجديد": "اعتمدت في دعواي التي تقدمت بها إلى محكمة الكرادة على المادة 143 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل والتي تنص على أنه يجوز لمن قطعت عنه المياه أو تيار الكهرباء أو المواصلة الهاتفية أو غير ذلك من المرافق تعسفا أن يطلب من القضاء المستعجل إعادتها وفقا لأحكام القانون، إذ إنني موكل من شركة لبنانية في قضية تخصها، وتأخر عملي بسبب عدم تمكن الشركة من إرسال الوثائق لي عبر البريد الإلكتروني للرد على لائحة الخصم، وهو ما اضطرني إلى تأجيل المرافعة لمدة أسبوعين، وهذا الأمر كافٍ لإقامة الدعوى القضائية ضد من اتخذ القرار".


ويتفق الخبير القانوني والمحامي، طارق حرب، مع الرأي السابق ويقول "المادة 341 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 أشارت بشكل صريح إلى معاقبة كل موظف أو مكلف بخدمة عامة تسبب بإلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح أشخاص آخرين نتيجة إساءة استعمال السلطة أو الإخلال بواجبات وظيفته، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بغرامة مالية".

واعتبر حرب في تصريحاته لـ"العربي الجديد" أن "رئيس الوزراء ووزير الاتصالات بصفتهم موظفين ومكلفين بخدمة عامة، تسببوا بخطأ جسيم، وهو قطع الإنترنت، وألحقوا ضرراً كبيراً في مصالح الناس".