دخلت الدول الأوروبية مرحلة انكماش قاسية، وسط هبوط المؤشرات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة.
وتفيد التقارير الدولية والأوروبية أن العديد من القطاعات تأثرت سلباً بتداعيات فيروس كورونا، فيما تحتاج الاقتصادات حزم إنقاذ واسعة.
وخلُص مسح سنوي لمجموعة إرنست آند يونغ للخدمات المهنية إلى أن ما يزيد عن ثلث مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في أوروبا التي تم الإعلان عنها في 2019 تأجلت أو ألغيت بالكامل بسبب جائحة فيروس كورونا.
وأضافت المجموعة أن نحو 65 في المائة من أصل 6412 مشروعاً تجري بالفعل أو مستمرة "لكن بطاقة وعمالة أقل".
وكشف المسح الذي يركز على الجاذبية الاستثمارية لأوروبا إلى أن 25 في المائة تأجل بينما ألغيت عشرة في المائة من تلك المشاريع.
كما أظهر المسح أن فرنسا تفوقت للمرة الأولى على بريطانيا باعتبارها الوجهة الأكثر جاذبية للاستثمار في أوروبا إذ اجتذبت 1197 مشروعاً في 2019 بزيادة 17 في المائة عن العام السابق. وارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في بريطانيا بنسبة خمسة في المائة في ذات الفترة.
وأظهرت بيانات اليوم الخميس أن المعنويات الاقتصادية بمنطقة اليورو انتعشت بأقل من المتوقع في مايو/ أيار حين بدأت حكومات في تخفيف إجراءات العزل العام الهادفة للحد من تفشي فيروس كورونا، إذ واصلت المعنويات في قطاعي الخدمات والتشييد التدهور.
وأظهر المسح الشهري للمفوضية الأوروبية اليوم الخميس أن المعنويات الاقتصادية في دول منطقة اليورو البالغ عددها 19 دولة تحسنت إلى 67.5 نقطة هذا الشهر من أدنى مستوى على الإطلاق عند 64.9 في أبريل/ نيسان بما يرجع في الأساس إلى المزيد من التفاؤل في الصناعة وبين المستهلكين.
كان خبراء اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم توقعوا ارتفاعاً إلى 70.3 في مايو/ أيار. وجرى تعديل رقم أبريل/ نيسان بالخفض إلى مستوى قياسي منخفض بعد تحديث على ثقة الشركات في فرنسا.
وارتفعت المعنويات في الصناعة إلى -27.5 في مايو من -32.5 في أبريل، لتتراجع بهامش ضئيل فقط عن التوقعات، وانخفضت المعنويات إلى -18.8 بين المستهلكين من -22.
لكن في الخدمات، التي تظل الكثير منها مجمدة في ظل قواعد العزل العام، تدهورت المعنويات إلى -43.6 من -38.6 بدلاً من أن تتحسن كما كانت تتوقع الأسواق. وفي التشييد، انخفضت المعنويات أيضاً -17.4 من -16.1. ولم تشهد المعنويات في قطاع التجزئة تغيراً يذكر.
وفي السياق، واصل اليورو الارتفاع اليوم الخميس، بدعم من خطة للاتحاد الأوروبي بقيمة 750 مليار يورو (826.35 مليار دولار) لدعم اقتصادات التكتل المتضررة من فيروس كورونا، بيد أن المكاسب كانت محدودة مع تسلل الشكوك بشأن تنفيذ الخطة.
وكشفت المفوضية الأوروبية النقاب أمس الأربعاء عن خطة لدعم الاقتصادات المتضررة من الجائحة، لتأمل في أنهاء أشهر من الخلاف بشأن كيفية تمويل التعافي وهو ما كشف عن صدوع في أنحاء التكتل.
وبموجب الاقتراح، ستصرف المفوضية الأوروبية ثلثي الأموال في صورة منح والباقي في صورة قروض لتخفيف التراجع غير المسبوق المتوقع هذا العام.
وارتفع اليورو في أحدث تعاملات 0.1 في المائة إلى 1.1016 دولار، بعد أن صعد في وقت سابق لأعلى مستوى في شهرين إلى 1.1035 دولار. واستقر اليورو مقابل الفرنك السويسري عند 1.0664 على الرغم من أنه صعد في اليوم السابق لأعلى مستوى في نحو ثلاثة أشهر.
من جهة أخرى، قال معهد إيفو اليوم الخميس في أحدث تحديث له إن من المرجح أن ينكمش الاقتصاد الألماني 6.6 في المائة هذا العام نتيجة لأزمة فيروس كورونا قبل أن ينمو 10.2 في المائة في 2021.
وفي المتوسط، يقول إيفو إن الشركات تتوقع عودة العمليات إلى الوضع الاعتيادي في تسعة أشهر بعد إجراءات عزل عام مشددة في الربع الثاني. وفي إطار هذا التصور، فإن الاقتصاد سينكمش 12.4 في المائة في الربع الثاني من العام الجاري.
وتشير مجموعة من المسوح إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا يتعافى ببطء بعد تجمد الحياة الاقتصادية في أواخر مارس لاحتواء جائحة فيروس كورونا، لكن أحدث بيانات تبرز الأثر غير المسبوق.
وفي إطار أسوأ تصور والذي تستغرق فيه العودة إلى الوضع الطبيعي 16 شهراً، فإن الاقتصاد سينكمش 9.3 في المائة هذا العام وينمو 9.5 في المائة في العام القادم.
وينطوي التصور الأكثر تفاؤلاً على تعافي الشركات في خمسة أشهر، مع انكماش الاقتصاد 3.9 في المائة فقط ونموه 7.4 في المائة في العام المقبل.
وتفترض جميع التصورات الثلاثة، التي تستند إلى بيانات عن ثقة الشركات وكذلك الإنتاج وإيرادات الشركات والتجارة الخارجية، تخفيفاً تدريجياً للقيود اعتباراً من نهاية إبريل.
لكن بعض الشركات تتأهب لتعاف أطول وأكثر صعوبة، ومن المتوقع أن تستغرق العودة للوضع الطبيعي في قطاع الطيران على وجه الخصوص 16 شهراً. ومن المتوقع أن تستغرق قطاعات السياحة والضيافة وصناعة السيارات فترات أطول للتعافي.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير لتلفزيون فرانس 2 اليوم الخميس إنه يأمل في أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التوصل لاتفاق بشأن حزمة تعاف اقتصادي بقيمة 750 مليار يورو (826.1 مليار دولار) في الأسابيع المقبلة.
وإذا ما حظيت الخطة بموافقة كل الدول الأعضاء فمن شأنها أن تصبح علامة فارقة في التكامل الأوروبي الممتد منذ نصف قرن، إذ ستشكل خطوة صوب الاستعانة بالدين المشترك كأداة كبرى للتمويل للمرة الأولى وبما يمهد الطريق لصلاحيات أوسع للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالضرائب.
لكن دولاً في الشمال الأوروبي، تتسم بالتحفظ في سياساتها المالية، قاومت الضغوط من دول أخرى في التكتل لقبول الدين المشترك لحماية سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة، التي تشمل دولاً يقطنها 450 مليون شخص، من الانقسامات بسبب اختلاف معدلات النمو الاقتصادي ومستويات الثروة.