أزمة أقسام الطوارئ في المستشفيات الفرنسية مستمرة

17 سبتمبر 2019
التحركات مستمرة (فيليب لوبيز/ فرانس برس)
+ الخط -

إذا كانت إضرابات أقسام الطوارئ في المستشفيات الفرنسية قد بدأت بسبب عنف بعض المرضى ضد الطاقم الطبي في تلك الأقسام، قبل ستة أشهر، فهي ليست المشكلة الوحيدة هناك التي تستدعي التوقف عن العمل بشكل شبه كامل، طوال هذه الفترة، فالمشاكل تمتد إلى نقص الأسرّة، وما يتسبب به من انتظار المرضى ساعات وربما أيام، مضطرين. فكثير من المرضى يجدون أنفسهم في هذه الأقسام التي يفترض أن يكون مرورهم سريعاً فيها بسبب أزمة نقص الأطباء في فرنسا عموماً.

يضطر الممرضون والممرضات في أقسام الطوارئ إلى مضاعفة ساعات العمل، لتمتد أحياناً أكثر مما يتحملون، فيصاب كثيرون منهم بالإرهاق المؤدي إلى الانهيار. يتحدث ممرضون ومساعدون طبيون أنّهم لا يعيشون حياتهم الشخصية، بسبب استدعائهم، في أيّ لحظة، من قبل الأطباء، بسبب الإقبال الشديد على أقسام الطوارئ في المستشفيات الفرنسية. كذلك، يشكو هؤلاء من ضعف رواتبهم، خصوصاً من يقيمون ويعملون في مدن كبرى ترتفع فيها كلفة المعيشة.

لا تخفي المشاكل التي تعاني منها هذه الأقسام مشاكل المستشفيات عموماً، لكنّها تظلّ الأكثر عمقاً، وتستدعي معالجة جذرية، كما يطالب الأطباء. في إحصاء لوزارة الصحة الفرنسية، يتبين أنّ 21 مليون شخص قصدوا أقسام الطوارئ في 641 مستشفى وعيادة ومؤسسة خاصة، عام 2016، أي بزيادة 3.5 في المائة عن 2015. وهو ما يعني أيضاً أنّ الرقم تضاعف مرتين خلال عشرين عاماً (10.1 ملايين شخص عام 1996). هذا الإقبال الكبير يدفع الحكومة إلى الاعتراف بأنّه سيكون من الصعب تلبيته إذا لم يتمّ تعاون وتكامل ما بين القطاعين الطبيين العام والخاص بالإضافة إلى دور رعاية المسنين ومؤسسات الطب النفسي، وذلك عن طريق تشجيع المرضى على التوجه إلى القطاع الخاص، خصوصاً أنّ كثيرين يمكن علاجهم أو توجيههم من دون المرور بالطوارئ، وبالتالي إضاعة وقت طاقم الإسعاف وإضاعة وقت وفرص المرضى الذين هم في حاجة للأولوية في تلقي الإسعاف والرعاية. ومن أجل إخماد هذه الحركة المتواصلة منذ ستة أشهر، أعلنت وزيرة الصحة، أنياس بوزين، عن ضخ مبلغ 750 مليون يورو (837 مليون دولار) على ثلاث سنوات. لكنّ المضربين، الذين يتوزعون على أكثر من 200 قسم طوارئ، يعتبرون الإجراءات الحكومية غير كافية، إذ إنّ هذا المبلغ ليس موجهاً لقسم الطوارئ، فقط، ويطالبون بتوسيع الحركة إلى أقسام أخرى في المستشفيات، وإلى إلحاق الأطباء بالإضراب.




ويطالب المضربون الحكومة بتحقيق مطالبهم، المتمثلة في زيادة الطاقم الطبي، وهي زيادة يحددونها بـ 10 آلاف منصب، بما يتلاءم مع الحاجيات، وأيضاً وقف إغلاق قسم الأسرّة، وثالثاً الحصول على زيادة في الأجور تصل إلى 300 يورو (335 دولاراً) شهرياً، ويستفيد منها جميع المسعفين. أما في ما يخص الأسرّة، التي يطالب المضربون بفتح المزيد منها، في ظل سياسة حكومية أدت إلى إغلاق الكثير، ترى بوزين أنّ المطلوب إدارة هذا القسم بشكل جيد.

ليس سرّاً أنّ الحكومة التي أنفقت ما يقرب من 17 مليار يورو (19 مليار دولار) من أجل "شراء" السلم الاجتماعي، كما ترى المعارضة، خصوصاً بعد حراك "السترات الصفراء"، لا تريد زيادة الإنفاق، وهو ما اعترفت به وزيرة الصحة أمام نواب البرلمان. فإلى متى ستتواصل إضرابات المساعدين الطبيين، خصوصاً أنّ اجتماعهم أسفر عن رفض بالإجماع لإعلانات وزيرة الصحة التي تريد إقفال هذا الموضوع الملتهب، لتكريس جهدها لملفّي المساعدة الطبية على الإنجاب، وإصلاح التقاعد؟ لا شك أنّ المُضربين يستفيدون من جوّ عام من عدم الرضا من قبل موظفي الصحة، وصل إلى نسبة 54 في المائة، وهي نسبة كبيرة قياساً بعدم رضا 22 في المائة من عموم المواطنين. كذلك، فإنّ 36 في المائة من موظفي الصحة كشفت عن تأثرها بمشاكل صحية، في الأشهر الأخيرة، خصوصاً آلام الرأس والمشاكل العضلية، أي أكثر مما يعانيه عامة الفرنسيين بـ13 نقطة.



يملك المضربون كثيراً من الطاقة لمواصلة حراكهم، إذ يدعمهم رأي عام واسع في فرنسا، وقد كشف مختلف استطلاعات الرأي أنّ 90 في المائة من الفرنسيين تدعم الحراك، وتأمل في تحقيق مطالبها بسرعة. لكنّ المضربين، الذين يصرون على مواصلة حراكهم، يعرفون أنّ انضمام الأطباء إليهم سيشكل عاملاً قادراً على جرّ الحكومة إلى تنازلات كبيرة. وحتى اليوم، لا يبدو أنّ الأطباء - في ما عدا مجموعة صغيرة منهم وقفت مع المضربين- في عجلة من أمرهم، لأسباب كثيرة، منها أنّ الإعلانات الحكومية قد تشقّ وحدة المضربين، وتغري بعض نقاباتهم بالرضوخ والقبول بالتسويات.
دلالات
المساهمون