13 فبراير 2022
أزمة "الإخوان المسلمين" في الأردن
لا يختلف حال فروع جماعة "الإخوان المسلمين" في المنطقة العربية عن حال الجماعة "الأم" في مصر، حيث تمر الفروع بحالة من التأزم والخلاف الداخلي، وصل إلى درجة الانشقاق العميق، كما هي الحال مع إخوان الأردن. وإذا كان لا يوجد ارتباط فعلي بين أزمة الجماعة "الأم" والتي اتضحت، بشكل كبير، بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، وأزمات الفروع، إلا أن ثمة تقاطعات وتشابهات لافتة تعكس المأزق الراهن الذي يواجه المشروع الإخواني ككل، أيديولوجياً، وتنظيمياً، وسياسياً، فقد قرر مجلس شورى "إخوان الأردن"، قبل أيام قليلة، تعديل لائحة الجماعة الداخلية، من أجل إعلان فك الارتباط مع الجماعة "الأم" في مصر. وهو القرار الذي جاء محاولة من قيادة الجماعة الحالية لامتصاص الغضب المتراكم داخلياً، والذي أدى إلى انشقاق عدد من القيادات المعروفة، سواء داخل الجماعة أو داخل حزبها (جبهة العمل الإسلامي). واقعياً، فإن قرار فك الارتباط بين "إخوان الأردن" والجماعة "الأم" في مصر لا يعني كثيراً. فالجماعتان متمايزتان ومنفصلتان، إن بحكم الواقع الجغرافي، أو بحكم الممارسة العملية، وهو ما ينطبق على كل فروع جماعة الإخوان، سواء في المنطقة أو خارجها. حيث لا يوجد رابط بين الجماعة "الأم" والفروع سوى الرابط الفكري أو الأيديولوجي. بل إن بعض هذه الفروع، كما هي الحال مع حركة النهضة في تونس، قد تجاوز الجماعة "الأم" فكرياً وأيديولوجيا، من خلال تبني أطروحات فقهية وفكرية وسياسية متقدمة على "إخوان مصر"، ولعل ذلك كان أحد أسباب نجاح التجربة الإسلامية في تونس، مقارنة بنظيرتيها في مصر والأردن.
ليست أزمة "إخوان الأردن" الأخيرة وليدة اليوم، وإنما هي نتاج حراك وصراع داخلي طويل بدأ قبل سنوات، وإن ظهر بشكل واضح، بعد تولي المراقب العام الحالي للجماعة، همام سعيد، قيادة الجماعة عام 2008. وقد سعى همام ومعه زكي بن إرشيد، الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، والنائب الحالي للمراقب العام، إلى فرض سيطرتهما على الجماعة والحزب، بشكل أثار استياء من يُعرفون بتيار "الحمائم" داخل الجماعة.
في الوقت نفسه، انعكس فشل الجماعة في الاستفادة من الحراك الشعبي والشبابي، إبّان موجة الربيع العربي في 2011 على الوضع الداخلي. وهو ما دفع قيادات عديدة إلى المطالبة بالإصلاح الداخلي، وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي للجماعة. وقد تُرجمت هذه المطالب في إطلاق مجموعة من قيادات الجماعة مبادرة للإصلاح، أطلقوا عليها "المبادرة الأردنية للبناء"، والتي تُعرف في الإعلام بمبادرة "زمزم"، وقادها الدكتور إرحيل غرابية، رئيس الدائرة السياسية في جماعة الإخوان، ومعه القياديان، نبيل الكوفحي وجميل دهيسات. وعلى الرغم من أن هؤلاء القادة لم يعلنوا انشقاقهم عن الجماعة، إلا أن الجماعة عقدت محاكمة داخلية لهم، وفصلتهم.
ثم جاءت الأزمة الأكبر في تاريخ الجماعة، عندما أنشأ المراقب العام الأسبق للجماعة، عبدالمجيد ذنيبات، جماعة أخرى موازية، تحت مسمى جمعية الإخوان المسلمين، بحجة أن الجماعة الأصلية غير مرخص لها قانونياً، كما أنها تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وليست جماعة محلية. وقد لعب النظام الأردني على وتر هذه الخلافات الداخلية، فقام بالترخيص لجمعية ذنيبات، في مارس/ آذار الماضي، ما أدى إلى حالة من الفزع والتوتر داخل "إخوان الأردن". ومنذ ذلك الوقت، والجماعة تمر بأزمات عديدة، والتي انتقلت بدورها إلى حزب "الجبهة" الذي استقال منه، في نهاية العام، عدد كبير من القيادات التاريخية للجماعة، منهم، مثلاً، الشيخ حمزة منصور، الأمين العام السابق للحزب، وسالم الفلاحات، المراقب العام الأسبق للجماعة، وعبدالحميد القضاة، والقيادي جميل أبو بكر، والذين حاولوا إصلاح الأوضاع في الحزب، من خلال مبادرة طرحوها، وسميت "مبادرة الشراكة والإنقاذ"، لكنهم فشلوا في ذلك، ما اضطرهم إلى الاستقالة، اعتراضاً على عدم الاستجابة لمطالبهم.
خلافات "إخوان الأردن" وانقساماتهم تعود إلى أسباب عديدة، أولها التكلس والجمود التنظيمي للجماعة، والتي رفضت قيادتها، ومعها "تيار الصقور"، تعديل اللائحة الداخلية، من أجل السماح بضخ دماء جديدة في التنظيم، والسماح بمشاركة أكبر للشباب والنساء في صناعة قرارات الجماعة. وهي المشكلة نفسها التي تواجه "إخوان مصر"، وخرجت للعلن في الشهور القليلة الماضية. ثانياً، الخلاف بين الطرح الأممي والطرح القُطري أو المحلي للجماعة، حيث يتهم تيار "الحمائم"، تيار الصقور بأنه يحمل أجندة غير أردنية، ويسعى إلى ربط الجماعة بالخارج، سواء بالجماعة الأم أو بحركة حماس، ولعل هذا الاتهام هو ما يقف في خلفية قرار الجماعة، أخيراً، فك الارتباط عن الجماعة "الأم" في مصر. ثالثاً، مسألة العلاقة بين الجماعة والحزب. فعلى الرغم من الفصلين، التنظيمي والإداري، بين الكيانين، إلا أن قيادات الجماعة، خصوصاً من تيار الصقور، تمارس دوراً مهيمناً على الحزب، بشكل جعله يقف عاجزاً عن الحركة ككيان مستقل، وهو ما جعله رهينة للصراعات الداخلية في الجماعة، وساهم في تذكية حالة الخلاف التي يمر بها، وأدت إلى تصدّعات كما أشرنا آنفا. رابعاً، طبيعة العلاقة مع الدولة الأردنية، والتي وصلت إلى درجة عالية من التوتر والاحتقان، في السنوات الأخيرة، وزادت بعد موجة "الربيع العربي" التي حاولت الجماعة ركوبها، وتحقيق مكاسب خاصة بها، وهو ما أثار غضب النظام ودوائره المتنفذة التي سعت، بدورها، لتذكية الخلافات الداخلية في الجماعة، وإضعافها داخلياً.
لا تنفصل أزمة "إخوان الأردن" عن الأزمة العميقة التي يمر بها تيار الإسلام السياسي الأرثوذكسي في المنطقة، والتي تبدو بشكل أوضح في الحالة المصرية، ويبدو أن "النموذج الإخواني" قد وصل إلى مرحلةٍ من الشيخوخة، لن ينقذها منه سوى إعادة النظر في كثير من أطروحاته الفكرية والتنظيمية والسياسية، وهو أمر لا يزال بعيداً على الأقل في الأمد المنظور.
ليست أزمة "إخوان الأردن" الأخيرة وليدة اليوم، وإنما هي نتاج حراك وصراع داخلي طويل بدأ قبل سنوات، وإن ظهر بشكل واضح، بعد تولي المراقب العام الحالي للجماعة، همام سعيد، قيادة الجماعة عام 2008. وقد سعى همام ومعه زكي بن إرشيد، الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، والنائب الحالي للمراقب العام، إلى فرض سيطرتهما على الجماعة والحزب، بشكل أثار استياء من يُعرفون بتيار "الحمائم" داخل الجماعة.
في الوقت نفسه، انعكس فشل الجماعة في الاستفادة من الحراك الشعبي والشبابي، إبّان موجة الربيع العربي في 2011 على الوضع الداخلي. وهو ما دفع قيادات عديدة إلى المطالبة بالإصلاح الداخلي، وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي للجماعة. وقد تُرجمت هذه المطالب في إطلاق مجموعة من قيادات الجماعة مبادرة للإصلاح، أطلقوا عليها "المبادرة الأردنية للبناء"، والتي تُعرف في الإعلام بمبادرة "زمزم"، وقادها الدكتور إرحيل غرابية، رئيس الدائرة السياسية في جماعة الإخوان، ومعه القياديان، نبيل الكوفحي وجميل دهيسات. وعلى الرغم من أن هؤلاء القادة لم يعلنوا انشقاقهم عن الجماعة، إلا أن الجماعة عقدت محاكمة داخلية لهم، وفصلتهم.
ثم جاءت الأزمة الأكبر في تاريخ الجماعة، عندما أنشأ المراقب العام الأسبق للجماعة، عبدالمجيد ذنيبات، جماعة أخرى موازية، تحت مسمى جمعية الإخوان المسلمين، بحجة أن الجماعة الأصلية غير مرخص لها قانونياً، كما أنها تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وليست جماعة محلية. وقد لعب النظام الأردني على وتر هذه الخلافات الداخلية، فقام بالترخيص لجمعية ذنيبات، في مارس/ آذار الماضي، ما أدى إلى حالة من الفزع والتوتر داخل "إخوان الأردن". ومنذ ذلك الوقت، والجماعة تمر بأزمات عديدة، والتي انتقلت بدورها إلى حزب "الجبهة" الذي استقال منه، في نهاية العام، عدد كبير من القيادات التاريخية للجماعة، منهم، مثلاً، الشيخ حمزة منصور، الأمين العام السابق للحزب، وسالم الفلاحات، المراقب العام الأسبق للجماعة، وعبدالحميد القضاة، والقيادي جميل أبو بكر، والذين حاولوا إصلاح الأوضاع في الحزب، من خلال مبادرة طرحوها، وسميت "مبادرة الشراكة والإنقاذ"، لكنهم فشلوا في ذلك، ما اضطرهم إلى الاستقالة، اعتراضاً على عدم الاستجابة لمطالبهم.
خلافات "إخوان الأردن" وانقساماتهم تعود إلى أسباب عديدة، أولها التكلس والجمود التنظيمي للجماعة، والتي رفضت قيادتها، ومعها "تيار الصقور"، تعديل اللائحة الداخلية، من أجل السماح بضخ دماء جديدة في التنظيم، والسماح بمشاركة أكبر للشباب والنساء في صناعة قرارات الجماعة. وهي المشكلة نفسها التي تواجه "إخوان مصر"، وخرجت للعلن في الشهور القليلة الماضية. ثانياً، الخلاف بين الطرح الأممي والطرح القُطري أو المحلي للجماعة، حيث يتهم تيار "الحمائم"، تيار الصقور بأنه يحمل أجندة غير أردنية، ويسعى إلى ربط الجماعة بالخارج، سواء بالجماعة الأم أو بحركة حماس، ولعل هذا الاتهام هو ما يقف في خلفية قرار الجماعة، أخيراً، فك الارتباط عن الجماعة "الأم" في مصر. ثالثاً، مسألة العلاقة بين الجماعة والحزب. فعلى الرغم من الفصلين، التنظيمي والإداري، بين الكيانين، إلا أن قيادات الجماعة، خصوصاً من تيار الصقور، تمارس دوراً مهيمناً على الحزب، بشكل جعله يقف عاجزاً عن الحركة ككيان مستقل، وهو ما جعله رهينة للصراعات الداخلية في الجماعة، وساهم في تذكية حالة الخلاف التي يمر بها، وأدت إلى تصدّعات كما أشرنا آنفا. رابعاً، طبيعة العلاقة مع الدولة الأردنية، والتي وصلت إلى درجة عالية من التوتر والاحتقان، في السنوات الأخيرة، وزادت بعد موجة "الربيع العربي" التي حاولت الجماعة ركوبها، وتحقيق مكاسب خاصة بها، وهو ما أثار غضب النظام ودوائره المتنفذة التي سعت، بدورها، لتذكية الخلافات الداخلية في الجماعة، وإضعافها داخلياً.
لا تنفصل أزمة "إخوان الأردن" عن الأزمة العميقة التي يمر بها تيار الإسلام السياسي الأرثوذكسي في المنطقة، والتي تبدو بشكل أوضح في الحالة المصرية، ويبدو أن "النموذج الإخواني" قد وصل إلى مرحلةٍ من الشيخوخة، لن ينقذها منه سوى إعادة النظر في كثير من أطروحاته الفكرية والتنظيمية والسياسية، وهو أمر لا يزال بعيداً على الأقل في الأمد المنظور.