ينتظر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بفارغ الصبر، اليوم الذي يعلن فيه عن نفسه رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى الرغم من أن الانطباع الخارجي استقر على أنه الحاكم الفعلي للإمارات، فإن هناك جملة من الاستحقاقات تنتظر منذ سنوات عدة، بعضها محلي والآخر خليجي، وهو ما فرض عليه ربما أن يتريث في اعتلاء سدة الرئاسة مكان شقيقه، الرئيس الحالي للإمارات الشيخ خليفة بن زايد، الذي لم يظهر لسنوات طويلة في مناسبة عامة، قبل أن يطل في صور وهو يستقبل المهنئين بعيد الفطر الشهر الماضي.
يبدو للمراقب من الخارج أن من يحكم البلد هو محمد بن زايد، وهذا الاستنتاج مرده إلى غياب رئيس الدولة منذ سنوات عدة عن النشاط الرسمي من دون تفسير رسمي يوضح السبب الفعلي عن عدم وجود نشاطات له مثل بقية رؤساء الدول، فهو لا يحضر أي قمة عربية أو خليجية، ولا يقوم بأي زيارة رسمية للخارج، ولا يستقبل اي شخصية رسمية تزور الإمارات، ولا يظهر أكثر من مرتين إلى ثلاث مرات في العام في عيدي الفطر والأضحى واليوم الوطني الذي يصادف الثاني من ديسمبر/كانون الأول. ويتقاسم دوره كل من محمد بن زايد الذي يتولى سلطة القرار، ورئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، محمد بن راشد، الذي غطى الجانب البروتوكولي من دون صلاحيات كاملة بسبب هيمنة محمد بن زايد.
تم إبعاد سلطان بن زايد عن طريق لعبة رتّبها محمد بن زايد مع أوساط في دبي، سبق لها أن عارضت تولي سلطان منصب القائد العام للقوات المسلحة، على الرغم من أنه يُعتبر باني الجيش في أبوظبي. وتحت ضغط ما يُعرف بـ"الفاطميين" (أولاد فاطمة: محمد، حمدان، هزاع، طحنون، منصور، عبدالله) أصدر الشيخ زايد بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي مرسوماً أميرياً في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 بتعيين نجله محمد نائباً لولي عهد أبوظبي، وقضى المرسوم بأن يتولى محمد منصب ولي العهد عند خلوه. وهذا ما حصل حين توفي الشيخ زايد وتولى الرئاسة نجله خليفة الذي أصدر مرسوماً بترقية محمد إلى موقع ولي عهد أبوظبي ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي (حكومة أبوظبي). وبذلك تم إبعاد سلطان بن زايد عن الطريق، وكذلك نجل الشيخ خليفة الأكبر (سلطان بن خليفة) الذي كان يطمح إلى أن يصبح ولياً للعهد في عهد والده.
إبعاد سلطان بن زايد تم التمهيد له بحكاية نسائية ملفقة، ولكن الإبعاد الفعلي حصل في اللحظة التي حسم فيها الشيخ زايد قراره بتعيين محمد في منصب نائب ولي عهد أبوظبي، وهذا أمر تم كما يقول عارفون في ظل ضغوط وتوترات لم تنته حتى اليوم، وهي مرشحة للانفجار في أي لحظة، بسبب ما يحظى به سلطان من تأثير داخل صفوف قدامى ضباط القوات المسلحة في أبوظبي من جهة، ومن جهة ثانية الثقل القبلي لأخواله من قبيلة "بني ياس" الذين عبّروا عن معارضتهم لقرار إبعاد سلطان.
ويروي مصدر من داخل فريق الشيخ زايد، أن الأخير، ولكي يحسم الأمر ويرفع عنه الضغط الذي مارسته زوجته فاطمة من أجل تولية ابنها محمد، عقد اجتماعاً ضم أركان حكمه ومستشاريه الذين رافقوه في تأسيس أبوظبي، واستفتاهم في الأمر، وعلى رأس هؤلاء مستشاره ووزير خارجيته لوقت طويل أحمد خليفة السويدي، الذي يوصف بأنه عقل الشيخ زايد ومدبر شؤون حكمه منذ أن باشر العمل على تأسيس دولة حديثة في أبوظبي، حين استدعى السويدي من الدوحة، حيث كان يتولى إدارة وزارة المعارف في قطر، كونه درس في مدارسها من الابتدائية حتى الثانوية وأكمل في القاهرة. ووفق مصادر على اطلاع على جلسة التحكيم، فإن كفة الشيخ سلطان هي التي رُجِّحت بفضل ثقل السويدي الذي يتمتع باحترام كبير وقدرة على التأثير. وهنا انصب عليه حقد أولاد فاطمة، ومنذ ذلك الحين تم منعه من أي نشاط، ولا يزال معتكفاً في المسجد الذي بناه داخل قصره، على الرغم من أنه يعود له الفضل في تأسيس التعليم في أبوظبي وهو الذي أنشأ جهاز أبوظبي للاستثمار وبنك أبوظبي الوطني، ونظراً للتقدير الذي يحظى به تم اختياره لتلاوة البيان التأسيسي لاتحاد الإمارات عام 1971.
منذ ذلك الحين بات سلطان بن زايد خارج اللعبة، وقام محمد بن زايد بحل حكومة أبوظبي والحكومة الإمارتية وتعيين أشقائه في المناصب الرئيسية، حمدان للخارجية، وعبدالله للإعلام، ومنصور لشؤون الرئاسة، وهو المنصب الذي تولاه في الفترة الأخيرة من حكم والده الذي يتطلب إشرافاً مباشراً من "الفاطميين" على الشيخ زايد في كهولته، تحسباً من خروج قرارات تتعارض مع مصالحهم وتوجهاتهم. ويقوم منصور بدور المدير الفعلي لمكتب الرئيس الحالي، ينظم تفاصيله كاملة، بما فيها استقبالاته ومراسلاته، والقرارات التي تصدر عنه، والتي تخضع لرقابة صارمة من قبل محمد بن زايد، الذي تغلغل في كافة مفاصل الدولة خلال العقد الماضي، وباتت لديه أجهزة خاصة داخل الدولة يديرها أشقاؤه، خصوصاً جهاز أمن الدولة الذي يتبع لشقيقه هزاع.
لكن الطريق غير معبّدة بالكامل أمام محمد بن زايد، وهناك جملة من العقبات تعترض تسلمه رئاسة الدولة، أولها موقف سلطان بن زايد. ماذا سيكون موقف النجل الثاني للشيخ زايد، وما هي التسوية إذا قبِل بتولي محمد الرئاسة؟ هذا سؤال مطروح على الدوام، خصوصاً أن سلطان يتولى حالياً منصب ممثل رئيس الدولة، الذي يُعتبر مركزاً بروتوكولياً، ولكنه ظل من خلاله في دائرة الحكم ولم يخرج منها نهائياً.
ثانياً حسم موضوع ولاية العهد. هل تستمر في أولاد زايد، أم تنتقل إلى أولاد محمد بن زايد، وإذا بقيت بين أولاد زايد، فهل تؤول إلى حمدان الابن الرابع للشيخ زايد وشقيق محمد الثاني من أمه، والذي أبعده من أبوظبي عام 2009 ليتولى إمارة المنطقة الغربية بعد أن كان يتولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة للشؤون الخارجية؟ في المبدأ تبقى ولاية العهد مستقرة في أولاد زايد، ولذلك انتقلت من خليفة إلى محمد ولم تذهب إلى نجل خليفة. ويقول العارفون بتفاصيل الخلافات الداخلية إنه في حال لم يتمكن محمد بن زايد من نقل ولاية العهد إلى ابنه خالد، فإنه يفضّل أن تؤول إلى شقيقه هزاع الذي يتولى شؤون الأمن، الأمر الذي سيخلق مشكلة بينه وبين حمدان.
كذلك فإن فشل محمد بن زايد في تحقيق مكاسب ضد قطر، وضعه في موقف سيئ على المستويين الداخلي والخارجي. وباستثناء الذي يروجون له في وسائل الإعلام، يكاد الشارع الإماراتي يكون غير متفاعل مع الحملة على قطر، وهذا يلاحظ بصورة رئيسية في الإمارات الأخرى، كدبي، والشارقة وغيرهما. الأمر ذاته ينطبق على المستوى الخارجي، إذ تشكّلت قناعة راسخة لدى الأطراف الدولية والعربية التي تابعت الأزمة عن كثب، أن المسؤول عن تفجيرها هو محمد بن زايد، وذهب بها نحو مستويات من التصعيد لا تسمح له بعودة سريعة إلى الوراء، وبالتالي فإن الترددات سوف تبقى إلى حين حتى لو هدأت العاصفة، وفي كل الأحوال ستكون آثارها المباشرة سلبية على خطة بن زايد تسلّم رئاسة الإمارات في المدى المنظور.