أزمات الحزب الاشتراكي الألماني: أخطاء وابتعاد عن الملفات الداخلية

20 فبراير 2018
حاول شولتز تجيير زعامة الحزب لأندريا ناليس(بريتا بدرسون/فرانس برس)
+ الخط -
حقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني نتائج جيدة في مفاوضات اتفاق الائتلاف المرتقب مع "الاتحاد المسيحي" بزعامة المستشارة انجيلا ميركل، والتي كان حزبها الخاسر الأكبر بتنازله عن وزارات هامة، وبات خوف محازبيه من أن يتحجم دوره في حال وافق أعضاء "الاشتراكي" على الائتلاف المقرر أن تُعلن نتائجه يوم 4 مارس/آذار المقبل. لكن كل هذا لم يسمح لـ"الاشتراكي"، الحزب الأعرق في ألمانيا، بالركون إلى الراحة، إذ عصفت به أزمات داخلية نتيجة قرارات وأخطاء جسيمة اقتُرفت من قبل قادة الحزب وتسببت بندوب بين مسؤوليه، وهو ما عكسته استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت أنه بات بعيداً نقطة واحدة فقط عن الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" (15 في المائة) الذي يحل ثالثاً. فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار لـ"الاشتراكي"؟

يكاد يجمع الخبراء في الشأن السياسي الألماني على أن "الاشتراكي" ارتكب خلال الفترة الأخيرة هفوات استراتيجية كبيرة، بدل أن يكون حريصاً على مكانته، إذ هشمت النزاعات بين الأعضاء وعدم مصداقيتهم، صورة بعض قادته وأولهم زعيمه السابق مارتن شولتز، وذلك بعدما قرر القادة البارزون وكل على طريقته أن يولي أهمية للنضالات الخاصة على حساب تحقيق الاستقرار داخله. ويعتبر هؤلاء الخبراء أن سلوك شولتز، من تنازله عن زعامة الحزب في هذا التوقيت الحرج إلى محاولة تجييره الزعامة لرئيسة كتلة الحزب داخل البوندستاغ أندريا ناليس، والتي لاقت اعتراضات قانونية وسياسية، حتمت عليه الاستقالة نتيجة للضغط والانتفاضة التي حصلت ضده داخل حزبه، ما أدى إلى التوصل لصيغة تقضي بتسلم نائبه عمدة ولاية هامبورغ أولف شولز المرحلة الانتقالية لإدارة شؤون الحزب، قبل أن يُنتخب خليفته في المؤتمر الخاص المقرر يوم 22 إبريل/نيسان المقبل في مدينة فيسبادن. وكانت هيئة الرئاسة واللجنة التنفيذية، قد رشحتا، الثلاثاء الماضي، ناليس لهذا المنصب، لكن عدداً من مسؤولي الحزب عارضوا محاولات تسميتها مباشرة. ويبدو أن ناليس لن تكون المرشحة الوحيدة، مع تضاعف المرشحين المعارضين، بينهم عمدة مدينة فلنسبورغ، سيمون لينغ، التي تقدّمت أيضاً لهذا المنصب، كما عضو الحزب في مدينة بريمرهافن، أودو شميتز.

وفي هذا الصدد، يشدد الخبراء على أن توجّه "الاشتراكي" للمشاركة في الحكم سيدمره على الرغم من أن المشاركة قد تكون لمصلحة البلاد. ويتوقف هؤلاء عند أبرز أخطاء "الاشتراكي" خلال التفاوض على اتفاق الائتلاف، بعدما تبنّى مشروعين أو ملفين رئيسيين لا يحظيان باهتمام الناخب الألماني، هما فكرة الولايات الوطنية الأوروبية ولمّ شمل أسر اللاجئين، بدلاً من التركيز على ملفات داخلية كتحسين مستوى الدخل والتعليم والعدالة الاجتماعية، أي تبنّيه لموضوعات تتعلق باللاجئين والبلدان الأوروبية الأخرى. وتُعتبر تلك الخيارات محفوفة بالمخاطر ولا تساهم في استنهاض الشعبية، فما يجذب الناخب هو التركيز على الضمان الاجتماعي، أو المسارعة إلى المحافظة على الطبقة الوسطى في عالم تسوده العولمة والرقمنة وهي محل إرباك للناس على الرغم من الوضع الاقتصادي الجيد وتحصيل الإيرادات الضريبية أفضل من أي وقت مضى.

ويشدد الخبراء في هذا السياق، على أنه ليس بالكثير من المال يمكن شراء المزيد من الثقة والدعم والمصداقية السياسية، لأن المواطن بات متيقناً من أن مرونة سوق العمل باتت مهددة بسبب العولمة والهجرة، ومن أن النخب السياسية لا تحمي أوضاعه بشكل كافٍ وطموحها الحصول على المناصب فقط، لا بل أكثر من ذلك هناك شعور بالخيانة والتخاذل. وعلى "الاشتراكي" الآن أن يبرهن أنه يريد التغيير ليكون حزباً عصرياً ودينامياً من خلال إدخال عنصر الشباب إلى سدة المسؤولية وتوجيه رسالة بأنه سيبقى حزب طبقة العمال والنقابيين. وفي هذا السياق، تحضر أزمة الهيكلية التي يعيشها الحزب، وسط استغراب التضحية بشخصيات لم تعد تقوم بأي دور في قيادة الحزب، بينها رئيس الكتلة البرلمانية السابق توماس أوبرمان، الذي انتُخب أخيراً نائباً لرئيس البوندستاغ، مع دعوة خبراء للمزج بين الوجوه ذات الخبرة وجيل الشباب لإعادة تنظيم الحزب وخروجه من أزمته، في ظل تنامي دور شبيبة الحزب ومعارضتها المشاركة في ائتلاف متجدد مع "الاتحاد المسيحي".


يُذكر أن شولتز كان قد أعلن نيّته تولي وزارة الخارجية في حال تشكل الائتلاف، وهذا ما دفع الوزير الحالي زيغمار غابريال لاتهامه بعدم تحمّل مسؤولية كلامه ووعوده، ما عزز الصراعات وهدد بخطر انفجار الحزب من الداخل، قبل أن يستقيل شولتز ويعتذر غابريال منه، بعد أن ساق كلاماً بحقه. وبات المطلوب الآن من المرشحة الرئيسية لزعامة الحزب، أندريا ناليس، في حال نجاحها، سد الفراغ القيادي وقطع الطريق على كل التجاذبات الحاصلة للحد من حالة التخبّط التي يعيشها الحزب.

من جهة ثانية، يشير خبراء في الشؤون الأوروبية إلى أن ما حصل لـ"الاشتراكي" الألماني عاشته العديد من الأحزاب الأوروبية، بينها أحزاب في هولندا والسويد والنمسا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك، وتمثّل ذلك بفقدان السيطرة وعدم الثقة في السياسيين. وبعدما كان هناك اعتقاد بأن ألمانيا ستكون بمأمن، ظهر أن هذا التقدير كان خاطئاً، لأن أحزاب شعوب ما بعد الحرب خسرت عموماً في جميع أنحاء أوروبا.

وانطلاقاً من واقع "الاشتراكي" اليوم، يمكن القول إنه بات يفتقر إلى أمرين: الثقة بالنفس، وتوحيد صفوفه بعد الانقسامات والرؤى المتضاربة لتوجّهاته، فتارة يريد الحزب المعارضة، وطوراً يريد المشاركة في الحكم من دون مبررات منطقية، وهذا ما انعكس سلباً على تطلعات الناخب، ناهيك عن أن الحزب ما زال يعاني من جرح مفتوح وهو فجوة العدالة الاجتماعية. كما وجد نفسه مرغماً مرة أخرى وأمام فرصة أخيرة للدفاع عن تياره ضد شبح الشعبوية اليمينية، وبات على أولئك الذين يرغبون في تجديد الحزب وصونه، العمل على إجراء المناقشات الجذرية وبالعمق قبل الوصول إلى الكارثة التي بات يخشاها الجميع.

وعما إذا كانت مغادرة شولتز وتولي ناليس زعامة الحزب ستساهم في لملمة أوضاعه، يرى متابعون أن ناليس لن تشكل بداية جديدة للحزب، إنما على الجميع انتظار الإنجازات وليس حجم التأييد لها، ومن الطبيعي أن يسعى الحزب وفي حال الائتلاف، الذي يبدأ التصويت بخصوصه اليوم الثلاثاء، إلى التمايز مجدداً. في المقابل سيكون من المهم لـ"الاتحاد المسيحي" أن يبقى "الاشتراكي" عاجزاً عن الحكم في غياب استراتيجية لاستعادة المواقع المفقودة مع غياب الدوافع العقلانية والرغبة فقط في حلول بسيطة لظروف معقدة.

دلالات
المساهمون