أرقام.. أرقام.. أرقام

06 سبتمبر 2017
+ الخط -
نحن العرب من اخترع الأرقام التي تعرف اليوم بأنها الأرقام الإنكليزية، تفريقا لها عن الأرقام الهندية التي تحمل خطأ صفة "العربية" قبل أكثر من ألف عام. عالمنا الخوارزمي محمد بن موسى الذي عاصر المأمون، وأصبح أمينا على دار الحكمة في بغداد هو الذي وضع هذه الأرقام، اعتمادا على منظومةٍ تأخذ بالنظر عدد الزوايا التي يحملها كل رقم، حيث يخلو الرقم صفر من الزوايا، ويحمل الرقم واحد زاوية واحدة، والرقم اثنان زاويتين، وهكذا.
التذكير بهذه المعلومة يعزّز إدراكنا أننا كنا أول من تعرّف إلى لغة الأرقام، وعرف أهميتها وقدرها، وأتمنى أن لا نكون أول من نسي هذه اللغة، وآخر من يتعلم من دروسها.
ناشط سياسي صديق فكّر أن يعطينا درسا في لغة الأرقام هذه، فأجهد نفسه واجتهد في تحويل مشهد الأوضاع الماثلة في العراق، بعد السنوات العجاف التي وعدنا فيها بأن بلادنا سوف تصبح واحدةً من جنان الكون إلى أرقام ناطقة بسوء الحال وقسوة المآل، وهذه هي حصيلة الدرس الذي قدّمه عسى أن ينتفع به من يريد أن ينتفع، وقد اعتمد في صدقية أرقامه على تقارير إحصائية صادرة عن منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان، وجهات رسمية عراقية، مع ملاحظة أن هذه الإحصائية لا تغطي العام الحالي الذي شهد حرب الموصل وتداعياتها على كل الأصعدة:
عدد العراقيين الذين قتلوا أو غيبوا بعد الاحتلال وصل إلى ما يقرب من المليون، فيما بلغ عدد الذين هاجروا أو هجّروا من البلاد ثلاثة ملايين وأربعمئة ألف توزعوا على 64 دولة، وعدد الذين أجبروا على النزوح من مساكنهم ومدنهم في الداخل بلغ أربعة ملايين ومائة ألف، يعيش منهم مليون وسبعمئة ألف في مخيمات ومساكن عشوائية، ينقص أغلبها الماء النقي والكهرباء والخدمات الإنسانية الأولية.
حصيلة سنوات الاحتلال العجاف، وما سبقها من حروب وحصارات خمسة ملايين وستمائة ألف يتيم، أعمارهم بين شهر وسبعة عشر عاما، وأيضا مليونا أرملة أعمارهن بين خمسة عشر واثنين وخمسين عاما.
في العراق يصل عدد الذين لا يجيدون القراءة والكتابة إلى ما يقرب من ستة ملايين، وللتذكير كان العراق قد نال جائزة محو الأمية من منظمة الأمم المتحدة في سبعينات القرن الراحل. ووصلت نسبة البطالة إلى 31% من عدد السكان، فيما يعيش 35% من العراقيين تحت خط الفقر.
وارتفع معدل تعاطي الحشيش والمخدرات في صفوف الشباب والطلبة والنساء إلى 6% من عدد السكان، وسجلت حالات تعاطي مواد مخدرة بين طلبة المدارس الابتدائية، وكانت منظمات دولية متخصصة شهدت، في سبعينات القرن الراحل، بخلو العراق من ظاهرة تعاطي المخدرات أو الاتجار بها.
بلغت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة الذين يمتهنون العمالة في الشارع 9% من عدد السكان، ما يعني تسرب مئات الألوف من المدارس ودور العلم.
سجلت الدوائر الصحية انتشار 39 مرضا وبائيا بين صفوف السكان، وللتذكير أيضا فإن منظمة الصحة العالمية كانت قد أقرّت بخلو العراق من الأمراض والأوبئة قبل ثلاثة عقود.
في إحصائيات القطاع الصناعي، سجل توقف 13820 معملا ومصنعا ومؤسسة إنتاجية، وتراجعت مساحة الأراضي المزروعة من 48 ألف دونم إلى 12 ألف دونم، وبلغت استيرادات البلد 75% من احتياجاته من المواد الغذائية و91% من المواد الأخرى.
في قطاع التعليم، يحتاج التعليم الأساسي وحده إلى بناء أحد عشر ألف مدرسة، لاستيعاب الأطفال الجدد، ولا تتوفر التخصيصات المالية لها، علما أن هناك تسعة آلاف مدرسة متضرّرة تحتاج صيانة عاجلة، و800 مدرسة مبنية من الطين غير مؤهلة.
مقابل هذه السردية الرقمية التي قد يجهلها أو يتجاهلها كثيرون، يشار إلى أن مبيعات النفط حتى العام الماضي بلغت ألف مليار دولار، وارتفعت الديون العراقية إلى 124 مليارا من 29 دولة.
وبعد، هل هناك من لا يزال يؤمن بأن أميركا قد حرّرت العراق، ونقلته إلى واحدة من جنان هذا الكون؟ وهل هناك من لا يزال يعتقد أن في العراق دولة تبني وتعمّر، وتضمن لشعبها التقدّم والرفاه؟ ثم.. لو حدث هذا كله في بلد آخر من بلاد الله، هل ستظل النخبة السياسية الحاكمة في منأى عن الحساب والعقاب؟
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"