أربعة أرغفة

13 ديسمبر 2019
يريدون تحقيق مطالبهم (حسين بيضون)
+ الخط -
تقول الحدوتة إن اللبنانيين شكوا همّهم لربّهم على مدى سنوات طويلة. والشكوى تحوّلت مع الوقت إلى "نقٍّ" لا ينفد استناداً إلى المثل الشعبي "إذا كان حاكمك ظالمك إشكِ همّك لخالقك". وبدأت الشكاوى تطفو على السطح بعد سنوات طويلة من الغليان. في ذلك الوقت، كان الزعماء السياسيون وممثلو الأحزاب والنواب والوزراء يُطبّقون المثل الشعبي: "ركبناه عالحمار مدّ إيدو (يده) عالخرج (وعاء من نسيج الصوف له عينان أو حجرتان يوضع على ظهر الدابة ويستخدم لنقل الأشياء أو احتوائها)، ونهبوا "الأخضر واليابس"، وهي العبارة التي رددتها الأمهات، منذ بدأ يتشكّل وعينا العام.

وحدث أن استسلم المواطنون لقدرهم، واختاروا التفرّج على عمليّة السطو الممنهجة في ظلّ التنويم المغناطيسي الذي تعرّضوا له، بعدما كرّس الزعماء في لاوعيهم المثل الشعبي: "إش (مهما) ما عطا (قدّم) عمّك خود منّو(خذ منه)"، في المقابل. وارتقى الزعماء إلى مرتبة عنتر، وكان المثل الشعبي: "مين عنترك يا عنتر؟ ما لقيت (لم أجد) حدا يردني (من يقف في وجهي)".

ودأب السياسيون على تطبيق المثل الشعبي "إن صرلك لبن ضرف أغرف غرف (املأ بكثرة)"، وانتهاز كل ما أمكن لزيادة أموالهم، وكأنها "شجرة تين وسايبة". وتحليل بسيط لما سبق يؤكد أن "المال السايب يعلّم الناس الحرام". شيئاً فشيئاً، بدأ الناس يشعرون بالجوع، أو أن السرقة صارت أكثر وقاحة من ذي قبل، وما يجنونه لم يعد يكفيهم.

وحين بات الجوع ثقيلاً على المعدة، والظلم ثقيلاً على الجسد، نزلوا إلى الشارع. وفي الشارع، حمل بعض الشباب العصي في وجه المتظاهرين وحطموا خيمهم، وكذلك فعلت القوى الأمنية. "والغريق بيتعلق بحبال الهوا"، فلم يعد أمامه غير الاستمرار في الانتفاضة المطلبية على الأرض. و"يا طالب القرش من دنب (ذنب) الجحش"، فلن تحصل على شيء إذا ما صدقته يوماً بعد الآن.



وبقي جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، حامي العهد، الشخصية السياسية الأكثر استفزازاً للمواطنين، وقد حمّلوه الكثير من غضبهم. فهناك "صهر بيسند الظهر وصهر بيجيب المجرفة للقبر". وصهرنا هذا من النوع الذي يجرف اللبنانيين نحو المقبرة.

لم يبقَ شيء يذكر من الأخضر واليابس الذي سُرق سابقاً حتى بتنا على شفير الإفلاس، وعلى المواطن "أن يمد بساطه على قد (مساحة) رجليه". ولأن "الديك بيموت وعينو بالمزبلة" على الرغم من الانهيار، إلا أن الزعماء لن يقبلوا الخسارة، ولو كلّفهم الأمر "آخر يوم في حياتهم". وقد تأخر اللبنانيون كثيراً لمعرفة أحد مكامن الخطر، فـ"إذا بدّك تخرب بلاد، ادْعي (ادعُ) عليها بكتر الرؤساء".

بعد قليل من الوقت، سيكثر الجوعى. هل تعرفون هذا المثل؟ "قالوا للجوعان: اتنين واتنين، فرد: أربعة أرغفة"، لكن الأرجح أننا "سنشمّ ولن نذوق".