05 نوفمبر 2024
أخطر ما في "أزمة قطر"
تتعدّد الأبعاد والتداعيات الاستراتيجية للأزمة الخليجية الحالية (محور السعودية- الإمارات ضد قطر) سؤال تطوراتها الذاتية وردود فعل الأطراف المختلفة، وموقف الإدارة الأميركية، إلى التطورات الإقليمية التي قد تترتب على ذلك، وخصوصاً مواقف القوى الإقليمية، تركيا وإيران، وانبثاق سيناريو جديد لإعادة تشكيل التحالفات القائمة في المنطقة.
في صلب هذه القراءة هنالك نتائج استراتيجية خطيرة، بل كارثية، ستترتب على ما يحدث مع قطر، وانعكاسات ذلك على الحالة العربية العامة، وترتبط بصورة رئيسة بسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي ستجرّ المنطقة إلى الهاوية، وتدفع المجتمعات العربية إلى الانفجار، لماذا؟
لم يأت خطاب الرئيس ترامب في القمة الأميركية - الإسلامية (في الرياض) على ذكر الديمقراطية، ولو من باب الخجل، ولم يتطرّق من قريب أو بعيد إلى قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان، وهي إشارة مهمة إلى أنّ هنالك حذفاً كاملاً لكل ما يتعلق بهذا الجانب في السياسات الأميركية الراهنة، ورفع أي ضغوط على الأنظمة العربية، وفتح الباب على مصراعيه لممارسة أي حكم دكتاتوري، بلا حسيب أو رقيب.
صحيحٌ أنّ السياسات الأميركية سابقاً لم تكن جدية، ولا صادقة، في تبني الديمقراطية، لكنّ هذا المفهوم لم يغب عن سلّم الاهتمامات الأميركية في المنطقة العربية، وبقيت هنالك ضغوط هامشية وجانبية ومساحات للمناورة، وتحسبات من هذه الأنظمة لموقف مؤسسات أميركية من انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الحريات العامة، ودفع نحو ديمقراطيةٍ، ولو جزئيةٍ أو شكلية. أمّا الآن فالصفقة واضحة؛ صفقات أسلحة، عودة إلى المدرسة الواقعية، أي المصالح الصلبة والتحالف مع الأنظمة الاستبدادية بصورة مطلقة.
في المقابل، تغلق الأنظمة العربية اليوم، هي الأخرى، أي مساحة للمناورة أمام القوى المعارضة والسياسية، وخصوصاً الإسلامية، التي تمتلك حضوراً نافذاً في الشارع العربي، بألوانها المختلفة، المعتدلة والمتشددة، ما يعني إغلاق الأفق السلمي للتغيير، ودفع أبناء هذه التيارات العريضة إلى "زاوية الحائط"، ووضعهم في "خانة اليك".
ليس ذلك فحسب، بل الإصرار على الزج بالجميع في خانة الإرهاب، من راشد الغنوشي إلى يوسف القرضاوي والجمعيات الخيرية، والتيارات السلمية إلى أبو بكر البغدادي والمتطرّفين، بالإضافة إلى إيران علناً، وتركيا ضمناً، بدعوى "ترتيب البيت الداخلي" العربي، لتشكيل "ناتو إسلامي"، في مواجهة هذه القوى جميعاً، وكانت البداية بقطر ضمن "جدول الأعمال" الجديد.
لن تؤدّي هذه الوصفة إلى ترتيب البيت الداخلي، بل إلى تفجيره من الداخل، وقصة "الناتو الإسلامي" خدعة مكشوفة من ترامب، لابتزاز الدول العربية لدفع المليارات، بتصوّر ساذجٍ منه لنمط العلاقة المطلوبة مع الدول العربية التي تقوم على "دفع ثمن الحماية العسكرية"، وابتزاز الدول النفطية. والغريب أنّه لم يخف هذه النيات والأغراض، إذ كان تركيزه، بمجرد توقيع عقود شراء الأسلحة، على توفير آلاف فرص العمل للأميركيين، حتى لو أدى ذلك إلى "عسكرة المنطقة"، وجرّها إلى حروب وصراعات أخرى!
المفارقة أنّ كل ما يحدث هو بذريعة مكافحة الإرهاب، والنتيجة معاكسة تماماً، فإذا كانت هنالك شروط مثالية نموذجية مطلوبة لإحداث طفرةٍ في الجماعات الراديكالية والمتطرّفة، فتتمثل في انتشار حالةٍ من اليأس وفقدان الأمل من التغيير السلمي، وتراجع هامش الحريات وفرص الديمقراطية، وتدهور أوضاع حقوق الإنسان، والزج بكل ألوان الطيف الإسلامي في حزمة الإرهاب والتطرّف، وإحداث حالةٍ من الاستقطاب العربي الداخلي، في موازاة التجاذبات الإقليمية الحادة.
تأخذ قصة حصار قطر والأزمة معها أبعاداً أخطر وأوسع من مجرد دعوى دعمها الإسلام السياسي، خصوصاً الحركات السلمية، بل إلى الموقف من الربيع العربي نفسه، والقوى التي دعمت عجلة التغيير، والقوى التي أرادت أن توقفها والعودة إلى الحالة السابقة على "حادثة البوعزيزي". لكن، لو بقيت الأمور حتى عند عودة تلك المرحلة السابقة، لكان الأمر أقل ضرراً، فالآن هنالك حالة من الاستقطاب الداخلي العنيف أولاً، على قاعدةٍ طائفية، وعلى قاعدة أيديولوجية، وعلى قاعدة اجتماعية، من ناحية. وهنالك إغلاق للملعب السياسي، حتى للاعبين ليسوا إسلاميين، كما يحدث في مصر، وانقسامات داخل البيت الخليجي، وفي المعسكر الرسمي العربي في ديناميكيات إدارة الأزمات، وسيعقد ذلك كله الأوضاع، ويدفعها إلى مرحلة أكثر خطورة.
في صلب هذه القراءة هنالك نتائج استراتيجية خطيرة، بل كارثية، ستترتب على ما يحدث مع قطر، وانعكاسات ذلك على الحالة العربية العامة، وترتبط بصورة رئيسة بسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي ستجرّ المنطقة إلى الهاوية، وتدفع المجتمعات العربية إلى الانفجار، لماذا؟
لم يأت خطاب الرئيس ترامب في القمة الأميركية - الإسلامية (في الرياض) على ذكر الديمقراطية، ولو من باب الخجل، ولم يتطرّق من قريب أو بعيد إلى قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان، وهي إشارة مهمة إلى أنّ هنالك حذفاً كاملاً لكل ما يتعلق بهذا الجانب في السياسات الأميركية الراهنة، ورفع أي ضغوط على الأنظمة العربية، وفتح الباب على مصراعيه لممارسة أي حكم دكتاتوري، بلا حسيب أو رقيب.
صحيحٌ أنّ السياسات الأميركية سابقاً لم تكن جدية، ولا صادقة، في تبني الديمقراطية، لكنّ هذا المفهوم لم يغب عن سلّم الاهتمامات الأميركية في المنطقة العربية، وبقيت هنالك ضغوط هامشية وجانبية ومساحات للمناورة، وتحسبات من هذه الأنظمة لموقف مؤسسات أميركية من انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الحريات العامة، ودفع نحو ديمقراطيةٍ، ولو جزئيةٍ أو شكلية. أمّا الآن فالصفقة واضحة؛ صفقات أسلحة، عودة إلى المدرسة الواقعية، أي المصالح الصلبة والتحالف مع الأنظمة الاستبدادية بصورة مطلقة.
في المقابل، تغلق الأنظمة العربية اليوم، هي الأخرى، أي مساحة للمناورة أمام القوى المعارضة والسياسية، وخصوصاً الإسلامية، التي تمتلك حضوراً نافذاً في الشارع العربي، بألوانها المختلفة، المعتدلة والمتشددة، ما يعني إغلاق الأفق السلمي للتغيير، ودفع أبناء هذه التيارات العريضة إلى "زاوية الحائط"، ووضعهم في "خانة اليك".
ليس ذلك فحسب، بل الإصرار على الزج بالجميع في خانة الإرهاب، من راشد الغنوشي إلى يوسف القرضاوي والجمعيات الخيرية، والتيارات السلمية إلى أبو بكر البغدادي والمتطرّفين، بالإضافة إلى إيران علناً، وتركيا ضمناً، بدعوى "ترتيب البيت الداخلي" العربي، لتشكيل "ناتو إسلامي"، في مواجهة هذه القوى جميعاً، وكانت البداية بقطر ضمن "جدول الأعمال" الجديد.
لن تؤدّي هذه الوصفة إلى ترتيب البيت الداخلي، بل إلى تفجيره من الداخل، وقصة "الناتو الإسلامي" خدعة مكشوفة من ترامب، لابتزاز الدول العربية لدفع المليارات، بتصوّر ساذجٍ منه لنمط العلاقة المطلوبة مع الدول العربية التي تقوم على "دفع ثمن الحماية العسكرية"، وابتزاز الدول النفطية. والغريب أنّه لم يخف هذه النيات والأغراض، إذ كان تركيزه، بمجرد توقيع عقود شراء الأسلحة، على توفير آلاف فرص العمل للأميركيين، حتى لو أدى ذلك إلى "عسكرة المنطقة"، وجرّها إلى حروب وصراعات أخرى!
المفارقة أنّ كل ما يحدث هو بذريعة مكافحة الإرهاب، والنتيجة معاكسة تماماً، فإذا كانت هنالك شروط مثالية نموذجية مطلوبة لإحداث طفرةٍ في الجماعات الراديكالية والمتطرّفة، فتتمثل في انتشار حالةٍ من اليأس وفقدان الأمل من التغيير السلمي، وتراجع هامش الحريات وفرص الديمقراطية، وتدهور أوضاع حقوق الإنسان، والزج بكل ألوان الطيف الإسلامي في حزمة الإرهاب والتطرّف، وإحداث حالةٍ من الاستقطاب العربي الداخلي، في موازاة التجاذبات الإقليمية الحادة.
تأخذ قصة حصار قطر والأزمة معها أبعاداً أخطر وأوسع من مجرد دعوى دعمها الإسلام السياسي، خصوصاً الحركات السلمية، بل إلى الموقف من الربيع العربي نفسه، والقوى التي دعمت عجلة التغيير، والقوى التي أرادت أن توقفها والعودة إلى الحالة السابقة على "حادثة البوعزيزي". لكن، لو بقيت الأمور حتى عند عودة تلك المرحلة السابقة، لكان الأمر أقل ضرراً، فالآن هنالك حالة من الاستقطاب الداخلي العنيف أولاً، على قاعدةٍ طائفية، وعلى قاعدة أيديولوجية، وعلى قاعدة اجتماعية، من ناحية. وهنالك إغلاق للملعب السياسي، حتى للاعبين ليسوا إسلاميين، كما يحدث في مصر، وانقسامات داخل البيت الخليجي، وفي المعسكر الرسمي العربي في ديناميكيات إدارة الأزمات، وسيعقد ذلك كله الأوضاع، ويدفعها إلى مرحلة أكثر خطورة.