أخطاء روسيا السياسية وأزماتها الدولية تلاحقها في المونديال

15 يونيو 2018
إجراءات مشددة لتأمين المونديال (يوري كادوبنوف/فرانس برس)
+ الخط -
لا تغيب أخطاء روسيا السياسية وتدخّلاتها العسكرية في العديد من الدول، عن نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها، وانطلقت منافساتها أمس الخميس، مع سعي موسكو الواضح لخفض التوتر في هذه الفترة في مناطق الصراع المتورطة فيها، أكان في سورية أم أوكرانيا أو في علاقتها مع جيرانها الأوروبيين، وهي تعي حجم المخاطر الكبرى التي تحيط بهذا الحدث، ما يتجلّى في استعانتها بمقاتلين قوقاز لتوفير الأمن للمباريات، وفق ما كشفت وكالة "رويترز" أمس الخميس.

وتحاول روسيا الاستفادة من هذا الحدث الرياضي لتثبيت مكانتها كقوة عظمى، بعدما كانت محط انتقادات منذ اختيارها في 2010 لاستضافة المونديال للمرة الأولى في تاريخها، في ظل ارتفاع حدّة الخلافات في الأعوام الأخيرة بسبب التجاذب بين موسكو والعواصم الغربية حول ملفات شتى، مثل أوكرانيا، والنزاع في سورية، وصولاً إلى القضية الأحدث: تسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال في انكلترا. وسيغيب التمثيل الرسمي البريطاني عن حفل الافتتاح على خلفية اتهام لندن لموسكو بالمسؤولية عن تسميم سكريبال وابنته بغاز الأعصاب في سالزبري، جنوب غرب انكلترا، في 4 مارس/ آذار الماضي، فيما نفت موسكو هذه التهمة.
كما يغيب الحضور الأميركي والأوروبي الرفيع عن هذا الحدث، مقابل حضور رؤساء بعض الدول الحليفة لموسكو. وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، في موسكو، خلال الجمعية العمومية الـ68 للاتحاد الدولي (فيفا)، التشديد على "صحة مبدأ الفيفا بإبعاد الرياضة خارج السياسة"، معتبراً أنه "لطالما التزمت روسيا بهذا المبدأ".

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن موسكو تعي مخاطر انعكاسات تدخّلاتها السياسية والعسكرية على هذا الحدث. وجاء ما كشفته صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، أمس الخميس، في سياق توجّه موسكو لخفض التوتر راهناً، إذ ذكرت الصحيفة أن روسيا طالبت إسرائيل بالتوقف عن شن هجمات في سورية أثناء تنظيم نهائيات كأس العالم. وأشارت الصحيفة إلى أن الروس حرصوا على نقل رسائل إلى تل أبيب أخيراً تطالبها بأن تأخذ بالاعتبار أحداث المونديال، مشيرة إلى أن بوتين معني بألا تفضي الهجمات التي تشنّها إسرائيل ضد أهداف لإيران ونظام بشار الأسد و"حزب الله" في سورية، إلى إبعاد أنظار الرأي العام العالمي عن نهائيات كأس العالم. وتوقّعت الصحيفة، المقربة من ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن تتعامل إسرائيل بحساسية مع الطلب الروسي، مستدركة أن هذا لن يتناقض مع قرار تل أبيب بعدم إبداء أي قدر من التسامح إزاء مخططات طهران للتمركز في سورية. واستدركت الصحيفة بأن الروس توجّهوا أيضاً للدول والأطراف الأخرى المشاركة في "الحرب الأهلية الدائرة والأحداث في سورية، مطالبين بالحفاظ على وتيرة منخفضة" أثناء تنظيم المونديال.

وكعادتها سارعت روسيا لنفي معلومات مسربة كهذه، إذ قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن تأييد موسكو لخفض التصعيد في سورية ليس مرتبطاً بشكل خاص بكأس العالم، بل هو أمر لطالما نادت به بلاده. جاء تصريح بيسكوف رداً على سؤال في مؤتمر صحافي بشأن تقرير الصحيفة الإسرائيلية، وأضاف قائلاً "سياسة روسيا الدائمة أن تدعو الدول لتبني موقف متوازن ومنع أي أعمال قد تؤدي إلى تفجر عواقب وخيمة وزعزعة وضع هش بالفعل".


تقابل ذلك تحذيرات مستمرة من المخاطر القائمة تجاه المونديال. وفي هذا السياق، حذر مسؤول أميركي مشجعي كرة القدم الراغبين بالسفر إلى روسيا لمتابعة المونديال من أن هواتفهم الذكية وكومبيوتراتهم المحمولة قد تتعرض للتجسس من قبل قراصنة إلكترونيين يعملون في خدمة الكرملين. وأكد مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس الأميركي، وليام إيفانينا، أنه حتى أولئك الذين يظنون أنهم غير مهمين على الإطلاق يمكن أن يتم التجسس عليهم أثناء وجودهم في روسيا. وقال "كل الذين يسافرون إلى روسيا لحضور كأس العالم يجب عليهم أن لا يقللوا البتة من شأن المخاطر الإلكترونية التي ينطوي عليها هذا الأمر". وأضاف "إذا كنتم تعتزمون أن تأخذوا معكم هاتفاً محمولاً أو كومبيوتراً محمولاً أو مساعداً رقمياً شخصياً أو أي جهاز إلكتروني آخر، فإياكم أن تخطئوا الظن: كل البيانات الموجودة على هذه الأجهزة (ولا سيما بيانات التعريف الخاصة بكم)، يمكن أن تطّلع عليها الحكومة الروسية أو مجرمون إلكترونيون".

أمام هذا الواقع، استعانت موسكو بأفراد من مقاتلي القوقاز، الذين أدوا دوراً في حملات سرية في أوكرانيا وسورية، ضمن الوحدات الروسية شبه العسكرية التي ستوفر الأمن لمباريات كأس العالم. وبحسب وكالة "رويترز"، قالت قيادات من القوقاز ومسؤولين محليين إن أكثر من 800 فرد ينتمون لست منظمات محلية على الأقل من القوقاز سيجوبون الشوارع ومناطق تحرك المشجعين ومقار إقامة الفرق المشاركة في البطولة. وقال قادة المقاتلين القوقاز إنهم سيعملون في بعض المناطق في روسيا في أيام المباريات كمضيفين ومتطوعين. وقد توصلت "رويترز" إلى أن 19 فرداً على الأقل من هذه المنظمات شاركوا إلى جانب متمردين انفصاليين تدعمهم موسكو في شرق أوكرانيا أو بصفتهم متعاقدين عسكريين يحظون بمساندة موسكو في سورية دعماً لبشار الأسد.

وأصبحت الكثير من وحدات القوقاز شبه العسكرية اليوم مسجلة لدى الحكومة المركزية وتحظى بتمويلها مقابل ولاء أفرادها. وتقول جماعات القوقاز إن أي فرد من أفرادها يشارك في صراعات مسلحة يفعل ذلك بصفته الشخصية. إلا أن ثمة أدلة على أن جماعات القوقاز تدعم هذه المشاركة. فعلى سبيل المثال تنظم هذه الجماعات في كثير من الأحيان جنازات لتكريم من قتلوا خلال اشتباكات في سورية وأوكرانيا وتنشر نعياً لهم. وقال القائد القوقازي ألكسندر إنيشنكو، لـ"رويترز"، إن 200 من أفراد منظمة "جيش الدون الكبير" سيحرسون مناطق خارج استاد روستوف خلال مباريات كأس العالم. ورفضت وزارة الداخلية الروسية، المسؤولة عن تأمين المباريات، الرد على طلب "رويترز" التعليق على هذه المعلومات. فيما قال متحدث باسم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، للوكالة عن دور القوقاز، إن الاتحاد "يثق ثقة كاملة في الترتيبات الأمنية ومفهوم الأمن الشامل" الذي طورته السلطات الروسية والمنظمين المحليين للبطولة.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون