أحياء صفيح موريتانيا

01 يوليو 2017
أكواخ هنا وهناك (العربي الجديد)
+ الخط -
الأحياء العشوائية في موريتانيا أشبه ببقع سوداء تشوّه مشهد المدن وتكشف عجز الحكومات عن توفير السكن اللائق للمواطنين، بل وإصرارها على تركهم عشرات السنين في واقع بائس للغاية. وتحيوط تلك الأحياء بالمدن الرئيسية في البلاد، لتستقبل الوافد إلى المدينة وتودّعه عند مغادرته، وكأنّها تعلمه بحجم الفوضى العمرانية التي تعاني منها المدن بغالبيتها. من جهتها، العاصمة نواكشوط لم تسلم من تنامي ظاهرة السكن العشوائي أو ما يطلق عليه الموريتانيون مصطلح "الكزرة" أي أخذ الأرض عنوة.

عوامل عدّة ساهمت في تنامي السكن العشوائي، لتتوسّع تلك الأحياء وتصبح أكبر من الأحياء المخطط لها في بعض المدن. ونذكر من العوامل غياب التخطيط في السياسات العمرانية، وانتشار الفساد الإداري، وضعف الرقابة، وإهمال ملف الهجرة القروية التي حوّلت المجتمع الموريتاني إلى مجتمع مدني مع تقلّص عدد البدو إلى 15 في المائة من مجموع السكان، بعدما كانوا يمثّلون 78 في المائة منه. تجدر الإشارة إلى أنّه حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن المدن الموريتانية تعاني من السكن العشوائي إلا في مناطق محددة وقليلة، غير أنّ تأثّر الأوضاع الاقتصادية في البادية بأزمة الجفاف والتصحّر وما رافقها من نزوح للقرويين نحو المدن بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل، أدّى إلى تنامي العشوائيات بصورة كبيرة.

يقول الباحث الاجتماعي سيدي محمد ولد يحظيه إنّ "السكن العشوائي عُدّ في مرحلة ما حلاً بالنسبة إلى القرويين والشرائح الضعيفة من المواطنين وكذلك بالنسبة إلى الدولة التي وجدت في السكن العشوائي حلاً لمشاكل إيواء المواطنين والاكتظاظ السكاني في وسط المدن. لكنّ الدولة فشلت في وقف انتشار السكن العشوائي واستمرت سياسات الإسكان في تجاهل مشاكل الأحياء العشوائية وكذلك الشعبية التي تفتقد أبسط متطلبات التخطيط العمراني، الأمر الذي يؤدّي إلى صعوبة في النفاذ إلى الملكية العقارية".

يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "موجات الجفاف المتكررة ساهمت في تفاقم مشاكل العشوائيات ومعاناة سكانها بسبب الصعوبات الجمّة التي يواجهونها من جرّاء عدم توفّر إمدادات للمياه والكهرباء وانتشار الفقر المدقع والجريمة بمختلف أنواعها وتجاهل الإدارة للمشكلة واستمرار النزوح الجماعي للقرويين".

ويشير ولد يحظيه إلى أنّ "عشرات آلاف المواطنين الذين يتوقون إلى السكن اللائق ما زالوا ينتظرون حلولاً بعدما أمضوا نصف عمرهم في مساكن مؤقتة مصنوعة من الخشب والصفائح المعدنية، وفي مناطق تعاني من الفقر والحرمان وتأوي عصابات إجرامية وشبكات للدعارة وترويج المخدرات".



في السياق، شهدت نواكشوط تكاثراً في الأحياء العشوائية في كل المناطق، إذ إنّه بسبب انعدام التهيئة العمرانية والبنية التحتية وضعف الرقابة الإدارية انتشرت منازل الصفيح بطريقة عشوائية لتبلغ نسبة تلك الأحياء نحو 30 في المائة من مجموع أحياء العاصمة.

فاطمة بنت النجاشي ربّة منزل تسكن مع عائلتها في حيّ ملح، بعدما انتقلت من قريتها الريفية إذ أصبحت عائلتها غير قادرة على العمل الفلاحي نتيجة توالي سنوات الجفاف. تقول إنّ "الجميع هاجر إلى العاصمة في أواخر تسعينيات القرن الماضي بحثاً عن مصدر رزق. وكانت نقط البداية هي الاستقرار في حيّ ملح حيث نصبنا كوخاً خشبياً داخلها شأننا شأن غيرنا من الأسر الريفية التي لم تجد بديلاً سوى الإقامة في أحياء الصفيح، في انتظار تحسّن أوضاعها". لكنّ انتظار فاطمة وعائلتها طال 17 عاماً، وتخبر أنّه "في كل مرة يأتون لإحصاء العائلات يعدوننا بتخطيط المنطقة وتوفير الكهرباء والماء ومنح تراخيص البناء، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق والجميع ما زال ينتظر".

على الرغم من محاولات الحكومات المتعاقبة للحدّ من تفاقم ظاهرة السكن العشوائي وحلّ مشكلة الأحياء العشوائية، فإنّها لم تفلح في ذلك وما زالت أحياء المدن بغالبيتها تفتقر إلى أبسط المقومات الحضرية بينما تكثر فيها المساكن غير المرخصة. يُذكر أنّ الحكومة سنّت أخيراً قوانين وتشريعات جديدة تهدف الى وضع حدّ لذلك، وأطلقت خطة لمعالجة الأحياء العشوائية تتضمن إحصاءً شاملا لسكانها وإعادة تخطيط للأحياء، الأمر الذي يسهّل شملها بالمرافق التي تحتاج اليها، بالإضافة إلى إدخال منظومة المعلوماتية للتحقق من منح قطع الأرض لمستحقيها.

تجدر الإشارة إلى أنّ عمليات إعادة التخطيط وهدم الأكواخ والمساكن المؤقتة تحوّلت الى نزاعات وشجارات عنيفة بين المواطنين من جهة وبينهم وبين السلطات الإدارية من جهة أخرى. بعض سكان هذه الأحياء يتّهمون لجان التخطيط بعدم الشفافية والتلاعب في تمويل مشاريع تأهيل الأحياء.