ارتبط اسم المؤرخ والسياسي المصري أحمد شفيق (1860 – 1940) بالتيار الذي كان ينادي بتوثيق العلاقة بين السلطة الخديوية والدولة العثمانية، في لحظة تاريخية كان الصراع فيه على أشدّه بين القوى الاستعمارية الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا على مصر.
ورغم تقلّده العديد من المناصب وانحيازاته المسبقة وآرائه الواضحة تجاه ملفات السياسة والمجتمع وصولاً إلى التعليم والثقافة، إلا أنه يسجّل له توثيقه الأحداث السياسية الكبرى وتفاصيل الحكم لأسباب عدّة، في مقدّمتها دراسته الفانون والاقتصاد والعلوم السياسية في كلية الحقوق في باريس، إضافة إلى أن قدّم صورة شاملة عن صناعة القرار من داخل أروقة السلطة.
وُلد شفيق في حي السيدة زينب وسط القاهرة. ألحقه والده بالكُتاب حيث حفظ القرآن، وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى مدرسة المبتديان حيث تعلّم اللغات التركية والإنكليزية والفرنسية والألمانية، وتابع دراسته في مرحلة بدأت تتشكّل فيها ملامح الهوية المصرية الحديثة وبرز أيضاً فيها تيار يسعى إلى دولة المواطنة التي تجعل المصري على قدم المساواة مع النخبة الحاكمة ذات الأصول الألبانية والتركية والشركسية.
بدأ عمله أثناء حكم الخديوي توفيق منذ عام 1885، ومع تولّي الخديوي عباس حلمي حكم مصر عام 1893 نال ثقته سريعاً لتقاربهما في المواقف ضدّ الاحتلال البريطاني، وشغل مواقع عديدة كان أهمّها إدارة ديوان الأوقاف فكافح الفساد المستشري واستطاع تطوير الوقفيات والأراضي الزراعية التي تتبع لها، وشيّد معاهد لتخريج وعّاظ وخطباء يتبنون خطاباً يتيح استقلالية المؤسسة الدينية ضمن مشروع الدولة.
رافق عباس حلمي بعد عزلة عام 1914 إلى إسطنبول وظلّ بجواره حتى سنة 1921، ثم عاد إلى مصر ليتفرّغ لوضع العديد من المؤلّفات، حيث نشر بداية مذكراته عن الفترة التي عاشها قريباً من السلطة والحكم، في ثلاثة أجزاء وأربعة مجلدات تمتّد من بين عامي 1873 و1923.
لكن عمله الأبرز كان "حوليات مصر السياسية"، الذي نشر في سبعة أجزاء مرفقة بمئات الصور الوثائقية، وثّق خلالها الفترة الممتدّة من تولي محمد علي باشا الحكم وحتى عام 1924 الذي تأسّس خلاله أول برلمان مصري، مؤرشفاً العديد من خطب ومراسلات ومحادثات التي يقرأها ضمن رؤية تحليلية تسعى إلى تصحيح بعد الصور والتعميمات المغلوطة.
ينتصر شفيق في كتابه لعباس حلمي الذي وضع اللائحة السعيدية باعتبارها اللبنة الأولى فى بروز مفهوم المواطنة في حزمة سياسات تمثّلت بتوزيع حصص زراعية على بعض الفلاحين الذين شكّلوا عماد الطبقة الوسطى في العقود اللاحقة، وأتاح للمصريين الالتحاق بالجيش الذي كان له دوره في قيام ثورة أحمد عربي بوصفها أولى التعبيرات عن الهوية الوطنية المصرية في العصر الحديث.
خالف شفيق آراء آخرين كانوا مؤيدين للخديوي إسماعيل، وهو خلاف ينقسم إلى شقّين، الأول يتعلّق بانتماء الأول إلى فكرة الجامعة الإسلامية والإصلاح من داخلها وليس عبر الانفتاح الكامل نحو الغرب، والثانية تتصل بدعم الآستانة في مواجهة القوى الأوروبية وليس الانفصال عنها.
لم يُغفل صاحب كتاب "الرق في الإسلام"، الصراعات والسجالات التي عاشتها الحركة الوطنية المصرية، منوّهاً إلى أن انقسامها كان السبب الرئيس في إضعاف المواجهة مع الإنكليز خاصة في المفاوضات التي قادها اللورد ملنر بعد ثورة 1919.