أحمد شفيق.. في كواليس الحوليات المصرية

28 مايو 2020
أحمد شفيق في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثامن والعشرون من أيار/ مايو، ذكرى ميلاد المؤرخ المصري أحمد شفيق (1860 - 1940).


إذا كان القرن التاسع عشر قرن الاصطدام الكبير بين العرب والغرب، فإن التاريخ كان من جبهات المواجهة غير أنها كانت معركة غير متكافئة، ففيما أتى المؤرّخ الفرنسي أو البريطاني بمناهج وأدوات متطوّرة من فلسفة التاريخ الهيغلية إلى خطط علم الحفريات، لم يكن للمؤرّخ العربي - على ندرة وجوده - من عُدّة إلا ما ورثه من أزمنة ابن جرير الطبري وعبد الرحمن بن خلدون. وبذلك سرعان ما فرض المستشرقون رواياتهم تحت غطاء المنهج العلمي الحديث، سواء تعلّق الأمر بالتاريخ البعيد، كالفرعوني والآشوري والفينيقي، أو بالتاريخ المحايث.

بعد استيعاب التفاوت الهائل بين العُدة المعرفية للمؤرخ الغربي ونظيره العربي، ظهر في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر عدد من المؤرخين العرب المؤهّلين، خصوصاً في مصر، ومن أوائل هؤلاء أحمد كمال (1851 - 1923)، ويعقوب نخلة روفيله (1847 - 1905)، وأحمد شفيق (1860 - 1940) والذي يقابل اليوم ذكرى ميلاده الـ180.

ان أهم ما ترك المؤرخ المصري هو "حوليات مصر السياسية" التي تقع في عشرة أجزاء وتمثّل مسحاً للتاريخ السياسي في مصر منذ نهاية "الحملة الفرنسية" وصولاً إلى عام 1923، وهو عمل ضخم اعتمد القراءة الوصفية التحليلية في ما يخصّ أحداث القرن التاسع عشر، كما استند إلى التوثيق الدقيق للأحداث في كل ما كان شاهداً عليه باعتبار أن شفيق قد شغل مناصب عليا في الدولة أبرزها رئيس الديوان الخديوي ومدير عموم الأوقاف، ولعلّ العمل الضخم الذي تركه يشير إلى حالة من الانتباه للتوثيق لم تكن لتتوفّر لو لم تكن لدى شفيق استعدادات مؤرّخ.

ولد شفيق في بيئة شعبية ونشأ في حيّ السيدة زينب بالقاهرة، وحظي بتكوين معرفي متين، فبعد مروره بالكتّاب لم يتوقف مثل أغلب أبناء المصريين وقتها عند تعلم مبادئ الدين والقراءة والكتابة والحساب، حيث أن نباهته رشّحته لمواصلة تعليمه مختلطاً مع ذوي الأصول التركية والأوروبية إذ كانت أسرته تأمل له في توظيف حكومي رفيع، وهو ما تحقق نظراً لتفوّقه في الهندسة واللغات (تعلّم التركية والإنكليزية والفرنسية والألمانية) والتاريخ.

شغل شفيق مناصب عدة أبرزها سكرتير ناظر الخارجية، ورئيس قلم الترجمة بالقصر، وكان تولّي عباس حلمي الحكم سنة 1892 سبباً في ارتقائه الوظيفي واقترابه أكثر من دوائر القرار، حيث عيّن سنة 1897 سكرتيراً خاصاً للخديوي ثم رئيس الديوانين العربي والإفرنجي عام 1905.

كانت نهاية حكم عباس حلمي (1914) بداية ابتعاد شفيق عن الصف الأمامي من السياسيين، ولكنه بقي من أبرز الشخصيات في زمنه، وقد نال الباشوية وبات يُعرف إلى اليوم باسم أحمد شفيق باشا. من زاوية المؤرّخ، كان هذا الابتعاد ضروريا فمن دونه لم يكن من الممكن أن يشتغل على مشروع "الحوليات" أو كتابه "مذكراتي في نصف قرن" اللذين يمثّلان اليوم مراجع أساسية لفهم منعطفات تاريخ مصر بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين.

المساهمون