30 يونيو 2016
أحمد دحبور: لماذا أنا في "هداسا"؟
هي مشكلة أحمد دحبور، إذن. هي مأزق خياراته الشخصية والإنسانية، ومن يزعم أنها مشكلة فساد النظام الإداري والسياسي الفلسطيني يروّج إشاعات الصهاينة المتربصين بالمشروع الوطني. هذا النظام واضحٌ، ولا نفاق فيه: شروط قبوله أي مواطن فلسطيني تعتمد على أهميته على صعيد المال والسياسة الرخيصة والعلاقات الاجتماعية، والقلم الذكي. .. وأنت يا (أبو يسار)، لا مال لديك، ولا تعمل في السياسة الرخيصة. مهنتك العجيبة المضحكة هي الحنين لحيفا. وهذا الحنين لا يندرج في قوانين قبولنا. دوائرنا مقفلةٌ أمام هذا النوع الأهبل والرومانسي من الحب والتواصل، علاقاتك الاجتماعية غير مرضية، فأنت لا (تعزم) أحداً من مسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية الكبار في بيتك، ولا تتّصل بأحدٍ منهم مهنئاً في عيد، أو ذكرى ميلاد. ولا تبدي قلقاً لضياع كلبٍ صغير وثمين لابنة وزير. لا تمدح مسؤولاً في مقال. ولا تبرّر أخطاء أحدٍ في منصبٍ رفيع. أنت مجرّد شاعر مقاومة صارت وراءنا، وكاتب حلمٍ قديمٍ لم يعد يصلح لعالمنا. خطواتك نعرفها، فهي من البيت إلى البيت، وروحك من القصيدة إلى القصيدة، وقلبك من حلم حيفا إلى حلم حيفا، والدمعة دوماً في عينيك، فكيف سيفهمك (السيستم) الإداري لوزارة الصحة ولبنية السلطة الفلسطينية، يا أحمد دحبور؟
تمضي وقتك في التفكير بالشجرات الأربع أمام بيتك في حيفا، وفي أبي جورج، جاركم الذي حملك طفلاً، والذي حذّر أباك (باكياً) من الرحيل. تلك السنوات الضائعة التي أمضيتها في هذا الحنين كان في وسعك أن تبني فيها عمارتين في الطيرة، أو تؤسّس مشروعاً تجارياً، أو أن توطد في أثنائها صداقةً مع شخص مهم، حتى تحتاجه لأزماتٍ كهذه. نظام السلطة الإداري والسياسي بلا شجر وبلا بيوت محتلة، ولا يفهم دموع أبي جورج. إحداثياتك الشعرية الإنسانية لا تتطابق مع بنود هذا النظام، وشروط حياتك تتناقض مع شروط عمله، فهدّئ من روعك، أيها الشاعر (القديم)، والهدوء الهدوء، يا أصحابه الغاضبين.
ربما أفهم غضب أصدقائك (يواصل النظام الإداري والسياسي مرافعته)، لأننا تركناك أياماً على سرير مشفى رام الله، قبل أن ننجح في نقلك إلى مشفى هداسا الإسرائيلي، (معرّضين الوطن كله للإهمال، قامتك الأدبية والوطنية للأذى، وجسَدك للفيروسات، وأخطاء طلاب كلية التمريض، وكسل الأطباء ومللهم). هكذا يقول أصحابك المثقفون. هذا كلامٌ غير منطقي، كانت للشاعر غرفته الخاصة، وسبب كسل الأطباء الحر وشهر رمضان، أما الفيروسات فمنتشرة في كل مكان، وأخطاء طلاب التمريض مشروعةٌ ومفهومةٌ، وهم رواد الطب المستقبلي في فلسطين، فلا داعي للمزايدة، ولا لاختراع أسبابٍ واهيةٍ لضرب المشروع الوطني الفلسطيني.
عاد النظام الإداري السياسي الفلسطيني إلى بيته الضخم في حي راقٍ من المدينة. وكان أحمد دحبور، في هذه اللحظة، يغادر، بعد أسبوع فلسطيني حافل بالإهمال، في سيارة إسعافٍ فلسطينية إلى مشفى إسرائيلي في القدس. هناك، فوجئت زوجته بأن تحويلة النظام الصحي الفلسطيني لم تكن إلى هذا المشفى، بل إلى آخر في حيفا. كان الموقف صعباً، فقد طولبت بدفع 7000 شيكل (2000 دولار) أجرة الليلة التي أمضاها الشاعر الكبير في طوارئ المشفى. وهنا، كان شاعر فرقة العاشقين الفلسطينية يجلس في سريره، مستعيداً وعيه، ومتفاجئاً بغضبٍ من وجوده في مشفى إسرائيلي. لم يكن صاحب أغنية "يا عود اللوز الأخضر" قادراً على الفهم، كان يصرخ من دون صوت: لماذا أنا هنا؟ ثم سمع صوتاً قادماً من جهة رام الله، ظنه فخ هلوسة، لكنه كان متأكداً من وضوح الكلمات:
اعتبر ذلك عقاباً لك على جملتك التي طالما ردّدتها، وأهنت فيها النظام السياسي الفلسطيني: "عدتُ إلى الجزء المتاح من الوطن". أليست هذه عبارتك التي دوّخت مصالحنا فيها ومصالح بلادك؟
هو ليس الجزء المتاح من الوطن، هو الوطن كله. هكذا يقول الواقع، وهكذا تُقرّر السياسة، السياسة التي لم تفهم قواعدها يوماً، يا أحمد دحبور. السياسة التي ليس لديها وقتٌ لتعرف أبا جورج والشجرات الأربع أمام بيتك المنهوب، ولا تفهم معنى الدمعة الدائمة في عينيك، كلما ذُكرت أمامك حيفا.
وظل عود اللوز الأخضر يصرخ من دون صوت: لماذا أنا هناااااااااا؟
تمضي وقتك في التفكير بالشجرات الأربع أمام بيتك في حيفا، وفي أبي جورج، جاركم الذي حملك طفلاً، والذي حذّر أباك (باكياً) من الرحيل. تلك السنوات الضائعة التي أمضيتها في هذا الحنين كان في وسعك أن تبني فيها عمارتين في الطيرة، أو تؤسّس مشروعاً تجارياً، أو أن توطد في أثنائها صداقةً مع شخص مهم، حتى تحتاجه لأزماتٍ كهذه. نظام السلطة الإداري والسياسي بلا شجر وبلا بيوت محتلة، ولا يفهم دموع أبي جورج. إحداثياتك الشعرية الإنسانية لا تتطابق مع بنود هذا النظام، وشروط حياتك تتناقض مع شروط عمله، فهدّئ من روعك، أيها الشاعر (القديم)، والهدوء الهدوء، يا أصحابه الغاضبين.
ربما أفهم غضب أصدقائك (يواصل النظام الإداري والسياسي مرافعته)، لأننا تركناك أياماً على سرير مشفى رام الله، قبل أن ننجح في نقلك إلى مشفى هداسا الإسرائيلي، (معرّضين الوطن كله للإهمال، قامتك الأدبية والوطنية للأذى، وجسَدك للفيروسات، وأخطاء طلاب كلية التمريض، وكسل الأطباء ومللهم). هكذا يقول أصحابك المثقفون. هذا كلامٌ غير منطقي، كانت للشاعر غرفته الخاصة، وسبب كسل الأطباء الحر وشهر رمضان، أما الفيروسات فمنتشرة في كل مكان، وأخطاء طلاب التمريض مشروعةٌ ومفهومةٌ، وهم رواد الطب المستقبلي في فلسطين، فلا داعي للمزايدة، ولا لاختراع أسبابٍ واهيةٍ لضرب المشروع الوطني الفلسطيني.
عاد النظام الإداري السياسي الفلسطيني إلى بيته الضخم في حي راقٍ من المدينة. وكان أحمد دحبور، في هذه اللحظة، يغادر، بعد أسبوع فلسطيني حافل بالإهمال، في سيارة إسعافٍ فلسطينية إلى مشفى إسرائيلي في القدس. هناك، فوجئت زوجته بأن تحويلة النظام الصحي الفلسطيني لم تكن إلى هذا المشفى، بل إلى آخر في حيفا. كان الموقف صعباً، فقد طولبت بدفع 7000 شيكل (2000 دولار) أجرة الليلة التي أمضاها الشاعر الكبير في طوارئ المشفى. وهنا، كان شاعر فرقة العاشقين الفلسطينية يجلس في سريره، مستعيداً وعيه، ومتفاجئاً بغضبٍ من وجوده في مشفى إسرائيلي. لم يكن صاحب أغنية "يا عود اللوز الأخضر" قادراً على الفهم، كان يصرخ من دون صوت: لماذا أنا هنا؟ ثم سمع صوتاً قادماً من جهة رام الله، ظنه فخ هلوسة، لكنه كان متأكداً من وضوح الكلمات:
اعتبر ذلك عقاباً لك على جملتك التي طالما ردّدتها، وأهنت فيها النظام السياسي الفلسطيني: "عدتُ إلى الجزء المتاح من الوطن". أليست هذه عبارتك التي دوّخت مصالحنا فيها ومصالح بلادك؟
هو ليس الجزء المتاح من الوطن، هو الوطن كله. هكذا يقول الواقع، وهكذا تُقرّر السياسة، السياسة التي لم تفهم قواعدها يوماً، يا أحمد دحبور. السياسة التي ليس لديها وقتٌ لتعرف أبا جورج والشجرات الأربع أمام بيتك المنهوب، ولا تفهم معنى الدمعة الدائمة في عينيك، كلما ذُكرت أمامك حيفا.
وظل عود اللوز الأخضر يصرخ من دون صوت: لماذا أنا هناااااااااا؟