أحمد حامد... يوميات مصورة لشوارع القاهرة

03 أكتوبر 2017
يترك أحمد الصورة تتحدّث بنفسها (فيسبوك)
+ الخط -
نقش ملون لنجيب محفوظ يتصدر جدارية تملأ الكادر، يؤرخ لعام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين يسار الجدارية، وبجانبه كلمة نوبل. ويتمطّى جسد شاب رسى فوق مقعد حجري، أسفل الرسم الجداري الملون. لا تتبين ملامحه، فهو متكور على نفسه ونائم. لا يذيّل القدمين حذاء، ويبدو الجسد قطعة واحدة متصلبة. صورة تجمع العديد من التناقضات، عمد إلى التقاطها سريعاً، فعامل الزمن مهم لما يريد إيصاله. مهنته تتجسّد بكلمتين "فن اللحظة". 

هذا واحد من أعمال أحمد حامد، مصور شارع أو street photographer من مصر. فنان تفرض عليه الصورة نفسها، فيلتقطها كما هي بفجاجتها وقبحها وأُنسها. بدأ حامد بالتصوير مع تصاعد حركة الإعلام البديل في مصر عام 2005، إذ كانت الإرهاصات الأولى التي أطلقها الشباب المصري للمطالبة بالتغيير. "كانت حركة التدوين والمدونات تتصاعد في مصر، كمحاولةٍ للتمهيد لما نسمّيه اليوم بالإعلام البديل. أحببت المشاركة وبدأت بالتصوير. أولى الصور التقطتها بكاميرا موبايل (نوكيا)، وحزت فيها على جائزة من إحدى المجلات".
يضيفُ أحمد لـ"العربي الجديد"، أنّ التصوير في تلك الآونة كان وسيلة من الوسائل التي عمد إليها كصحافي، إلا أنّ التحوُّل الحقيقي الذي جعل الكاميرا أداة التعبير الوحيدة كان في عام 2009، بعد أن كان حامد قد نال عدداً من الجوائز كمصور صحافي.

الاستحسان الذي تلقته عين وعدسة أحمد النهمة إلى تفاصيل القاهرة وتحولاتها، والإدراك بأن أهمية الصورة تكمن بقدرتها على مخاطبة الجميع، كانت من الأسباب التي دفعته إلى تطوير أسلوبه. "اعتدت على أمرين أساسيين ساعداني على توسيع مدركاتي البصرية في ما يخصّ التعاطي مع التصوير، وبشكل خاص تصوير التفاصيل اليومية والوقائع. الأمر الأول، هو تقليد مصورين مخضرمين. مصورون تشبثوا بالأفلام اليدوية والكاميرات والنظريات القديمة، لتوثيق مختلف الحالات البصرية، على الرغم من اكتساح كاميرات الديجيتال. والأمر الثاني، هو ملاحقة السياح والأعين الجديدة الغضة التي تبهرها تفاصيل مصر وكل ما هو جديد، وقد تبدو لي أموراً اعتيادية".

توثيق تناقضات المدينة
تفرض بعض المشاهد نفسها على أحمد حامد، الشاب المتأثر بسلطة الزمن على اللحظة، كما يشير كارتييه بريسون، وبالتالي على مقولة الصورة. أحياناً أخرى يختار ماذا سيصور أو ماذا سيوثق، بحسب تعبيره. "أحاول توثيق تناقضات المدينة، وبشكل خاص القاهرة، لأنني أعيش فيها. وأنا مهتم جداً بالحفاظ على ذاكرتها. بالرغم من أنّها عاشت عصوراً ذهبية، إلا أنها، اليوم، ولأسباب عديدة، تفقد مكتسباتها المعمارية والحضارية والثقافية والاجتماعية. لا أستطيع وقف هذه الانهيارات المتتالية، لهذا أوثّق ما تبقى من ملامح الجمال وروائحه، قبل اندثاره واستبداله بالقبح".

طموح مصوّر الشارع المصري، أحمد حامد، هو عرض صوره بكل ما تحمل من قساوة وواقعية في الشارع أمام أعين الجميع، أمام الخارجين عن سلطة وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، البسطاء، وأيضاً الغافلين عما يحدث من حولهم. يشير أحمد إلى أن أهمية هذا النوع من الفنون، أي تصوير الشارع، تكمن في سهولة فهم معناه، وبالتالي قربه من الناظر. ويفقد غايته ومسعاه إن اقتصر على الأصدقاء والمعارف ومجموعات بشرية تقبع في أقبية افتراضية، أو دور عرض زوارها معروفون سلفاً. "عرض الصور للناس في الشارع مهم، فلربما يساعد على رفع الوعي بالمدينة ومعالمها الفنية والاجتماعية، ومداعبة حس المبادرة في محاربة القبح بكل أشكاله. وهنا لا أشير إلى القبح الفني، بل إلى الواقع المنعكس بلسان الفن". ينشر أحمد صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، يكتفي بتعليق بسيط يستقيه من الصورة ذاتها. لا يثقل المشاهد برأيه الخاص وإنما يترك الصورة تتحدث عن نفسها.

المساهمون