أحمد بيضون: فرص عربية ضائعة

02 سبتمبر 2016
(من الندوة، تصوير: عبد الرحمن عرابي/ العربي الجديد)
+ الخط -

في كتابه "الربيع الفائت: في محنة الأوطان العربية أصولاً وفصولاً" الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في بيروت، يجمع الباحث والأكاديمي اللبناني، أحمد بيضون (1943)، عدداً من المقالات التي كتبها في أزمنة متفرّقة وأثار فيها جملةً من القضايا السياسية والفكرية المرتبطة بالبلاد العربية، مُنطلقاً من محطّات محورية في تاريخها، وصولاً إلى الأحداث التي تعصف بها منذ قرابة ستّ سنوات.

يخصّص بيضون مساحةً واسعة من عمله للحديث عن "حركات التغيير العربية"، غير أنه يعترف، في مقدّمته، بأن "الكتاب ليس سيرةً للحركات التي أطلقنا على أوائلها اسم "الربيع العربي"، ثمّ تحيّرنا في اختيار اسمٍ لتواليها، ولا هو سيرة لمؤلّفه، في أعوام قليلةٍ مضت، بما هو واحد من الذين اختاروا التأمّل في هذه الحركات طريقةً لمداراة استغراقهم فيها ولحفظ انتسابهم إليها في آن".

في ندوة نظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في "مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، في بيروت، أمس الخميس، لمناقشة الكتاب، أدرج المؤلّف عمله ضمن إطار نقدي ذي مستوَيين: "نقد الشعوب، ونقد الأنظمة"، موضّحاً أن المستوى الأوّل يتعلّق بحالة الطائفية الموجودة لدى الشعوب، والثاني بصفة "السلطانية" التي طغت على مُعظم الحكّام العرب، وفق تعبيره.

ودافع بيضون عن منهجية الكتاب، معتبراً أنها "تعمّقت في تحليل السياقات الواردة، ولم تهتمّ بسرد كلّ الأحداث تاريخياً، كما وردت".

شارك في الندوة، أيضاً، كلّ من الكاتب اللبناني شبلي الملّاط، ومدير "المركز العربي"، خالد زيادة. في مداخلته، التي وصفها بأنها "محاولة استدراج إلى نقاش حام"، تحدّث ملّاط عن "الأمل الذي أحدثه إسقاط أربعة قادة دكتاتوريين، قبل انطلاق الثورات المضادّة التي أطفأت الشعلة"، كما تناول "أثر التركيبة الطائفية في عرقلة مسار الربيع الذي أصبح فائتاً".

وتطرّق الكاتب اللبناني إلى مصطلح "التبلر" (من تبلور) الذي استخدمه بيضون في كتابه، واصفاً إياه بأنه "أدقّ من فعل البلورة، وقد أصاب هدفه في تناول ضرورة تبلر المواطنين في إطار وطني بعد إخراجهم من إطار الحبس الطائفي".

يرى ملّاط أن "العمل الدستوري حاسم جدّاً في هذه المرحلة من الانتقال الاجتماعي والسياسي الذي تُحدثه الثورات، عبر إيجاد صيغة قانونية لتحقيق الانتقال"، منتقداً "عدم تعمّق الكاتب في الجانب الدستوري"، كما أشار إلى مفهوم اللاعنف الذي ركّز عليه الكتاب، واصفاً إياه بأنه "مفهوم أساسي".

من جهته، وصف خالد زيادة الكتاب بأنه "مقدّمة سيرة ذاتية للكاتب، لما جمعه من تصوّرات شخصية حول مسارات الربيع العربي"، مضيفاً أنه "جمع بين سرد الأحداث والتحليل بطريقة عميقة تجمع السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية".

تخلّل النقاش حديث عن دور المرأة في ظلّ اعتماد خيار اللاعنف، وأُثير سؤال حول السياق الذي ينبغي مقاربة "الثورات الشرق أوسطية" فيه، هل هو مع الثورات الأوروبية أو مع غيرها؟ سؤال جاءت مقارباته مختلفةً؛ فبينما رأى بيضون "عدم إمكانية ربط الثورات العربية بالثورات الأوروبية بسبب تغيّر السياق العام في العالم"، ذهب ملّاط إلى العكس من ذلك؛ مستدلّاً بتأثّر المحيط الإقليمي بما حدث في البلاد العربية.

يتألّف العمل من سبعة فصول، حمل الأوّل عنوان "في المطالع والأصول: حركات التغيير العربية من إرث السلطانية المُحدثة إلى التشييد المؤسسي للديمقراطية". وفيه يُصنّف الباحث الأنظمة العربية التي مسّتها حركات التغيير بين "أنظمة إرثية محدثة" أو "أنظمة سلطانية محدثة"، معتبراً أن السلطانية هي نفسها الإرثية، لكن بقدر مضافٍ من حدّة الملامح والأوصاف.

وفي الفصل الثاني، "معالمُ للهاوية"، يبحث المؤلّف في تاريخٍ للطائفية، وفي تشكّل الطوائف كوحداتٍ سياسية، وفي الهوية والمذهب الديني والمواطنة، بينما يحاول في الفصل الثالث، "الخوف على سورية"، رسم حدود التسليم الواقعي بتحوّلات الثورة السورية، متسائلاً: هل تسقط هذه الثورة؟

يثير الباحث في الفصل الرابع، "الحلول بما هي مشكلات"، مسألة مداواة الأوطان بتفكيكها، معتبراً أن اتّخاذ الوحدة الطبيعية الصغرى أو الوحدة العصبية قاعدةً لتفكيك الأوطان القائمة، باسم إرساء السلم الأهلي، لا تختلف حظوظه في إدراك الغاية المرجوّة منه عن اتّخاذ الوحدة الطبيعية الكبرى قاعدة لدمج الأوطان القائمة باسم القوّة القومية. كما يتناول في الفصل نفسه مسألة العلمانية، فيرى أن العلمانيين العرب يشعرون بالضعف في قواعد موقفهم، فيوطّنون أنفسهم في كلّ مكان تقريباً.

أمّا الفصل الخامس، "بلايا محيطة"، فيجمع فيه المؤلّف أوراقاً كتبها في أوقات متفرّقة، وتناول فيها قضايا مختلفة؛ مثل ضعف البلاد العربية وتحّوّلها كرةً في ملعب إقليمي كبير، ومسألة المهدي واستخدامه مصطلحاً سياسياً، والحرب على "الإرهاب"، والقضية الفلسطينية، والحراك السياسي والشعبي في لبنان.

وفي الفصل السادس، "مشكل المعرفة في مشكل الحل"، يتناول بيضون مسألة الاستبداد بالمعرفة، فيذهب إلى أن الباحثين كانوا موضع متابعة مركّزة من الأجهزة المكلّفة بالسهر على نفاذ المعايير الرسمية في إنتاج المعرفة بالمجتمع وبالنظام السياسي الاجتماعي.

ويطرح في الفصل السابع، "إشارات وتنبيهات"، السؤال الآتي: الدين في المجتمع أم العكس؟ ليجيب بالقول إن "تاريخ المجتمعات الإسلامية أرحب بكثير من تاريخ الدين الإسلامي أو المذاهب الإسلامية". كما يقدّم في هذا الفصل قراءة لكتاب عبد الرزاق أحمد السنهوري "فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية"، إضافةً إلى مقالات أخرى؛ هي "في فشل السياسة" و"أزمة في ترتيب الزمن" و"نهاية المجتمعات".

"شرور ما بعد الربيع العربي: لمحة في المصلحة والقيمة"، هو عنوان الفصل السابع والأخير، وفيه يدعو إلى "اعتبار البشر الذين ملأوا الميادين حقائق"، مضيفاً "لا ينتقص من حقيقتهم هذه أن قوّة القمع الموصوفة من هنا واستشراء التسلّح من هناك والنجدة الخارجية للأنظمة وتألّب الدول ذات المصلحة على الحركات الشعبية من هنالك قد ألزمت هؤلاء البشر بالانكفاء عن ساحاتهم وحجبت معظم أصواتهم".

يُذكر أن أحمد بيضون كاتب وباحث ومترجم لبناني، درّس العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، وكان أستاذاً زائراً في جامعات فرنسية عدّة، كما تعاون مع هيئات علمية وثقافية كثيرة لتنفيذ مشروعات عديدة تولّى مسؤولية معظمها. صدر له قرابة 15 كتاباً، بعضها بالفرنسية؛ من بينها: "الأخلاط والأمزجة"، وهو ديوان شعري (1989)، و"الصراع على تاريخ لبنان" (1988)، و"كلمن: من مفردات اللغة إلى مركبات الثقافة" (1997)، و"الجمهورية المتقطّعة" (1999)، و"الإصلاح المردود والخراب المنشود" (2012).

المساهمون