أحلى ما في مصر.. سفارة الهجرة

11 ديسمبر 2014
أصبحت الهجرة حديث الساعة بل مقصدا للجميع (تصوير/حسام الصياد)
+ الخط -

لم تكن فكرة السفر والهجرة يوماً محط اهتمام الشباب المصري، ولكن سرعان ما تحول أمرها، حتى أصبحت حديث الساعة بل مقصدا للجميع، ومابين أسباب يرجع تاريخها إلى عشرات السنوات، وأسباب ظهرت بعد ثورة يناير، تحولت مصر إلى دولة طاردة لأبنائها، خاصةً الشباب منهم.

ففي أواخر سبعينات القرن الماضى كانت ظاهرة سفر العمال المصريين إلى دول الخليج بحثا عن عمل في أوجها، ولكنها لم تكن هجرة، وإنما كانت خروجا مؤقتا لرفع مستوى معيشة ذويهم. أما الآن فالأوضاع اختلفت كليا، صارت تأشيرة سفر بلا عودة، وعند محاولة الوصول لأسباب تزايد الاقبال على الهجرة، ألتقى (جيل العربي الجديد) بعضا ممن يسعون في هذا الطريق، منهم من رغب في السفر بعد أن تحطمت آماله التى بنيت على ثورة لم تكتمل، والبعض الآخر أصبح معاقبا من قبل من حوله لاختلافه فكريا عنهم.

محمد علي، شاب في العقد الثاني من العمر، وأحد مصابي ثورة يناير، يروي مبرراته للهجرة: "الناس أصبحت تبرر القتل والاغتصاب، بل شتى أنواع العنف، فبالرغم من اقتناعهم أن السيسي مثل مرسي في إدارة الحكم، إلا أنهم يرفضون الاعتراف بذلك، لكن المؤلم هو دعم عائلاتنا للنظام، فهم يقتلوننا معنويا بفعلتهم هذه". وأضاف علي "تتم معاملتنا على كوننا أبطال أو بلطجية ومخربين وقتما يحلو لهم. أصبحت لا أقوى على العيش في هذا البلد، وفي الوقت ذاته غير قادر على اتخاذ قرار السفر بشكل قاطع، فكيف أقوى على ترك شقيقاتي في غابه تحت مسمى دولة!".

إسلام أشرف شاب مصري شارك في الثورة المصرية بكل إخلاص وتفاني أملا في أن يسهم في خلق مجتمع قادر على احترام حرية الفكر وترسيخ المعاملة الأدمية، صرح خلال حواره حول دوافعه للتفكير جديا في الهجرة قائلا: "بالفعل هناك وظائف في بلدنا، ولكن حدثونا عن متوسط الأجور، إنها منعدمة لا تتناسب مع الاحتياجات المعيشيه الضروريه فكيف يتسنى لنا أن نعول عائلة، لذا مع أول فرصة سفر تقدم لي مقابل مادي يأمن مستقبلي ومستقبل أسرتي، سأوافق دون تردد".

أحمد مدحت شاب في أوائل العشرينيات، حدثنا عن فكرة الهجرة المخيمة أوساط الشباب، موضحا أن "ليس هناك إنسان من السهل عليه اتخاذ قرار الهجرة، فلكل منا أسرة وأقران وأماكن مرتبطة بهم ارتباطا وطيدا، بل أصبحت جزءا من روحه، لكن سهولة قرار الهجرة تكمن في اللحظة التى نشعر فيها أن هذا البلد لم يعد بلدنا، أو بالأحرى لم يعد الملاذ الآمن لنا". مستكملا مداخلته "الاغتراب هو أولى الخطوات على طريق الهجرة، وعند اتخاذ القرار النهائي بالهجرة، هذا سوف يكون من أجل البحث عن أناس طبيعيين وبيئة صحية أتعايش فيها بآدمية خارج مصر، سوف يكون البحث عن وطن برمته".

أما أحمد بحراوي، شاب عشريني آخر، فتمثل له فكرة الهجرة جانبا مختلفا: "التشدد الديني والفكري من أهم أسباب الهجرة لدى بعض الشباب، فالشاب الذي يحمل أفكارا تبدو مختلفة عن الأفكار الدينيه الراسخة لدى مجتمعنا يصبح منبوذا مطاردا في بعض الأحيان، وكأنه مجرما مطلوبا للعدالة". وأوضح بحراوي "أن الجماعات الدينية المتشددة المتواجدة في بلادنا تكاد لا تترك مترا واحدا لفرد يحمل أفكارا مختلفة عن أفكارهم كي يحيا فيه بأمان، فسرعان ما يكفرونه ويحرضون من حوله ضده بل والإعلان عن إهدار دمه".

وفي سياق متصل، أشار بحراوي في حديثه، إلى أن "مؤسسات الدولة على مدار الفترات الماضية لا ترى سبيلا للتعامل مع من هم مختلفي الفكر الديني سوى بالملاحقة الأمنية والقضائية، سواء كانوا ملحدين، أو حتى ذو رؤية تنويرية تختلف عن المعتقادت الدينية المعهودة. كل هذا يدفعنا للبحث عن مكان آخر يُحترم فيها الإنسان وتحترم فيه أفكاره، أيا كانت تلك الأفكار".

أما ألبير صابر، فهو شاب مصرى "ملحد"، ينتمي لأسرة مسيحية، وهو ممن شاركوا في ثورة يناير، حدثنا عن حياته التى أصبحت عرضة للخطر، وهذا إبان الثورة، مصرحا بأن تمت مهاجمة منزله من قبل جيرانه بمجرد علمهم بأنه ملحد وبأنه يتناقش بشكل مريب "بالنسبه لهم" حول المعتقدات الدينية، فتم التهجم على منزله وأسرته وأصابوه إصابات بالغة كادت تودي بحياته، "قمت باستدعاء الشرطة لحمايتي، ولكنني فوجئت بإلقائها القبض علي، وترك الجناة، لا أعلم لماذا! ربما لأن مشكلتهم كانت تكمن في كوني منتميا لأسرة مسيحية قبل أن أكون ملحدا".

وسرعان ماتم اتهام صابر بازدراء الأديان، وعلى إثر هذه التهمة تم الزج به داخل السجون المصرية، وقد كانت القضية الأولى من نوعها فى مصر بعد الثورة.. مضيفا، "أثناء سير محاكمتي تم الاتفاق بين الحكومة الانتقالية آنذاك، وبين إحدى المنظمات الحقوقية العالمية باللإفراج عني، وكل هذا تم دون علمي أو علم أسرتي، وفور الإفراج عني سافرت إلى الخارج للعيش دون رجعة، وهذا لمجرد اختلافي فكريا ودينيا عن الساذد في مجتمعنا المصري".

وأخيرا تفاجئنا السلطات المصرية كعادتها بمنع سفر كل من ينتمى للفئة العمرية من 18 إلى 40 عام إلى عدة دول، أبرزها تركيا واليمن والأردن والعراق وسورية، إلا بتصريح من ضابط الاتصال، لمعرفة سبب الزيارة بالتفصيل وبناء على ذلك يتم قبول أو رفض طلب السفر.. فهل يعيد عبد الفتاح السياسي تجربة كوريا الشمالية فيما يخص منع السفر لكافة المواطنين إلا بتصريح؟

 

*مصر

المساهمون