ما زالت قصص الشبان والشابات الذين قضوا في الهجوم الدموي على مركز "موعود" التعليمي في العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس/ آب الماضي متداولة. وبينما ينشر البعض في أفغانستان صور وقصص التلاميذ ويتحدثون عن كيفية قتلهم، يلفت آخرون إلى أحلام قضى الهجوم عليها. وتطرق البعض إلى الجهات التي تقف وراء مثل هذه الهجمات الهمجية، ودور أجهزة الأمن، إضافة إلى ما قيل حول أن "الهجوم نفذه أحد تلاميذ المركز نفسه".
ويكتب الصحافي ولي الله شاهين على صفحته على "فيسبوك": "الأخطر هي رسائل الهجوم، وخلق جو من الريبة والشك إذ أن منفذ الهجوم تلميذ في المركز نفسه". يضيف أن أحد التلاميذ في المركز أخبره أن شخصاً كان يدرس في الصف ذاته غاب عن الأنظار لفترة طويلة قبل أن يحضر يوم تنفيذ الهجوم. في ذلك اليوم، دخل إلى المركز الخاص بالتعليم وهو يرتدي حزاماً ناسفاً. دخل من دون أن يمنعه الحراس لأنه أحد تلاميذ المركز. قصد الصف الذي كان يدرس فيه. وحين صار بين التلاميذ، فجّر حزامه الناسف.
بغض النظر عن طبيعة الهجوم، يتناقل ناشطون على وسائل التواصل الإجتماعي قصصاً مرعبة لبعض التلاميذ، أبرزها وأكثرها إيلاماً قصة التوأم فرزانة وعطاء الله، ابنا محمد حسن رحيمي. ولدا قبل 18 عاماً في يوم واحد، وتوفيا في يوم واحد، كما تقول الوالدة خديجة رحيمي. محمد حسن رحيمي والد الضحيتين يعمل خبازاً. كان همّه الوحيد أن يتابع عطاء الله وفرزانة دراستهما. كانا يدرسان بجد واجتهاد وقد نجحا في التفوق، ويحلمان بدخول جامعة كابول. كانا يستعدان للامتحان الشامل للّذين ينوون الدراسة مساء. عطاء الله كان ينوي العمل في الصباح والدراسة في المساء. ويوضح الوالد: "في العادة، كانت فرزانة تستودعني عند الخروج إلى الدرس، على عكس عطاء الله. لكن في ذلك اليوم، عاد من الباب وقال لي: بابا، في أمان الله"، وهذه كانت كلماته الأخيرة معي. يضيف: "وأنا في العمل، سمعت صوتاً مرعباً ظننت أنه انفجار استهدف مركزاً أمنياً. ما كنت أدري أنه أخذ مني فلذتي كبدي".
أما الوالدة خديجة رحيمي، فترفض الحديث إلا عن أشلاء جسد ابنتها. تعيد الكلمات نفسها: "رأيتها وكانت يدها اليمنى محطّمة وحنجرتها ممزقة، ووجها مليء بالجروح. كنت أحلم بأسرتين لابني وابنتي، لكن ما كنت أدري أن أعداء البلاد سيأخذونهما مني بعيداً". من جهته، يقول إبن عمها فؤاد رحيمي: "عطاء الله كان متفوقاً في الدراسة. لكن بسبب الفقر، كان قد جمع أوراقه للبحث عن عمل ومتابعة الدراسة في المساء. وفي اليوم الذي لقيا فيه حتفهما، خرجا من المنزل بعدما تناولا الخبز مع الشاي الأخضر".
ومن بين القصص الحزينة، قصة كوثر التي كانت لتكمل ربيعها الـ 14 بعد شهرين. كانت وشقيقها محمد ياسر يدرسان في المركز نفسه، ويرافقان بعضهما بعضاً ذهاباً وإياباً. لكن شاء القدر أن يغيب محمد ياسر في ذلك اليوم، لتقضي كوثر وحدها. كانت قد فقدت والدها في انفجار في إقليم وردك يوم كان عمرها أقل من سنتين.
حاجي إسماعيل لعلي فقد ابنته في الهجوم نفسه. في اليوم الثالث، وعندما كان أقارب وعائلات الضحايا مشغولين بمراسم العزاء، حضر ليعلن أنه يتبرع بمبلغ من المال يقدر بـ 500 ألف أفغانية (نحو ستة آلاف و875 دولاراً أميركياً) لعلاج جرحى الهجوم الدموي. يقول حاجي إسماعيل إن أعداء البلاد وأعداء التعليم وأعداء الجيل المقبل يمكنهم أن يقتلوا أولادنا، كما فعلوا، لكن لا يمكنهم ثنينا عن تربية جيل يعشق العلم ويكره الحرب، ويحمل بين يديه أقلاماً بدلاً من السلاح. لذلك، قررت صرف المبلغ الذي كان يفترض صرفه على مراسم عزاء تقليدي، على علاج التلاميذ الذين أصيبوا في الهجوم. وسأدفع ما أمكنني لتعليم أبناء الفقراء والمساهمة في تعليم وتثقيف الجيل المقبل كي ترتاح روح ابنتي وفلذة كبدي مدينة لعلي.
وبينما ما زالت صفحات التواصل الاجتماعي مشغولة بقصص تلاميذ مركز "موعود" الذي استهدف بعملية انتحارية، ثمة خوف بين الناس في حال استمرار استهداف المراكز التعليمية من دون أي مبرر أو ذنب. يقول ميرويس خان، أحد التلاميذ في مركز "مسلم" التعليمي: "في حال تكرر هجوم مماثل سأترك الدراسة ليس لأنني أخاف على حياتي، بل خوفاً على والدتي التي تكاد تجن كلما خرجنا إلى المدرسة". وهذا ليس موقف ميرويس وحده، بل يشاركه كثيرون الخوف.
تجدر الإشارة إلى أنّ تنظيم داعش الإرهابي أعلن مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الدامي الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى في العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس/ آب الماضي. وقالت السلطات الأفغانية إن عدد ضحايا الهجوم الذي استهدف مركز موعود التعليمي في منطقية سكنية شيعية غرب كابول، بلغ 34 قتيلاً و56 مصاباً.