تعيش عدد من الكتل البرلمانية التونسية على وقع الاتقسامات والخلافات بين أعضائها، وهو انعكاس مباشر لحالة التوتر داخل الأحزاب التي تمثلها، باستثناء كتلة حركة "النهضة"، التي تبدو أكثر تماسكا وانسجاما إذا ما قورنت بالكتل الأخرى، وخصوصاً كتلتي "نداء تونس" و"الحرّة".
وتعتبر كتلة "نداء تونس" أبرز مثال على حالة الانقسام، إذ فقدت عددا من أعضائها، فضلا عن توتر العلاقات داخلها بسبب "صراع المناصب"، إذ اتهم قرابة عشرين نائبا رئيسها، سفيان طوبال، بمحاباة الموالين له، ومن ناصروه في خلافه مع رئيس الهيئة السياسية للحزب، حافظ قائد السبسي.
هذا ولا يزال قرار تجميد خمسة عشر نائبا لعضوياتهم قائما، على الرغم من الوساطات ومحاولات إقناع طوبال بالتراجع عن هذه القرارات، كانت آخرها وساطة رئيس البرلمان، محمد الناصر.
وتعتبر الخلافات داخل كتلة "النداء" ترجمة لما يحدث داخل الحزب، وبسبب ذلك قد تفقد الكتلة عددا من نوابها، نتيجة إصرار المتصارعين على مواقفهم، وصعوبة الوصول إلى نقطة التقاء إلا عقب إنجاز اتفاق بين رئيس الهيئة السياسية وخصمه الأول رضا بالحاج، الذي يناصره طوبال.
وبعدما بلغت "حرب المواقع" بين الطرفين أشدّها داخل الحزب، وما يرافق ذلك من استقطاب لقيادات ونواب، فإن الكتلة صارت مهددة بالانقسام، بعدما صُدّرت كثير من أزمات الحزب إليها، أدت في البدء إلى انشقاق ثلاثين نائبا عنها، وتأسيس أغلبهم، برفقة الأمين العام السابق لـ"النداء"، محسن مرزوق، لحزب "حركة مشروع تونس" والكتلة "الحرة".
وبالإضافة إلى "النداء"، توجد "الكتلة الحرة"، التابعة لـ"مشروع تونس"، في وضعية صعبة، إذ لم تعد تتمتع بالتماسك الذي انطلقت به، وهو أمر كان متوقعا، بعدما تفجرت داخلها، أيضا، صرعات المناصب.
في المقابل، كشفت تقارير لمنظمات تتابع العمل البرلماني أن كتلة "النهضة" تبقى الأكثر انضباطا، وأنه لا تفصلها سوى أيام عن عقد مؤتمرها، إلا أن المشهد داخلها يوحي بتماسك تام في صفوفها، وانسجام مع الإطار العام الحزبي.
وفي الوقت الذي تمثل "الجلسة العامة" أو الأيام البرلمانية محطة صعبة لبعض الكتل، فإن كتلة "النهضة" تعتبر الحدث "عاديا" وتنشغل خلاله بإعادة ترتيب أمورها، في إطار تطبيق النظام الداخلي وقواعد الديمقراطية.
وفي السياق، ذكرت النائبة وعضو المكتب التنفيذي لحركة "النهضة"، محرزية العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن كل نائب في كتلة الحزب تقلّد مسؤولية في البرلمان يقدم تقريرا حول عمله، بالإضافة إلى تقرير مالي وأدبي يقدمهما مكتب الكتلة خلال الجلسة العامة، ويطلع عليه النواب.
وشددت العبيدي على أن النواب داخل المجموعة البرلمانية لـ"النهضة" على اقتناع بمبدأ التداول على القيادة، غير أن نجاح رئيسها الحالي، نور الدين البحيري، في تسييرها جعل الأغلبية تتجه نحو تجديد الثقة فيه.
وأشارت إلى أن النظام الداخلي للحزب يقتضي أن يتم انتخاب أكثر من اسم، ويختار المكتب التنفيذي بين الشخصيات الثلاث الحاصلة على أعلى نسبة أصوات، وفسّرت ذلك بأن الكتلة جزء من الحزب.
وإن كانت التوقعات ذهبت في اتجاه أن تقدم ترشيحات منافسة للبحيري من التيار الذي تمخض عن مؤتمر حركة "النهضة" الماضي، والذي دعا للتداول على قيادة الحركة والحد من صلاحيات رئاستها، فإن المسألة، على ما يبدو، حسمت داخل الحزب، لا سيما إثر تحديد أعضاء المكتب التنفيذي، ومحاولة امتصاص الغضب عن طريق ضم أسماء من المعارضين لرئيسها، راشد الغنوشي.
ونفى القيادي في الحركة، النائب عبد اللطيف المكي، لـ"العربي الجديد"، أن تكون الخلافات التي برزت خلال المؤتمر قد صُدّرت إلى الكتلة، معتبرا أن رئاستها ليست موضوع نقاش معمق داخلها، لأنها تابعة للحزب ورئيس الحركة هو من سيختار في النهاية رئيس المجموعة البرلمانية. كما أن رئاستها ليست ذات صلاحيات واسعة، فجل القرارات تؤخذ بعد النقاش بين كامل أعضائها، وحتى مواقفها من مشاريع القوانين تتم صياغتها بعد اجتماعات تجمعها بقيادات الحركة ورئاستها.