أحرار ولكن؟

26 اغسطس 2017
+ الخط -
يبحثون عن الحرية بشتى الطرق، يصرخون في وجه العالم من دون خوف أو تردّد نحن أحرار.
نعم أنتم أحرار، ولا تقبلون أن يستعبدكم أحد أو يضعكم تحت وصايته، لكنكم للأسف عبيد لأفكاركم، وهذا إيجابي أيضًا إذ ما دامت هذه الأفكار تستحق التقديس لقيمتها العقلية، لكن المخزي جدًا هي أفكاركم السلبية التي ارتضت لكم العبودية، ليست المشكلة في من لا يعرف ذلك، ولا يعي منهج التبعية سوى أنه اعتنقه منذ الولادة، إنها في من يعرف ذلك، وظلّ رهينًا لأفكاره مدى الحياة.
ويرفض الخروج من تلك القوقعة بدافع القناعة، ولكن لا قناعة في العلم، لا قناعة في صقل العقل وبنائه وتطويره، ولا قناعة في البحث عن الحقيقة، وتبقى والحقيقة الناصعة أنهم وللأسف يعانون من الخوف من التغيير.
ذكّرتني حالتهم هذه بقصةٍ قصيرة في إحدى البلدان، حين كان هناك شخص هوايته صيد الحيوانات، وذات يوم سافر للصيد إلى غابات أفريقيا، وهناك وجد صيادين كانوا قد صادوا فيًلا إفريقيًا صغيرًا ويريدون بيعه، فاشتراه منهم، بينما هم كانوا مستغربين منه، فكيف سيرّوض فيلًا افريقيًا غير أليف؟ إذ بمجرّد أن يكبر قليلًا سيتمرّد عليه، ويخرج عن الطوق، ولكن الرجل اشترى الفيل الصغير وهو مقتنع بذلك.
أخذ الفيل ورجع به إلى حديقة البيت، وربطه بحبلٍ متين إلى كرة حديدية ثقيلة الوزن، مرّت الأيام والفيل كلما أراد أن يخرج من المساحة التي حدّدها له الصياد، لا يستطع ذلك، لأنّه لا يزال صغيرًا وضعيفًا، ولا يمتلك القوة اللازمة لسحب الكرة الحديدية الثقيلة بعده.
حاول الفيل الصغير مرّات عديدة أن يسحب الكرة خلفه، ويخرج عن المساحة التي تتناسب مع طول الحبل المربوط بعنقه، والتي أراد الصياد أن يجعله لا يخرج عنها إلى أنحاء الحديقة، فظلّ يحاول كثيرًا حتى أصيب بالملل والقناعة فتوقف، وبعد مرور فترة، قام الصياد باستبدال الكرة الحديدية بكرةٍ خشبية.
كَبُرَ الفيل وصار حجمه ضخمًا، حتى صار باستطاعته أن يسحب الكرة الحديدية، بل أن يسحق جدار الحديقة، لكنه لم يفعل شئا، وظلّ في مكانه مقتنعًا بأنّه لن يستطيع الخروج من الدائرة التي اعتاد عليها واقعا فُرض عليه فارتضى به، وظلّ في تلك المساحة الصغيرة، على الرغم من أنّ الكرة خشبية وخفيفة الوزن، لأنه قد آمن أن لا مجال للتغيير، ولا أمل في المحاولة.
بعض البشر هم كذلك، يملكون القوة، لكنهم لا يملكون القدرة على استخدامها، يملكون الضخامة، لكنهم لا يجرؤن على اجتياز عقبة واحدة، بأيديهم المفاتيح، لكنهم يخافون الأبواب الموصدة، يهتفون بأعلى أصواتهم، لكنهم لا يسمعون أنفسهم، ليعرفوا ما يهتفوا به، وليفرّقوا بين الخطأ والصواب.
لا يجهدون أنفسهم بالتفكير والتحليل والمقارنة، ليصلوا إلى الرأي الصائب، بل اعتمدوا على غيرهم، حتى في طريقة التفكير، فلا يمكن أن يكوّن أحدهم رأيًا خاصًا به تجاه طرف معين، بل ينتظر حتى يتمخض حزبه أو جماعته لرأيٍ ما، ليتبناه فقط ويسعى كذلك إلى تبريره، فيظلّ حاملًا لهذا الرأي تجاه ذاك الموقف أو القضية، حتى تشكل له قيادته رأيًا آخر، ليتبناه، ويبقى في تلك الدائرة الضيقة مدى الحياة.
عجبًا لمن يصدق أعين الآخرين، ويكذّب عينيه، وتبًا لمن يكذّب أُذنيه، ويعتمد على آذان الآخرين.
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
مطهر الخضمي (اليمن)
مطهر الخضمي (اليمن)