خالد الخاني أحد ضحايا مجازر حماة 1982 يروي لـ"العربي الجديد" شهادته

21 أكتوبر 2017
رفعت الأسد هو المتهم الأول في المجزرة (تويتر)
+ الخط -
في متابعة للقضية التي رفعت في المحاكم السويسرية ضد رفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري الحالي بشار الأسد، والقائد السابق لسرايا الدفاع، المتهم الأول بتنفيذ مجازر حماة وسجن تدمر، يحاور "العربي الجديد" الفنان التشكيلي خالد الخاني، أحد شهود وضحايا مجزرة حماة.

وكان الخاني قد قدم شهادته حول مجازر حماة التي عاشها صغيراً وفقد خلالها والده وعدداً من المقربين إليه. وهو ممن يقفون وراء القضية المرفوعة في المحاكم السويسرية.

أخبرنا عن حياتك اليوم؟ كم عمرك، أين تسكن، ما طبيعة عملك؟

عمري 42 عاماً، فنان تشكيلي، وأعمل على رسم اللوحات. أقيم حالياً في فرنسا ولكن لوحاتي الفنية تعرض في العديد من المعارض حول العالم.

 
أخبرنا عن والدك، من كان؟ اسمه، عمره، عمله، معتقداته الدينية، وطبيعة شخصيته؟ وكيف تتذكر الحياة في حماة تحت الحصار؟

والدي حكمت الخاني، وكان طبيباً أخصائي عيون ورئيس نقابة أطباء حماة. ولد عام 1934 لواحدة من العائلات المعروفة في المدينة وذات التأثير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كان رجلاً رائعاً، ذا شخصية فريدة وحساسيته عالية لقضايا حقوق الإنسان. كان أحد المثقفين المؤثرين في المدينة، وأحد الراغبين والعاملين على إحداث التغيير في مجتمعنا. في ذلك الوقت، كان النظام والإخوان المسلمون في حالة صراع، وكان والدي من بين الراغبين في نهاية هذا النزاع.

ما هي ذكرياتك عن مجازر حماة؟ حدثنا عن تجربتك مع الحصار الذي دام 27 يوماً؟

كنت طفلاً لا أتجاوز السابعة من العمر حينها، ولكني أذكر تماماً المأساة والرعب الذي عشته في حماة في شهر فبراير/ شباط 1982.

 كانت عائلتي تسكن في حي البارودية قرب نهر العاصي. عندما بدأ إطلاق النار، استضفنا بعض جيراننا الذين دمرت منازلهم، وقام والدي بمعالجة عدد من النساء الجرحى. فجأة سمعنا انفجاراً ضخماً، حيث أصيب الطابق الأول من منزلنا بقذيفة، واضطررنا للفرار. لجأنا لقبو لعدة أيام أولاً، قبل أن نضطر للتحرك من جديد مع اشتداد القصف.

عمت الفوضى في الخارج. حاول القناصون إصابتنا عندما حاولنا عبور الطريق للهرب. اضطر والدي للبقاء خلفنا ليساعد بعض أقاربنا، بينما تمكنت أمي والأطفال وجميع من هرب من حي البارودية الاختباء في قبو بحي الأميرية. أتذكر المكان مزدحماً بالنساء والأطفال وكبار السن. أتى بعض الجنود وهددونا قبل أن يحتجزونا في مكاننا لمدة أسبوع. انتابنا الخوف والجوع والبرد. وبعد أسبوع طلب منا الجنود الاتجاه إلى الشطر الشمالي من المدينة. شهدنا في طريقنا الدمار الشامل الذي حل بالمدينة: رأيت الحي الذي ولدت فيه، مدرستي، ومسجد عمر بن الخطاب قد دمرت جميعاً.

سادت مشاعر الخوف في قلوب الجميع. رأيت العديد من الجثث والدماء. سمعت نساء يغتصبن ويصرخن عندما كنا في قبو حي الأميرية، وأصوات القذائف والنيران. لا يمكن نسيان هذه الأشياء.

 ما هي الظروف التي أدت إلى مقتل والدك؟ كيف جرى إعدامه ومن قام بذلك؟ وهل فقدت أشخاصاً مقربين آخرين خلال الحصار؟

قتل والدي، وغيره من المقربين إلي، بوحشية على يد جنود رفعت الأسد. اعتقل في حي الأميرية قبل أن ينقل مع آخرين إلى مصنع البورسلان الذي استخدمه النظام كمركز اعتقال. احتجز جنود النظام 5 آلاف شخص هناك. كان العديد منهم من أقربائنا ومعارفنا. وكان الناس يموتون هناك من الجوع وسوء المعاملة. لم أشهد وفاة والدي ولكن عدداً من الأشخاص ممن نجوا من معمل البورسلان نقلوا لي كيفية مقتله.

وجد عدد من أقربائنا جثته ملقية أمام مشفى مدينة حماة، وهويته الشخصية معلقة على صدره. وكان قد فقد عينيه. بما أنه كان طبيب عيون، اقتلعوا إحدى عينيه عندما كان حياً وتركوه يعاني من الألم على الأرض. روى لي أحد الشهود أنه رآه ملقيا على الأرض، ملتفاً على نفسه، والجنود يركلونه. كأنهم كانوا يلعبون به. ولا نعلم متى اقتلع هؤلاء المجرمون عينه الأخرى.

ماذا فعلت وعائلتك بعد الحصار؟ هل هربتم؟ ماذا جرى للرجال الذين قتلوا والدك؟ هل حاولت الوصول إليهم لاحقاً؟ هل تم اعتقالهم أو محاكمتهم؟

فقدت في فبراير/ شباط 1982 العديد من أقربائي وأصدقائي إلى جانب أبي. كما لا يزال مصير آخرين مجهولاً، لم نسمع عنهم أي شيء منذ ذلك الحين.

لم يتوقف الرعب الذي تسبب به النظام على أهالي حماة مع انتهاء المجزرة. أبقوا المدينة تحت غطاء حديدي معزولة عن العالم لفترة طويلة بعدها، وجرت في تلك الفترة العديد من الاعتقالات وموجات من العنف. لهذا لم يكن الفرار متاحاً حينها. ولكن الناس ظلوا نشطين واستخدموا طرقاً مبتكرة لتوثيق المجازر، مسجلين أسماء المتورطين فيها من "الجنود الصغار" وصولاً إلى الرتب العليا. يمكن الوصول إلى هذه القوائم والأبحاث بسهولة على الإنترنت، ولكن في الثمانينيات، جمعت هذه المعلومات بسرية للخطورة التي قد تحل بحاملها.

والأمر الصادم في هذا الموضوع أنه وعلى الرغم من حجم المجازر الهائل في حماة وأننا جميعاً نعرف المسؤول عنها، لم تتم ملاحقة واتهام أي شخص قضائياً حتى الآن.

ماذا كان تأثير الحصار وفقدانك لوالدك على حياتك؟ كيف تعاملت مع الوضع؟ هل لا يزال يؤثر عليك حتى الآن؟ هل تفكر بما جرى يومياً؟

هناك العديد من النواحي السلبية والمؤلمة. عانيت مثل جميع ضحايا أهوال الحروب، وشعرت بالأسى الشديد لفقداني أحبائي والفظاعات التي شهدتها. ستكون هذه الأشباح دائماً جزءاً من حياتي. ولكن هذه التجربة صاغت شخصيتي الحالية ودفعتني للنضوج وتطوير حس من المسؤولية منذ صغري. اخترت الاعتراف بما جرى ويجري معي، وبفقدان والدي. فقدانه خلف فجوة هائلة ولكني أحاول أن أعيش حياة يفتخر بها، ووفقاً لقيمه.

يلعب الفن أيضاً دوراً أساسياً. عندما أفتقد الكلمات لوصف ما جرى في حماة، يساعدني الرسم في التعبير عن مشاعري. الألوان تستبدل الكلمات بصمت، واللوحات تصبح فقاعات من المكان والزمان.

ما هو دور رفعت الأسد في هذا الحصار؟ هل كان ذاته من وجه الأوامر المباشرة؟ هل رأيته بنفسك؟ هل تمتلك الأدلة على تورطه المباشر؟

رفعت الأسد كان قائد سرايا الدفاع، وهي وحدات النخبة لحزب البعث. وفقاً للعديد من المصادر، تلك السرايا هي التي نفذت المجازر في حماة. يمكن للسوريين تمييزهم بسهولة حينها. رأيتهم بنفسي خلال المجزرة.


وهل تعتقد أن ما تم في حماة بذلك التاريخ أخطاء فردية قام بها بعض الجنود؟

إن الذي حصل هو عبارة عن استراتيجية كبرى. تم قتل الناس الأبرياء من خلالها ومن غير المعقول أن يتم هذا الأمر من دون علم قائدهم.


ما أهمية محاسبة رفعت الأسد بالنسبة لك؟ ماذا يحمل ذلك من معان لك؟

بالطبع أرغب برؤية العدالة تتحقق ضد من تسبب بفقداني لأحبائي، ولكن أيضاً لوطني. محاسبة رفعت الأسد للجرائم التي ارتكبتها قواته سيعني الكثير. ستساهم أولاً في وضع حد للعنف والحصانة التي تسود في سورية وتتمتع بها عائلة الأسد منذ أمد بعيد، منذ الثمانينيات وحتى الآن. ما يصدمني حقاً أنه ورغم جدية الاتهامات، لم تتم محاسبة أحد بالجرائم التي ارتكبت في حماة عام 1982، وأن المسؤولين عنها لا يزالون يتمتعون بحياة رغيدة ويسافرون بحرية في أوروبا.

آمل ألا يتحمل الشعبان السويسري والفرنسي، نظراً لثقافة الحقوق والعدالة ذات التاريخ الطويل في هذين البلدين، وجود مجرم حرب في دولهم.


لماذا قررت الخروج إلى العلن بهذه القضية؟

بدعم من محامي الخاص، داميان شيرفا، تقدمت بدعوى جنائية ضد رفعت الأسد في عام 2013 أمام سلطات الادعاء السويسرية. لم يسر الأمر بطريقة مرضية وجرى إلغاء جلسات السماع الأخيرة. ولذلك قرر محامي التقدم باستئناف ضد إعاقة العدالة وجعل الأمر علنياً.

كيف تعاملت مع التحدث علناً وبالتفاصيل عن تجربتك الخاصة؟

العودة إلى الجروح القديمة طبعاً صعبة وشاقة، ولكني أعتقد أن النضال من أجل العدالة خطوة ضرورية.

 
كيف تصف الطريقة التي تم تعامل بها مع القضية في سويسرا؟ هل تأخذ وقتاً أطول من اللازم؟ هل تعتقد أن السلطات السويسرية تتعامل بجبن مع الموضوع وتطيل الادعاء عمداً؟

منذ أن تقدم محامي بالدعوى الجنائية نيابة عني، لم تتقدم الدعوى بشكل يمكن الرضى عنه، وفعلاً تأخذ وقتاً طويلاً. جلسات الاستماع الأخيرة ألغيت. ولذلك قرر المحامي التقدم باستئناف ضد إعاقة العدالة. لا أدري لماذا تأخذ كل هذا الوقت، ولكني أود أن أرى الأمر يتقدم وأقف كلياً بجانب محامي.

 إذا تمت محاسبة القيادات المسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب ومعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها في البوسنة ورواندا، فأتمنى أن يتم الأمر ذاته فيما يتعلق بحماة. حان الوقت لأن تتحمل سلطات الادعاء السويسرية مسؤولياتها.

ماذا تعني محاسبة الأسد لك؟ وماذا يعني نقيض ذلك؟ هل أنت واثق من محاسبته؟ وما هي العقوبة العادلة برأيك؟

أتمنى أن يتم توجيه الاتهام لأحد المسؤولين عن مجازر حماة وأن تتم محاكمة رفعت الأسد، ولكن الحكم يعود للقضاة. أنا فنان وضحية، ولست قاضياً.