وفي العاشر من يونيو/تموز الماضي، نشرت جريدة مصرية خاصة، خبراً على لسان مصادر حكومية رفيعة المستوى، قالت فيه "إن رئاسة الجمهورية كلّفت وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون البداية جزيرة الوراق بالجيزة، بحيث تصبح مركزاً كبيراً للمال والأعمال، ضمن مخطط تطوير كورنيش النيل والجزر النيلية".
وقالت مصادر رسمية إن "هيئة التخطيط العمراني بصدد إعداد تصور لمخطط كامل للجزيرة لعرضه على رئاسة الجمهورية قريباً، متوقعة تقنين أوضاع المقيمين على الجزيرة بشكل قانوني يحفظ للدولة حقها، وبناء بعض التجمعات السكنية للمواطنين وتوصيل المرافق الأساسية من صرف صحي ومياه بالشكل الملائم".
وأمس الأول، قُتل شخص وأصيب العشرات من بينهم رجال شرطة في اشتباكات بين قوات الأمن المصرية وأهالي جزيرة الوراق النيلية بمحافظة الجيزة، بعدما وقعت اشتباكات بين الطرفين، في أعقاب شروع قوات الشرطة في ما تذرعت به من تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة لعدد من المنازل المخالفة بالجزيرة.
استمرت الاشتباكات ساعات عدة انتهت بانسحاب قوات الأمن من الجزيرة، وحصار الأهالي بالداخل، قبل أن تفك السلطات الحصار عنهم صباح أمس. وكانت العبّارات التي تربط جزيرة الوراق بالبرّ الرئيسي توقفت عن العمل، حسبما قال شاهد من أهالي الجزيرة، مؤكداً أن قوات الأمن أوقفت عمل ست عبارات تابعة للمحافظة يستأجرها مواطنون، وأن الشرطة النهرية متمركزة بالقرب من الجزيرة، ومنعت تحرك حتى القوارب الخاصة لنقل أهالي الجزيرة إلى مصالحهم في البرّ الرئيسي.
ويعتبر رئيس الحزب المصري، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، أن أهمية ما حدث هي في استعادة الشارع لروح المبادرة بدون انتظار أية قوى سياسية تتبنى مطالبه، أو تشجعه على المطالبة بحقوقه، والدفاع عن أي خطر يواجهه حتى لو كان ذلك بالتصدي لقوى عسكرية مسلحة.
وفي مكاشفة أكثر وضوحاً، يقول باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إن ما حدث في الوراق يشير، ضمن إشارات أخرى كثيرة، إلى مؤشرين مهمين، أولهما: أن الشارع قادر بحيويته على تجاوز النخبة القابعة داخل مقار الأحزاب. والمؤشر الثاني، هو أن انفجار الأوضاع في مصر، سيأتي لأسباب أخرى، ربما تكون مختلفة عن جميع توقعات القوى السياسية المختلفة.
ويضيف الباحث نفسه أن "التظاهرات التي خرجت في جزيرة الوراق، يوم الأحد، أثبتت أن الشارع المصري لا يزال لديه القدرة على إحداث فارق، فخروج الناس بكثافة للدفاع عن أراضيهم ومساكنهم أجبر قوات الأمن على التراجع والانسحاب من الجزيرة وهو الأمر الذي لم يدع مجالًا للشك في أن إرادة الشارع انتصرت على إرادة الحكومة". ويلفت إلى أن "النظام في مصر راهن على أن الناس لن تقاوم كثيراً، وفي ذهنه الإجراءات السابقة التي اتخذها ولم تعترض عليها الجماهير واستسلمت أمامها ومنها "التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير" للسعودية، ورفع أسعار الوقود والكهرباء وغيرها من إجراءات. لكن، وبحسب الباحث نفسه، فإن رهانه خاب هذه المرة أمام الخروج الكبير للجماهير، والذي زاد من زخمه سقوط قتيل ومصابين في تلك الأحداث. وقد أجبرت التطورات قوات الأمن المصرية على الانسحاب مع تصاعد حدة الاشتباكات مع الأهالي خشية تطور الصدامات وتحولها إلى حالة غضب شعبي.
وبينما أثبت أهالي الوراق قدرتهم على فرض إراداتهم على الدولة، رأى الباحث، وفقاً لكلامه، أن اندلاع التظاهرات، يمكن اعتباره انتفاضة أولى وشرارة قد يتبعها احتجاجات أخرى هنا وهناك قد تكون خطوة أولى في طريق التغيير، فنجاح تجربة الوراق من شأنه أن يوسع رقعة الغضب ويعطي الأمل لفئات أخرى من أصحاب المظالم على مستوى مصر في أن يحصلوا على حقوقهم، ويفتح الباب من جديد أمام حركة شعبية بطول البلاد وعرضها من أجل رفض الأمر الواقع وإحداث التغيير، وذلك بعد سنوات من السكون الذي غلف الشارع المصري منذ الانقلاب الذي حدث في 2013، باستثناء بعض التظاهرات التي كان يقوم بها بعض المنتمين للتيار الإسلامي دفاعاً عن الشرعية.
من جهته، قال رئيس منظمة الحق لحقوق الإنسان، نبيل أبو الياسين، إن انعدام الرؤية عند الحكومة سبب تدهور حال البلاد، وأحداث جزيرة الوراق تعكس طريقة تفكيرها، متسائلاً: "أين الدراسة الأمنية ولماذا يتم تصدير الشرطة لمواجهة الأهالي، رغم أنها ليست طرفاً في أي نزاع سياسي أو غير سياسي، مع تكريس الكره بين الأهالي والشرطة بدلًا من السلم الاجتماعي".
وأكد المحامي الحقوقي، خالد علي، أن "أهالي الجزيرة أصحاب ملكيات خاصة على الأرض ولم يعتدوا على أراضي الدولة كما تزعم الحكومة".
وشرح حزب العيش والحرية -تحت التأسيس- تاريخ الجزيرة ومحاولات السلطة للاستحواذ عليها شأنها شأن جزيرتي القرصاية والدهب، وهي جزر ثلاث معزولة عن المحافظات جغرافياً ويعيش أغلب سكانها على الزراعة أو الصيد. وكانت الأحداث قد تطورت عام 2002 عندما ظهرت مجموعة من رجال الأعمال، تابعة لنجل الرئيس المخلوع جمال مبارك، وحاولوا الاستيلاء على أراضي الجزر الثلاث لإقامة منتجعات سياحية عليها، بحسب الحزب. ولفت الحزب إلى ظهور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مقابلة تلفزيونية قال فيها "إن الحكومة هتشيل (تزيل) التعديات على مياه النيل واللي هو من الآخر معناه إن الحكومة هترجع تضرب الناس تاني ويحاولوا يطردوهم من أرضهم تاني".
وقدم الحزب رقماً مغايراً لعدد الأفدنة في الجزيرة الذي تحدث عنه المحامي خالد علي، مشيراً إلى أن "مساحة الجزيرة حوالي 1600 فدان، منها 60 فداناً فقط ملك الدولة، وتمتلك وزارة الأوقاف 30 فداناً منها كانت منحتها للفلاحين كحق انتفاع وتبقى 30 فداناً فقط ملك الدولة وباقي الـ1600 ملك الناس".
وعن خطط سكان الجزيرة لـ"مقاومة" تهجيرهم، قال الحزب إن سكان الجزيرة عددهم أكثر من 300 ألف شخص قرروا الحفاظ على أرضهم "ولو وقع منهم ألف شهيد". يشار إلى أن المادة رقم (63) من الدستور المصري، تحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم. كما تنص المادة رقم (78) من الدستور على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. مع ذلك، لم يسلم الأهالي من اتهامات "الأخونة" في قلب الرصاص والحصار، فخرج عضو مجلس النواب المصري، أحمد يوسف، النائب عن منطقة الوراق، ليصرح بأن "هناك مجموعة من الإخوان تدخلت في القضية وحرّضت مواطني جزيرة الوراق على الأمن".