تستفيد المصارف ذات المساهمة الليبية في تونس من أزمة السيولة وتوتر الأوضاع الأمنية في طرابلس، بعد زيادة عدد الشركات التي تصرف رواتب موظفيها عبر هذه المصارف، تجنبا لشح العملات المتوفرة في القطاع المصرفي الليبي.
وبعد فترة ركود عرفتها المصارف التونسية الليبية ذات رأس المال المشترك (عددها 5) في السنوات الماضية، عادت لتسجل فترة انتعاشه، بفضل زيادة في عملائها الليبيين الذين يتقاضون أجورهم في تونس.
وتمثل العمولات المصرفية الموظفة على الخدمات المالية التي تقدمها لعملائها الليبيين مصدر ربح لهذه المصارف المشتركة، في ظل تراجع المعاملات الاقتصادية للبلدين والذي تسبب في هبوط حجم التجارة بينهما من 3 مليارات دولار عام 2011 إلى نحو 800 مليون دولار عام 2018، حسب بيانات رسمية.
وكانت ليبيا قبل عام 2011 ثاني شريك اقتصادي لتونس، حيث يلعب الجهاز المصرفي ذو رأس المال المشترك التونسي الليبي دورا مهما في تمويل المبادلات التجارية والاستثمارات، فضلا عن القروض التي يوفرها لرجال الأعمال.
وتسببت التوترات الأمنية والصعوبات الاقتصادية التي عرفها البلدان، في السنوات الثماني الأخيرة، في تراجع عملاء وأرباح المصارف التونسية الليبية، ما دفعها إلى البحث عن بدائل وخدمات جديدة لترميم خسائرها.
وتعاني ليبيا، منذ سنوات، أزمة سيولة نقدية ألقت بظلال وخيمة على الأوضاع المعيشية للمواطنين، فاقمتها حرب العاصمة طرابلس بين قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إذ سجلت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً بنسب وصلت إلى 30 في المائة.
وتفيد تصريحات لمسؤولين من داخل هذه المصارف، لـ"العربي الجديد"، بغياب أرقام ثابتة عن حجم التحويلات التي تتلقاها هذه المصارف بعنوان رواتب الموظفين الليبيين، مؤكدين تغير مبالغ هذه التحويلات حسب الاتفاقات المبرمة مع العملاء، وهي قابلة للإلغاء في أي وقت ومرتبطة بتحسن الوضع الأمني وتوفر السيولة في ليبيا، وفق تأكيدهم.
وقال مصدر مسؤول في مصرف بمساهمة ليبية في تونس إن أغلب عملائهم الجدد الذين يفضلون صرف رواتب أجرائهم عبر المصارف التونسية من الشركات البترولية أو شركات أجنبية لها استثمارات في ليبيا.
وأضاف المسؤول المصرفي، الذي رفض ذكر اسمه، أن الموظفين ينتقلون شهريا إلى تونس للحصول على رواتبهم، وأنهم مخيرون بين الحصول عليها بالعملة التونسية أو بالدولار أو اليورو، مؤكدا أن البعض منهم يقوم بالسحب مرة كل ثلاثة أشهر، ما يوفر للبنوك مخزونات مالية جيدة.
وفي سياق متصل، قال ذات المسؤول لـ"العربي الجديد" إن المصارف المشتركة باتت تتنافس على جلب أكبر قدر ممكن من موظفي الشركات الليبية إلى تونس لتحقيق الاستفادة من هذه الخدمات، مشيرا إلى أن هناك نية لتوسعة هذا النوع من الخدمات وتحسينه، فضلا عن توفير تسهيلات للموظفين عبر خدمة الوكيل.
وأكد أن المصارف تسمح بمقتضى عقد وكالة يمنحه الموظفون لأحد زملائهم بحصوله على الرواتب، لتجنيبهم عناء التنقل الشهري إلى تونس وما ترافقه هذه التنقلات من نفقات إضافية تفرض على الموظفين الليبيين.
ومقابل المرونة التي تبديها المصارف في صرف رواتب الموظفين الليبيين في تونس، شكا متعاملون ليبيون من التضييق على القروض والاعتمادات المستندية التي يتم فتحها لتمويل العمليات التجارية.
وقال جيلاني العكروتي، إن المصارف ذات رأس المال المشترك باتت تفرض قيودا كبيرة على تحويلات الأموال، وزادت من مهام التدقيق على مصادر الأموال المحولة بين البلدين، تجنباً لمخاطر التبييض (غسل الأموال).
وأشار العكروتي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن التدقيق المشدد يعيق بعض التعاملات الاقتصادية، ويحد من رغبة المستثمرين في توسعة نشاطاتهم.
وتعد ليبيا الشريك الخامس لتونس بعد فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، والشريك الأول على مستوى دول المغرب العربي. وكانت تونس تعلّق آمالا كبيرة على ليبيا كمتنفس اقتصادي منذ عشرات السنوات، حيث كانت طرابلس تستورد 5 بالمائة من المنتجات التونسية.
وحسب بيانات للغرفة التجارية التونسية الليبية، يبلغ عدد المؤسسات الاقتصادية التونسية التي تتعامل مع السوق الليبية حوالي 1300 شركة.
وقال رئيس الغرفة التونسية الليبية علي الذوادي، لـ"العربي الجديد"، إن تدهور الوضع الأمني في ليبيا، أثر بشكل كبير على مئات الشركات التونسية.
وذكر رئيس الغرفة أن إغلاق الموانئ والمطارات وتدمير معظمها، قلّص بشكل كبير التجارة والمبادلات الرسمية بين البلدين لصالح التهريب الذي بقي يشكل الخط الناشط من الجهتين.