أتزيدين الضحية جلداً... وتطلقين سراح الجناة؟!
تعلق صديقتي بتهكم ومرارة على رأيي بضرورة وجود دليل على ما يقام من دعاوى تحرش واعتداء جنسي، وبأن القول بغير ذلك يعد طعناً للعدالة في مقتل وفتحاً لباب شيطاني من التجني على سمعة الأفراد وهدم حياتهم، ما سيسمح بالهجوم المضاد على النساء وعلى كافة مكتسباتهن.. فتقول:
ما تقولين به هو عين الطعن في قيمة العدل. أنت تنظرين لجريمة التحرش الجنسي أو الاغتصاب وكأنها كبقية الجرائم من سرقة وضرب وقتل، وتتصورين أن كل ضحية لهذا الانتهاك البشع تمتلك دليل مونيكا لوينسكي النادر ضد بيل كلينتون! فيما فاتك أن لهذه الجريمة خصوصية عالية من حيث سلطة مرتكبها وهشاشة ضحيتها وملابسات وقوعها.
هذه يا عزيزتي جريمة تنتهك السمع والبصر والجسد بشكل يستحيل غالباً إثباته. مرتكبها يستغل سلطته أو مركزه الوظيفي على الضحية ويهددها بالخضوع لابتزازه، أو بالرفت والغبن والاضطهاد وضياع المستقبل العلمي أو الوظيفي.
إن خضعت مرغمة فنال مراده، فهي مجرمة آثمة حتى وإن أفاقت لاحقاً وطالبت بالقصاص. وإن لم تخضع وتضررت مهنياً ونفسياً أشد الضرر، ثم حاولت الخروج لفضح ممارسات هذا الوغد وضغوطه، تجد أمثالكِ ممن يدعين الإنصاف يطالبونها بأن تقدم دليلاً مادياً مقنعاً، أو فلتخرس وتبتلع الظلم والدمار النفسي والجسدي للأبد!
بربك أي دليل تظنين المسكينة تملكه؟ تسجيل صوتي؟ تسجيل كاميرات؟ شهود عيان مثلاً؟.. هل تجدين أن هذه طلبات منطقية؟.. هل تعرفين كيف تبدو معظم أماكن العمل في عالمنا البائس؟ هل تتصورين أن الذئب سيفعل فعلته أمام كاميرات المراقبة أو أمام شهود؟ أو أنه سيسمح لها بتشغيل خاصية تسجيل الأوديو مثلاً؟! أهذه هي العدالة التي تتحيزين لها؟ أن نقصف ألسنة الضعيفات المظلومات بأن نتهمهن بالقذف والافتئات لأنهن استخدمن السلاح الوحيد المتاح لهن لمقاومة المنتهك الآثم الطليق، وهو سلاح التجريس والتخويف بهدم سمعته؟!
والحقيقة أن كلامها ألجمني فعلاً، وأخذت أفكر في صور أخرى للتعدي الجنسي الذي تتعرض له الريفيات مثلاً، أو المسافرات على الطرق، أو الصغيرات في محيط الأسرة والجيران والمدارس والجامعات.. وشعرت بثقل في صدري من كثرة ما نسمعه من شرور في هذه الدنيا. كلها بالفعل انتهاكات جسيمة تخلّف تشوهات نفسية تدوم للأبد، ولا تملك الضحية غالباً دليلاً إلا كلمتها التي يبطلها إنكار المتهم.. كلمتها أمام كلمته.. فما الحل؟!
دعونا نرتّب الأولويات. الأولوية هنا في رأيي هي المواجهة الفعالة ضد تفشي هذه الجريمة الحقيرة وسهولة ارتكابها، وتمكين النساء من حماية أنفسهن ضد وقوعها عليهن. الوقاية أولاً إذن. يأتي بعدها التعامل مع الجريمة حال وقوعها، ووضع أسس منصفة للقصاص بحيث نقتص للضحية من المنتهك ونعاقبه، ولا نزيد عدد الضحايا بفتح باب التجني والانتقام والابتزاز بلا بيّنة.
والأصلح في نظري هو أن تتكتل الجهود الكبرى للتوعية ولتعريف الجريمة تعريفاً قانونياً جامعاً مانعاً، ولسن القوانين ولوائح العمل الصارمة. الفتيات والنساء في غالبية المجتمعات يقعن تحت نير الجهل أو الاستغلال أو المفاهيم الظالمة، فيخضعن لها مستسلمات لأقدارهن، وحال وقوع الانتهاك يكن جاهلات بكونه جريمة أصلاً، أو يُحمِّلن أنفسهن جزءاً من المسؤولية، أو يتوجسن من الحكم الاجتماعي المجحف عليهن، فيصمتن لفترة طويلة فتضيع فرصة التحقق من الجريمة وإثبات الحقوق.
ظني أن حملات التوعية ضد التحرش الجنسي منذ الصغر تؤتي ثماراً جيدة جداً. وما زلت أتذكر ندوات التوعية تلك في مدارس الخارج حيث يوجهون الصغار إلى قدسية الجسد وعدم السماح لكائن من كان بالاقتراب منه، ويوصونهم بالرباعية الشهيرة حال وقوع أي محاولة اعتداء: (yell, fight, run and tell right away)
ما تقولين به هو عين الطعن في قيمة العدل. أنت تنظرين لجريمة التحرش الجنسي أو الاغتصاب وكأنها كبقية الجرائم من سرقة وضرب وقتل، وتتصورين أن كل ضحية لهذا الانتهاك البشع تمتلك دليل مونيكا لوينسكي النادر ضد بيل كلينتون! فيما فاتك أن لهذه الجريمة خصوصية عالية من حيث سلطة مرتكبها وهشاشة ضحيتها وملابسات وقوعها.
هذه يا عزيزتي جريمة تنتهك السمع والبصر والجسد بشكل يستحيل غالباً إثباته. مرتكبها يستغل سلطته أو مركزه الوظيفي على الضحية ويهددها بالخضوع لابتزازه، أو بالرفت والغبن والاضطهاد وضياع المستقبل العلمي أو الوظيفي.
إن خضعت مرغمة فنال مراده، فهي مجرمة آثمة حتى وإن أفاقت لاحقاً وطالبت بالقصاص. وإن لم تخضع وتضررت مهنياً ونفسياً أشد الضرر، ثم حاولت الخروج لفضح ممارسات هذا الوغد وضغوطه، تجد أمثالكِ ممن يدعين الإنصاف يطالبونها بأن تقدم دليلاً مادياً مقنعاً، أو فلتخرس وتبتلع الظلم والدمار النفسي والجسدي للأبد!
بربك أي دليل تظنين المسكينة تملكه؟ تسجيل صوتي؟ تسجيل كاميرات؟ شهود عيان مثلاً؟.. هل تجدين أن هذه طلبات منطقية؟.. هل تعرفين كيف تبدو معظم أماكن العمل في عالمنا البائس؟ هل تتصورين أن الذئب سيفعل فعلته أمام كاميرات المراقبة أو أمام شهود؟ أو أنه سيسمح لها بتشغيل خاصية تسجيل الأوديو مثلاً؟! أهذه هي العدالة التي تتحيزين لها؟ أن نقصف ألسنة الضعيفات المظلومات بأن نتهمهن بالقذف والافتئات لأنهن استخدمن السلاح الوحيد المتاح لهن لمقاومة المنتهك الآثم الطليق، وهو سلاح التجريس والتخويف بهدم سمعته؟!
والحقيقة أن كلامها ألجمني فعلاً، وأخذت أفكر في صور أخرى للتعدي الجنسي الذي تتعرض له الريفيات مثلاً، أو المسافرات على الطرق، أو الصغيرات في محيط الأسرة والجيران والمدارس والجامعات.. وشعرت بثقل في صدري من كثرة ما نسمعه من شرور في هذه الدنيا. كلها بالفعل انتهاكات جسيمة تخلّف تشوهات نفسية تدوم للأبد، ولا تملك الضحية غالباً دليلاً إلا كلمتها التي يبطلها إنكار المتهم.. كلمتها أمام كلمته.. فما الحل؟!
دعونا نرتّب الأولويات. الأولوية هنا في رأيي هي المواجهة الفعالة ضد تفشي هذه الجريمة الحقيرة وسهولة ارتكابها، وتمكين النساء من حماية أنفسهن ضد وقوعها عليهن. الوقاية أولاً إذن. يأتي بعدها التعامل مع الجريمة حال وقوعها، ووضع أسس منصفة للقصاص بحيث نقتص للضحية من المنتهك ونعاقبه، ولا نزيد عدد الضحايا بفتح باب التجني والانتقام والابتزاز بلا بيّنة.
والأصلح في نظري هو أن تتكتل الجهود الكبرى للتوعية ولتعريف الجريمة تعريفاً قانونياً جامعاً مانعاً، ولسن القوانين ولوائح العمل الصارمة. الفتيات والنساء في غالبية المجتمعات يقعن تحت نير الجهل أو الاستغلال أو المفاهيم الظالمة، فيخضعن لها مستسلمات لأقدارهن، وحال وقوع الانتهاك يكن جاهلات بكونه جريمة أصلاً، أو يُحمِّلن أنفسهن جزءاً من المسؤولية، أو يتوجسن من الحكم الاجتماعي المجحف عليهن، فيصمتن لفترة طويلة فتضيع فرصة التحقق من الجريمة وإثبات الحقوق.
ظني أن حملات التوعية ضد التحرش الجنسي منذ الصغر تؤتي ثماراً جيدة جداً. وما زلت أتذكر ندوات التوعية تلك في مدارس الخارج حيث يوجهون الصغار إلى قدسية الجسد وعدم السماح لكائن من كان بالاقتراب منه، ويوصونهم بالرباعية الشهيرة حال وقوع أي محاولة اعتداء: (yell, fight, run and tell right away)
"اصرخ.. قاوم.. اهرب ثم أخبر أحدهم فوراً مهما كان الظرف أو التهديد". وأرى أن استقرار هذا الأسلوب وغيره لدى الجميع منذ الصغر مهم جداً في مقاومة الجريمة وتقليل نسب وقوعها.
أما عن العقاب والاقتصاص ممن يرتكبها، فظني أن الوعي العام سينتج عنه رفع اليقظة والتحسب والتحفظ المطلوب، وسيزيد بالتبعية الضغط لحماية النساء في معظم الأماكن بكل وسائل الحماية التكنولوجية المتاحة، وسينتج عنه الدفع لتغليظ العقوبات الرادعة على من يثبت ارتكابه لأيٍ من أشكال التحرش الجنسي ولو كان اللفظي منها، وسيتكفّل الوقت والضغط العاقل المستمر بفضح حالات حقيقية يثبت تورطها بالأدلة، فيرتدع بقية الذئاب، ويعرف كل وغد متحرش أن العاقبة رهيبة ومدمرة.. لكن بالعدل وبالقانون، لا بالاتهامات الإعلامية المرسلة.