تعد مسألة تعدد الزوجات مستهجنة في عموم المجتمع التركي، وعلى الرغم من إلغائها قانونياً عام 1926، إلا أنها ما زالت موجودة، وخصوصاً في منطقة وسط الأناضول، حيث يقطن المحافظون الأتراك، وفي شرق البلاد حيث إن غالبية السكان أكراد، وتصل النسبة بحسب إحصاءات غير رسمية إلى 12 في المائة.
حتى الآن، لا توجد أي إحصاءات رسمية حول تعدّد الزوجات في تركيا. إلا أن دراسة ميدانية أجرتها جامعة "حجاتبة" في أنقرة عام 2011، أكدت أن هناك أكثر من 187 ألف حالة، وتشير التقديرات إلى ارتفاع هذا الرقم بعد قدوم أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011.
جميلة وشابة
تختلفُ أسباب تعدّد الزوجات في تركيا، وعادة ما ترتبط برغبة الرجل في الزواج من امرأة أكثر جمالاً أو أصغر سناً، بالإضافة إلى العادات والتقاليد، أو عدم إنجاب الزوجة الأولى للذكور، أو عدم قدرتها على الإنجاب بشكل عام.
كانت مهتاب أوزتورك تعمل في أحد المصارف التركية، وهي حاصلة على شهادة دكتوراه في إدارة الاعمال من بريطانيا. تقول لـ"العربي الجديد" إنها تعرفت على زوجها في فترة الدراسة في الجامعة، ووافقت على أن يتزوج زوجها بأخرى، بعدما اتخذت قراراً نهائياً بعدم الإنجاب، على الرغم من إصرار زوجها.
تعرفت مهتاب بضرّتها سلمى بعد خمس سنوات. وقرّرتا أن تسكنا في شقتين منفصلتين في الحي نفسه، ووضع جدول لزيارة الزوج لكم منهما. تقول مهتاب إنها "سعيدة بعلاقتها مع سلمى، لولا أنها اكتشفت أخيراً أنه تزوج امرأة ثالثة". تضيف: "لم أنجب أولادا، لكنني سعيدة مع أبناء سلمى الأربعة. أقضي معظم نهايات الأسبوع معهم".
عادة ما لا تسجّل المحاكم سوى الزوجة الأولى. أما الباقيات، فيتزوجن بعقود شرعية لا توثق في المحاكم التركية، ويسجل أولاد الأخريات على اسم الأب والزوجة الأولى.
لدى أليف علي (30 عاماً) أربعة أبناء. تزوجت حين كانت تدرس في الجامعة. تقول لـ"العربي الجديد" إن "أحداً من أفراد أسرتي لا يعرف شيئاً عني. لو عرفت أمي أن لدي ضرة لأصيبت بأزمة قلبية. أحببته على الرغم من كونه متزوجاً. لم أكن أتخيل نفسي ضرة في يوم من الأيام. لكن هذا ما حصل. أحترم زوجي وأشعر بالأمان معه، لأنه ما زال يكن مشاعر الحب لزوجته الأولى، على الرغم من مرور عشرين عاماً على زواجهما. لكن هذا لا يعني أنني أطالب بتشريع تعدد الزوجات". أما مينا أرقاداش (45 عاماً)، ففضلت الانفصال عن زوجها بعد عشرين عاماً من الزواج، لأنها اكتشفت أنه متزوج من أخرى. وتُشارك علي رفضها القاطع لإعادة تشريع تعدّد الزوجات بشكل قانوني. هذا أمر لا يمكن لأي امرأة احتماله.
ويمكن القول إن حالتي مهتاب وأليف فريدتان. فتعدّد الزوجات ممارسة غير شائعة بين العلمانيين الأتراك من سكان المدن، علماً أن هؤلاء يرفضونه بشكل قاطع. في المقابل، يكاد الأمر يكون طبيعياً بين المتدينين المحافظين، وخصوصاً في المناطق الشرقية في تركيا.
إحسان
تقطن عائلة حاقان (اسم مستعار) والزوجات الأربع في حي الفاتح في مبنى مكون من أربع شقق، لكل زوجة شقة. وحدها الزوجة الرابعة قبلت الحديث لـ"العربي الجديد". ترى أن "تعدّد الزوجات أمر شرعي أقره القرآن والسنة، ولا يجب الخجل منه". برأيها، الزواج ليس ورقة تكتب في المحكمة، لكنه علاقة مبينة على الحب والإخلاص. "لا أرى نفسي زوجة رابعة، بل زوجة تتمتع بكامل الحقوق وكرامتها محفوظة. عشت لحظات صعبة في البداية، لكنني اعتدت على الأمر". تضيف أن "ضرتي الأقدم أو الزوجة الأولى هي الوحيد المسجلة كزوجة بحسب القانون. أما أولاد زوجي الـ11، فمسجلون على اسمها. يقولون إننا دولة مسلمة لكنهم يمنعون تعدد الزوجات. لا أفهم هذا، وأطالب بأن يصبح تعدد الزوجات قانونياً".
أما إسماعيل درويش، وهو أحد رجال الأعمال الأتراك من ولاية باتمان شرق البلاد، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنه "بعد الحرب، جلب خادمتين سوريتين لمساعدة زوجتيه في أعمال المنزل. لكن بعدما طال أمد الحرب، قرر الزواج بهما، وصار لديه أطفال منهما".
ولدى سؤاله عن سبب إقدامه على الأمر، يجيب درويش: "في البداية، لم أكن أفكر في الزواج. قد يبدو الأمر سخيفاً أو بمثابة محاولة تبرير. لكن في الحقيقة، تزوجت بهما بهدف مساعدتهما، وخصوصاً أنني مقتدر. ومن حسن حظي، لم تحصل أية مشاكل بينهما وبين زوجتي التركيتين بسبب عدم اتقانهما التركية، ما يعني أن التواصل شبه معدوم".