وأكدت مصادر محلية في أبين لـ"العربي الجديد"، يوم الاثنين، تجدد المواجهات بين رجال المقاومة والجيش المواليين للشرعية وبين الانقلابيين في جبهة ثرة، الواقعة بين محافظتي أبين والبيضاء، وذلك إثر هجوم نفذه الحوثيون وحلفاؤهم حاولوا من خلاله التقدم باتجاه مديرية لودر في أبين، على هامش التطورات الأخيرة والمتمثلة بانسحاب قوات الحزام الأمني وانتشار مسلحي تنظيم القاعدة.
ويأتي هذا التحرك، في ظل أزمة أمنية متصاعدة في أبين، إذ إن أغلب مناطق المحافظة كانت شبه خالية من القوات الحكومية حتى أغسطس/آب2016، وهو تاريخ انتشار القوات الحكومية في أبين بصورة هشة، عقب انسحاب مسلحي تنظيم القاعدة، الذين بدورهم نفذوا الفترة الماضية عدداً من الهجمات ضد قوات الحزام الأمني، قبل أن يضطروها للانسحاب، لتبدو أبين، أو مدينة لودر فيها على الأقل، ساحة مفتوحة لعودة سيطرة التنظيم.
أبين ونفوذ "القاعدة"
تعد أبين، التي تبلغ مساحتها 21489 كيلومتراً موزعة على 11 مديرية، من المعاقل التاريخية لنفوذ تنظيم القاعدة، إذ سيطر على أبرز مدنها أواخر العام 2011 وأجبره الجيش بعملية عسكرية على الانسحاب في العام الذي تلاه.
وشهدت المحافظة معارك وهجمات متقطعة بين مسلحي التنظيم والحكومة خلال الأعوام التي تلت ذلك. ومن أبين ينحدر مؤسس "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" وزعيمه ناصر الوحيشي، قبل أن يُقتل بغارة أميركية منتصف 2015. ومن أبرز القيادات الأخرى في التنظيم، جلال بلعيدي المرقشي، الذي قضى في غارة أميركية لطائرة بدون طيار مطلع فبراير/شباط 2016.
وفي ظل انتشار مسلحي "القاعدة "وتواجده في محافظة البيضاء (وسط البلاد)، فإن أبين المحاذية لها، من أبرز المحافظات المهددة مجدداً بأن تكون ساحة لمعركة الحكومة مع تنظيم القاعدة، مع توقعات بتصاعد التدخل الأميركي بالفترة المقبلة، عن طريق الضربات الجوية، التي تنفذها الطائرات بدون طيار ضد أهداف مفترضة للتنظيم. وقد نشر التنظيم العديد من نقاط التفتيش خلال الأيام الماضية، وخاض مواجهات مع مسلحي المقاومة في مديرية لودر، كما أقدم على إعدام ضابط بالحرس الرئاسي بعد ساعات من اختطافه في إحدى نقاط التفتيش يوم الأحد الماضي.
ومع ذلك، يعتبر رئيس لجنة الوساطة المحلية التي انسحب على ضوئها تنظيم "القاعدة" من أبين العام الماضي، الشيخ شائع الداحوري، أن "الأمر (في إشارة إلى التطورات الأخيرة) ليس كما يُهوّل له في المواقع الإلكترونية والإعلام". ويقول في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن "الأمور لا تستحق كل تلك الضجة الإعلامية لكون الأمور طبيعية كما نعايشها ونلامسها على الأرض والناظر ليس كالسامع".
ويضيف الداحوري "أكاد أجزم أن القاعدة ليس بالمستوى الذي يصوره الإعلام وليس قاعدة اليوم كقاعدة الأمس بل إن التنظيم يعيش اليوم في الرمق الأخير، ولكن تصرفات السلطة غير المقنعة هي ما تثير الدهشة والتي نراها تعمل على إرباك الوضع في أبين من خلال إهمال المرابطين في النقاط وعدم تعزيزهم بما يلزم من العتاد ناهيك عن محاربتهم بتأخير صرف رواتبهم، وحرمانهم الغذاء المخصص لهم، لا سيما بعد أن صمد الأفراد في مواقعهم على الرغم من محاربتهم من قبل السلطة بكل ما ذكرته"، على حد قوله.
ويعتبر الداحوري أن لجوء السلطة "إلى سحب القوات من مواقعها المتمركزة فيها، والتي كانت تحد من تحركات القاعدة وبمثابة الأمان للمواطن، وكذلك سحبها من الطرقات في خطوة مفاجئة، أثار الشك والريبة لدى الجميع ناهيك عما لاقته الخطوة من سخط واسع لدى الشارع في أبين". ويضيف الداحوري "لذلك فإنه من الطبيعي أن نحمّل السلطة المسؤولية عما يحدث في أبين من إرباك للمشهد وإفساح مجال لتحركات القاعدة لكونها المسؤول الأول عن الحفاظ على الأمن والسكينة العامة في أبين".
من جهته، يرى رئيس تحرير صحيفة المرصد الأسبوعية الصادرة من عدن، حسين حنشي، أن تنظيم القاعدة، وعلى ضوء العديد من المشاكل، ومنها عدم التغيير السياسي لقيادة المحافظة وعدم تسليم رواتب الجنود "أخذ يستغل الوضع وصولاً إلى انسحاب كتيبة لقوات الحزام الأمني مكونة من أبناء الضالع وردفان من جبل يسوف في أبين، ثم انسحبت كتيبة الجيش من جبل عكد الاستراتيجي". أما بالنسبة لمدينة لودر، وهي إحدى حواضر أبين وأكبر مدينة فيها، فيلفت حنشي إلى تنظيم القاعدة يعاني من "عقدة لودر، ولديه تاريخ من الهزائم هناك، ويتمنى أن تسنح الفرصة للانتقام، لكن كذلك لدى أبناء المدينة تاريخ من علو الكعب والتضافر في وجه التنظيم أهلياً قد برهنوا على ذلك من قبل، عندما حاول التنظيم اقتحام المدينة وشرطتها فقتل منه 14 عنصراً وغادرها بهزيمة أخرى".
ثقل سياسي وعسكري للشرعية
سياسياً، تعتبر أبين أبرز مراكز الثقل السياسي والعسكري في جنوب اليمن، ومنها ينحدر الرئيس عبدربه منصور هادي وعدد كبير من مسؤولي الدولة، وأبرزهم حالياً نائب رئيس الحكومة، وزير الداخلية، اللواء حسين عرب، لكن هذا الدور السياسي والعسكري لم يمنع التدهور الذي تعيشه المحافظة.
يقول حنشي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن للمعضلة في أبين "أوجهاً شتى ولها كذلك أسباباً عديدة، وتتحمل أطراف عدة مسؤولية ما يجري فيها. فأبين لم يلحقها الاستقرار النسبي الموجود في محافظات عدن ولحج والضالع (المحافظات الجنوبية الأخرى)، على الرغم من أن المشروع الإغاثي والأمني والعسكري شملها، بل إن الاهتمام بها أمنياً بداية الأمر، كان أكثر من الاهتمام بالضالع مثلاً، ويوازي ما كان لمحافظة لحج الشبيهة بأبين من ناحية تواجد عناصر الجماعات الإرهابية فيها". ويضيف حنشي، في حديث مع "العربي الجديد" إنه "يمكن القول، وبضمير مستريح، إن أبين تعاني من "أبينة" شخصيات الشرعية لدى القوى الداعمة عربياً لتكوين الأمن والمؤسسات في المحافظات الجنوبية المحررة، وكذلك من إصرار حقيقي لتلك الشخصيات في هرم السلطة على أن تبقى المحافظة إقطاعية لها وخطاً أحمر لتسوية الملعب فيها".
الأمن... جذر المشاكل
في الوقت الذي يبزر فيه تهديد "القاعدة" بصورة متجددة، يقول حنشي إن "جذر المشاكل في أبين يعود إلى أنه في بداية الأمر عندما جرى تغيير الوضع في عدن ولحج والضالع تم تغيير المحافظين فيها، تزامناً مع حملة أمنية وعسكرية، إلا أن الرئيس هادي رفض استبدال محافظ أبين الخضر السعيدي الذي يصفه البعض بالسلبي والضعيف"، ما أفقد أبين، بنظر المتحدث، "تغييراً حقيقياً على الرغم من أن قوات الأمن وصلت إلى أعماق المديريات النائية وقامت بمداهمات وقتلت مطلوبين وفرضت نوعا من الأمن الحذر هناك".
ويتابع حنشي أن هادي ووزير الداخلية، وهما من أبين، أصرّا "على بقاء الوضع السياسي هناك كما هو؛ فكانت الحملة الأمنية دخيلة ولحظية وفقدت التعبير السياسي عنها وأهملت فيها المكونات المجتمعية والقبلية، ثم وبعد الرفض الرئاسي لإجراء تغيير سياسي في إدارة المحافظة، أوكلت القوة العربية الداعمة إدارة الملف الأمني الذي نجحت فيه في لحج مثلاً، وهنا غابت رواتب الجنود واضطرب الأمن". ويختم حنشي أنه بفعل "تدهور الوضع الأمني غابت جميع الملفات عن الفعالية منها الملف الإغاثي والتنموي، ولم تستطع الجمعيات والكيانات الداعمة الوصول إلى أبين وغابت عن المشاريع الاستراتيجية للهلال الأحمر الإماراتي الذي وقّع أخيراً في حفل أقيم بعدن مع السلطات المحلية في عدن والضالع ولحج مشاريع استراتيجية لعام 2017، وحضره محافظو المحافظات الثلاث بينما حضر بالتزامن مع التوقيع محافظ أبين لقاء ودياً في قصر معاشيق (مقر الشرعية في عدن)".