03 يوليو 2019
أبو عزرائيل
ذاك، لمن لا يعرف، لقب اختاره رجل لنفسه، عن طيب خاطر، وصار يُباهي به، ويشتهر، أكثر من اسمه الذي أطلقه عليه أبواه، ويعزّزه، بارتكاب فظاعات قتل وتعذيب، علناً، وأمام الكاميرات، وجلها يقول إننا أمام سفاح لا تأخذ قلبه رأفة بأحد، ولا يخشى عقاباً أو حساباً.
كان من الممكن، أن لا يحظى أبو عزرائيل هذا بفرصة الكتابة عنه، سوى في صفحات الأخبار والتحقيقات الخاصة بالجرائم، لو أنه كان مجرد قاتل، كأولئك الذين يظهرون في أي مجتمع، من حين إلى آخر، فتلاحقهم الشرطة، وتقدمهم للقضاء، ثم تنتهي حكاياتهم، غالباً، بإعدامهم، أو بسجنهم إلى الأبد، من دون أن يشكلوا ظواهر تستدعي قلقاً اجتماعياً وسياسياً.
لكن صاحبنا، بل قل خصمنا المحسوب ظلماً على بني الإنسان، واسمه الحقيقي أيوب فالح الربيعي، بات يشكل، على ما تقول أخباره وصوره، أحد أبرز وجوه توليفة السلطة القائمة في العراق، بوصفه قائداً مقاتلاً في مليشيا "الحشد الشعبي" المتحالفة مع القوات الحكومية، والمدعومة من إيران، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
فبعد بث تسجيل مصور (فيديو) يوثق تعليق أبو عزرائيل، قبل أيام، رجلاً مجهولاً، على سارية حديدية، وحرقه، بتهمة انتمائه إلى "داعش"، ثم قطع أجزاء من لحمه المشوي، بطريقة "الشاورما"، نشر نشطاء مواقع الإنترنت صوراً أخرى له، من حفل يحظى فيه بتكريم مرجعيات دينية شيعية موالية لإيران، على ما وصف، ببطولاته في قتال الظالمين.
ولم يطل الوقت، حتى كان داعش يرد على أبو عزرائيل، والحشد الشعبي، بفعلة أكملت رسم أجزاء ناقصة من مشهد الحضيض الدموي الطائفي الذي بلغه الصراع في المنطقة، إذ نشر صور إعدامه أربعة رجال، حرقاً، وبطريقة تحاكي تماماً طريقة صنع الخراف المشوية، وتعيد التذكير، في الوقت نفسه، بسلسلة جرائم وحشية مماثلة، شاهدها العالم كله، بإخراج تلفزيوني يزيد الرعب ذهولاً.
من أين جاء هؤلاء، وأولئك، وكيف تربوا، وهل كانوا يعيشون بيننا، حقاً، طوال مئات السنين الماضية، وأية شياطين توحي لهم بكل هذا "الإبداع" المروّع في صناعة الموت، وما السبيل إلى خلاصنا من مارد الأحقاد الطائفية المذهبية، وإعادته مجدداً إلى قمقمه؟
تتساءل، فلا تعثر على أجوبة جامعة قاطعة مانعة، غير أنك ستعترف، وأنت تجادل نفسك والآخرين، بأن مجتمعاتنا لم تكن، أمس، طيبة بريئة مسالمة، فجاء القتلة الجدد نبتاً شيطانيا، بلا جذور. لا، ليس الأمر على هذا النحو، قطعاً، ولعل الذين خبروا السجون السورية، إبّان عهد حافظ الأسد، ناهيك عن عهد ابنه، يعرفون أن سجن تدمر، مثلاً، شهد ارتكاب عمليات قتل وتعذيب، أكثر من أن يستطيع أحد حصرها، وبوسائل وأساليب مبتكرة، ولا تقل وحشية وفظاعة، عما يرتكبه أبو عزرائيل والحشد الشعبي وتنظيم الدولة، كما أن الحرب الأهلية اللبنانية، أنتجت، في النصف الثاني من عقد السبعينيات، أنواعاً من "جرائم الذبح على الهوية"، يشيب لهول فظاعتها الولدان.
دعك، هنا، من داحس والغبراء، دعك من تاريخ العرب القديم، أو في حقب ما بعد بزوغ فجر الإسلام، وصولاً إلى أفول الدولة العثمانية، وابحث، فقط، إن شئت، في تاريخ المشرق العربي، في العقود الستة أو السبعة التي أعقبت استقلال بلدانه عن الاستعمارين، البريطاني والفرنسي، لتكتشف أن بذور العنف، وجذوره الأولى، نمت وترعرعت أساساً، في رطوبة زنازين الأنظمة القمعية، وفي تربة عشوائيات الفقر المترامية خلف قصور حكم الضباط الفاسدين، وفي مستنقع الهزائم المتتالية أمام إسرائيل، قبل أن تقع، أخيراً، المفارقة الفضيحة بتحالف النظام السوري، صاحب الشعارات القومية العلمانية، مع إيران الفارسية رافعة الشعارات المذهبية، ليستكملا المهمة القذرة، ويسفكا كل ما يلزم من الدم، لإحياء ديناصورات طائفية، انقرضت منذ ألف عام، أو هكذا كنا نظن.
لكن صاحبنا، بل قل خصمنا المحسوب ظلماً على بني الإنسان، واسمه الحقيقي أيوب فالح الربيعي، بات يشكل، على ما تقول أخباره وصوره، أحد أبرز وجوه توليفة السلطة القائمة في العراق، بوصفه قائداً مقاتلاً في مليشيا "الحشد الشعبي" المتحالفة مع القوات الحكومية، والمدعومة من إيران، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
فبعد بث تسجيل مصور (فيديو) يوثق تعليق أبو عزرائيل، قبل أيام، رجلاً مجهولاً، على سارية حديدية، وحرقه، بتهمة انتمائه إلى "داعش"، ثم قطع أجزاء من لحمه المشوي، بطريقة "الشاورما"، نشر نشطاء مواقع الإنترنت صوراً أخرى له، من حفل يحظى فيه بتكريم مرجعيات دينية شيعية موالية لإيران، على ما وصف، ببطولاته في قتال الظالمين.
ولم يطل الوقت، حتى كان داعش يرد على أبو عزرائيل، والحشد الشعبي، بفعلة أكملت رسم أجزاء ناقصة من مشهد الحضيض الدموي الطائفي الذي بلغه الصراع في المنطقة، إذ نشر صور إعدامه أربعة رجال، حرقاً، وبطريقة تحاكي تماماً طريقة صنع الخراف المشوية، وتعيد التذكير، في الوقت نفسه، بسلسلة جرائم وحشية مماثلة، شاهدها العالم كله، بإخراج تلفزيوني يزيد الرعب ذهولاً.
من أين جاء هؤلاء، وأولئك، وكيف تربوا، وهل كانوا يعيشون بيننا، حقاً، طوال مئات السنين الماضية، وأية شياطين توحي لهم بكل هذا "الإبداع" المروّع في صناعة الموت، وما السبيل إلى خلاصنا من مارد الأحقاد الطائفية المذهبية، وإعادته مجدداً إلى قمقمه؟
تتساءل، فلا تعثر على أجوبة جامعة قاطعة مانعة، غير أنك ستعترف، وأنت تجادل نفسك والآخرين، بأن مجتمعاتنا لم تكن، أمس، طيبة بريئة مسالمة، فجاء القتلة الجدد نبتاً شيطانيا، بلا جذور. لا، ليس الأمر على هذا النحو، قطعاً، ولعل الذين خبروا السجون السورية، إبّان عهد حافظ الأسد، ناهيك عن عهد ابنه، يعرفون أن سجن تدمر، مثلاً، شهد ارتكاب عمليات قتل وتعذيب، أكثر من أن يستطيع أحد حصرها، وبوسائل وأساليب مبتكرة، ولا تقل وحشية وفظاعة، عما يرتكبه أبو عزرائيل والحشد الشعبي وتنظيم الدولة، كما أن الحرب الأهلية اللبنانية، أنتجت، في النصف الثاني من عقد السبعينيات، أنواعاً من "جرائم الذبح على الهوية"، يشيب لهول فظاعتها الولدان.
دعك، هنا، من داحس والغبراء، دعك من تاريخ العرب القديم، أو في حقب ما بعد بزوغ فجر الإسلام، وصولاً إلى أفول الدولة العثمانية، وابحث، فقط، إن شئت، في تاريخ المشرق العربي، في العقود الستة أو السبعة التي أعقبت استقلال بلدانه عن الاستعمارين، البريطاني والفرنسي، لتكتشف أن بذور العنف، وجذوره الأولى، نمت وترعرعت أساساً، في رطوبة زنازين الأنظمة القمعية، وفي تربة عشوائيات الفقر المترامية خلف قصور حكم الضباط الفاسدين، وفي مستنقع الهزائم المتتالية أمام إسرائيل، قبل أن تقع، أخيراً، المفارقة الفضيحة بتحالف النظام السوري، صاحب الشعارات القومية العلمانية، مع إيران الفارسية رافعة الشعارات المذهبية، ليستكملا المهمة القذرة، ويسفكا كل ما يلزم من الدم، لإحياء ديناصورات طائفية، انقرضت منذ ألف عام، أو هكذا كنا نظن.