أبو عبدو خارج المكان والأيديولوجيا

11 يوليو 2015
عبد الهادي الصبّاغ في مشهد من مسلسل "غداً نلتقي"
+ الخط -

لا يخفى على المتابعين للدراما السورية خلال العقدين الأخيرين هجرة الفنانين من المسرح والسينما نحو العمل في المسلسلات التلفزيونية لأسباب عديدة. وجهة الممثلين السوريين نحو الشاشة الصغيرة، ودور قسم التمثيل في المعهد العالي الذي أسّسه فواز الساجر ورفاقه، صنعا تنافسية عالية في ما بينهم، أدّت إلى رفع سوية الأداء التمثيلي، لكنها ساهمت في انكفاء معظم الممثلين عن العمل في السينما والمسرح.

وفي هذا السياق، وبنظرة سريعة على الأعمال التلفزيونية التي تعرض في رمضان هذا العام، نجد أن أكثر ما يشد الانتباه في المسلسل التلفزيوني السوري "غداً نلتقي" حرفية وتناغم الممثلين المشاركين فيه تحت إدارة المخرج السوري الفلسطيني رامي حنا. ومن بينهم عبد الهادي الصبّاغ وتيسير إدريس وضحى الدبس وكاريس بشار ومحمد حداقي.

غير أن الممثل السوري الصبّاغ، الذي يؤدي شخصية "أبو عبدو"، يشكّل محور هذا التميز، والذي استطاع أن يبعث الروح في الشخصية المكتوبة على الورق، لتمشي في ذاك المستودع الكبير "الملجأ". عامل سوري محني الظهر، خمسيني، أحب زوجته وهربت معه، أنجب منها أطفالاً، إلا أن الصراعات بينهما، تبقى طوال حياتهما، متراوحة بين الحميمية والسيطرة والإحساس المستمر بالغبن.

في المسلسل نرى هذه العائلة التي يحلم ربُّها أبو عبدو بإيصال أفراد عائلته إلى أوروبا، حيث لا يُخفي مخاوفه، التي يعبر عنها بلغته البسيطة، حول قضايا الاندماج والهوية والعودة وما يحدث هناك في بلاده. وبحركة عينيه المهزومتين اللتين تبتعدان عن المواجهة، يعبّر الصبّاغ عن شحنته العاطفية باليد، فيلجأ إلى تعنيف الذات والآخر على حد سواء، وهو ما لا يمكن فهمه إلا في لحظات ضعفه وانكساره.

لغة أبو عبدو المتحررة من الأيديولوجيا، تظهر مهووسة بالترميز تارة وأخرى بالخرافة، انتماؤها إلى الواقع سياسي بامتياز تقوده أسئلة اليوم والعيش. الخرافة بالمعنى السابق لا يمكن فهمها على أنها وليدة قاع اجتماعي بقدر ما هي تعويذات تنطق بها الناس لتقيهم شقاء تأمل الوضع العام، وإدراك انسداد الأفق قبل الثورة السورية وبعدها.

يتحرك الصبّاغ في المستودع الذي يقطنه اللاجئون كما لو أنه يتحرك على خشبة المسرح: تنويعات صوته تملأ المكان ووضيعاته الجسدية تصبّ في كثير من الأحوال في خدمة المشهد العام. على لسانه تتحاور مرجعيات هذه الشخصية المحلية وتتصارع أصولها اللغوية والاجتماعية والسياسية.

يشهد أبو عبدو، بهدوئه وبأصالة الألم في عينيه، على الانهيارات كلها، وعلى انهيار الخرافة الكبرى في حياة السوريين. في أحد المشاهد يقف أمام أخيه الذي يسقط ميتاً وهو يحاول أن يقسم على القرآن بين يدي الصباغ الذي يحدّق كذئب جريح قبل أن يسقط الأخ ميتاً وهو رافعٌ يده اليمنى. سقوط الأخ الأكبر يطابق تماماً سقوط تمثال حافظ الأسد في الرقة قبل ما يزيد عن العامين.

المساهمون