مع كل ضربة مطرقة يحاول من خلالها تثبيت أحد أطراف الخيمة التي تأوي أطفاله وسط الصحراء، لا يجد أبو حازم (51 عاماً) إلا الصبر. هو كان قد ترك منزله الواقع وسط الفلوجة والذي بناه بما جمعه بعرق جبينه، على مدى سنوات من العمل كبنّاء. تركه هرباً من القصف الجوي والبري على المدينة، واختار لعائلته بضعة أمتار لينصب عليها خيمة متواضعة، شأنه شأن آلافٍ آخرين لم يتمكّنوا من دخول العاصمة بغداد.
يسرد أبو حازم لـ "العربي الجديد" ما آلت إليه حاله، قائلاً: "قضيت نصف عمري أحاول امتلاك قطعة أرض صغيرة، بما جمعته من مال في خلال تعب الشباب. بنيت عليها منزلاً، تركته بين ليلة وضحاها نتيجة القصف الذي كان يستهدفنا". يضيف: "لم يظن أحد منا يوماً، أن نترك بيوتنا الواسعة ومدينتنا وأهلنا لنسكن هكذا في الصحراء، بعدما تبرأ منا السياسيون الذين انتخبناهم في أحلك الظروف وأقساها. هم تركونا نواجه الموت".
ويتابع أبو حازم الذي لا تختلف حاله عن هؤلاء الذين نصبوا خيماً لهم في الجوار، "خرجت بزوجتي وأبنائي الخمسة من المدينة بعدما تحوّلت ركاماً وقُتل أعزّ أصدقائي وجيراني". ويتحدّث بأسى عن "الذل الذي عرفناه عند جسر بزيبز في محاولة للعبور إلى بغداد. هناك، ما من احترام للنازحين، لا سيّما كبار السن والمرضى، ولا رحمة للصغار. وقد توفى بعضهم بسبب العطش والجوع والحر الشديد".
بالنسبة إليه، "قد يكون قدرنا العيش وسط الصحراء تحت الشمس الحارقة، من دون ماء ولا كهرباء ولا ما يمتّ إلى الحياة البشرية بصلة. فقط بضع قناني مياه صغيرة وأكياس طعام يتبرّع بها ميسورون أو منظمات إنسانية، ويوصلها لهم ناشطون شباب".
بالقرب من عامرية الفلوجة، يعيش أبو حازم اليوم مع آلاف النازحين في خيمهم، من دون أن يملكوا بدل أجرة سيارة للوصول إلى إحدى المحافظات العراقية أو الانتقال إلى إقليم كردستان العراق، أسوة بعشرات آلافٍ آخرين. ويحاولون البقاء على قيد الحياة، في حين يضطرون إلى تثبيت خيمهم مراراً وتكراراً بعد كل عاصفة ترابية تضرب المنطقة. كذلك، يجمعون الحطب من هنا وهناك إن وجد، ليطبخوا ما تيسّر لهم من مواد المنظمات الإنسانية.
يقول أبو حازم: "هنا في الصحراء، نشعر بأننا في بلدٍ آخر. لا أحد يسأل عنا ولا أحد يهتم لأمرنا من السياسيين. مَن يموت، ندفنه بالقرب من المخيّم". ويكمل وهو يتعرّق ويضرب بمطرقته المسامير: "ألفنا العقارب والأفاعي هنا في المخيّم، واكتشفنا أنها أكثر رحمة من سياسيينا".
اقرأ أيضاً: عدد النازحين العراقيين يتجاوز ثلاثة ملايين شخص