أعاد تسلّم أحمد أبو الغيط لمهامه أميناً عاماً للجامعة العربية، الحديث عن الدعم الذي تلقاه للوصول إلى هذا المنصب. وتسلم أبو الغيط، مهامه الجديدة، صباح أمس الأحد بعد أن التقى سلفه نبيل العربي، المنتهية ولايته، لاستعراض شؤون جهاز الأمانة العامة للجامعة، والملفات العربية ذات الأولوية في المرحلة المقبلة. ووسط إجراءات أمنية لافتة، وصل أبو الغيط، وكان في استقباله عدد من قيادات الجامعة ومسؤولي الأمن، وفي مقدمتهم رئيس قسم تأمين الجامعة العربية العقيد طارق ممدوح. كما تفقد الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، مواقع بالجامعة كان قد وجّه بصيانتها وترميمها كسبيل لضخ روح جديدة بالجامعة، وفقاً لتصريح مقتضب لأمنيين كانوا في استقباله.
وخلال اليومين الماضيين، دار جدل إعلامي، وسياسي واسع، جدد المناقشة حول الموافقة، أو الدعم السعودي لترشيح أبو الغيط، مقابل الصمت على تنازل السلطات المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير للرياض، وفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في إبريل/نيسان الماضي.
وكان الكاتب المصري عبد الناصر سلامة قد كشف في مقال له بجريدة "المصري اليوم"، تحت عنوان "سر يُنشر لأول مرة" عن رفض الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، طلب الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، بشأن موضوع الجزيرتين، خلال زيارة مبارك إلى السعودية في العام 2005. وأضاف سلامة أن السعودية أرسلت خطاباً إلى الأمم المتحدة تخطرها فيه بأن الجزيرتين أصبحتا تابعتين للسعودية بموجب تفاهم مع الحكومة المصرية، وحينما علم مبارك وجّه وزارة الخارجية بإرسال خطاب إلى الأمم المتحدة ينفي هذا الكلام جملة وتفصيلاً.
وتساءل سلامة: "أين هذا الخطاب الذي أرسلته وزارة الخارجية للأمم المتحدة"؟ داعيا أبو الغيط (وزير الخارجية آنذاك) إلى "الخروج من حالة الصمت، وذكر الحقائق التي بحوزته عن هذه القضية"، رابطاً بين موقفه، وعملية اختياره أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، سواء ما يتعلق منها بالاختيار المصري لشخصه، أو بعدم الممانعة السعودية.
وبدا تحفظ دولة قطر، الرافضة لترشيح أبو الغيط، محدوداً، ومقيداً أولاً بالنظام الداخلي للجامعة الذي يفرض انتخاباً بغالبية الثلثين السهلة على المعسكر المؤيد لتعيينه، والرغبة القطرية بالمحافظة على ما تبقى من إجماع عربي، أو بأقل تقدير التخفيف من الخلافات العربية-العربية التي تصل إلى مستوى العداوات.
ويبدو أبو الغيط اختياراً ملائماً للحالة العربية الفاترة اليوم، وصعود قوى الثورة المضادة التي لن تجد أفضل من الجامعة لتسويق مشروعها إقليمياً، في ظل المآلات المأسوية التي انتهت إليها معظم الثورات العربية، ودخول المنطقة في حالةٍ من الفوضى والعنف غير المسبوقين، هكذا يصف دبلوماسي مصري سابق، اختيار أبو الغيط. بينما يرى آخر، أن اختيار أبو الغيط جاء تعبيراً عن رغبة السلطة العسكرية في مصر لتسخير مؤسسات العمل الدبلوماسي الإقليمي لتسويق انقلابها وشرعنتها، والسعي خلف زعامةٍ مصريةٍ وهميةٍ في محيط عربي، وتعزيز مواقع الثورة المضادة في مصر، بواجهة إقليمية في حجم جامعة الدول العربية، لا سيما أن أبو الغيط يمثل أحد رموز هذه الثورة الذين وقفوا، منذ البداية، ضد الثورات العربية.
وطوال تاريخ الجامعة العربية، ظل منصب أمينها العام حكراً على وزراء خارجية مصر السابقين، في ظل عملية انتخاب "شكلية"، لأن المرشح يتم التوافق عليه مسبقاً بالتشاور المسبق. فالمرشح محسوم سلفاً وفقا للاحتكار المصري، من دون سند قانوني أو سياسي.
ويعلق الباحث السياسي، سامح راشد، على مذكرات الأمين العام الجديد، بقوله، إن أبو الغيط حاول عبثاً في مذكّراته التي نشرها قبل ثلاثة أعوام، أن يُؤشر إلى منجزٍ مهم له في أيٍّ من وظائفه التي تولاها، منذ بدأ يتسلّم مواقع متقدمة في جهاز السياسة الخارجية لبلاده في 1974، لم يجد شيئاً يعتدّ به، وإنْ حرص على تظهير نفسه وطنيّاً مصرياً، وغير محبٍّ للسياسة الأميركية. وباستثناء حكاياتٍ عن وقائع أوردها في ثلاثة عشر فصلاً، لا يقع قارئ المذكّرات على ما له قيمة خاصة، أو يجد نفسه مضطراً للتسليم بما ينسبه الرجل لنفسه لضعف مصداقيّته، ومن ذلك أنه كان متفقاً مع رئيس الاستخبارات المصرية، عمر سليمان، على عدم توريث الرئاسة لجمال مبارك، وحديث النخبة المستهلك بأن الجيش المصري كان يرفض التوريث.