أبو السعيد يصنع نجاحه من حبات البطاطا

10 نوفمبر 2014
أبو السعيد يبيع الـ"شيبس" للأطفال (العربي الجديد)
+ الخط -
يتنقّل في شوارع في الخليل، وأمامه عربة صغيرة غريبة. عمره لم يتعدّ 18 عاماً، إلا أن انهماكه الدائم في العمل يمايزه عن أبناء جيله. حلم وسام نضال السعيد بسيط، وقد استطاع تحقيقه. بدأت حكايته عندما سافر إلى مدينة العقبة الأردنية الساحلية. هناك شاهد آلة موضوعة على عربات في الأماكن العامة والأسواق وأمام المقاهي. هذه الآلة تصنع من حبات البطاطا الطبيعية "شيبس" بشكل حلزوني، ومن دون مواد حافظة وبمذاق طيب. عندما عاد أبو السعيد (كما يحب أن يُنادى) إلى الخليل، لم تفارق الآلة عقله.

مشروع الاحلام
بعد فترة، استطاع أبو السعيد أن يدّخر بعض المال، برغم ظروفه الصعبة، وبمساعدة من المحيطين به، اشترى الآلة، لينقل المشروع إلى شوارع الخليل.
"حيث يتواجد أبو السعيد يصبح الجو مختلفاً"، يقول عدد من السكان. فالشاب يعمل بلا ملل، يضحك مع الأطفال، يصادق السكان. كما أن الجميع يعلم أنه استطاع تغيير واقعه، عبر ابتداع مهنة غير موجودة في الخليل، لكي يؤمّن مدخوله، ويساعد عائلته.
إذ لا يخفى على أحد فرحة الأطفال وهم يركضون حول العربة البسيطة. وعندما يحصلون على قطع البطاطا الساخنة، يرقصون وكأنهم حصلوا على جائزة. وأبو السعيد، بروحه المرحة، يستقبل الأطفال ويمازحهم. أما رائحة البطاطا فلها طريقة لتنتشر في كل مكان، إذ يقوم أبو السعيد بتقليبها بين الفترة والأخرى لتغري كل مَن يمر بقربه.
يقول أبو السعيد، لـ"العربي الجديد": "بدأت العمل وأنا في التاسعة من عمري. كنت أنتظر والدي بعد انتهاء الدوام الدراسي مباشرة. كان يحضر الى المدرسة ليأخذني الى مصنع البلاط". يضيف الشاب: "كنت أساعده لكنني لم أتعلّم صنعة والدي لأنها متعبة جداً، لا بل مرهقة".
ويتابع أبو السعيد: "بقيت على ‏هذا الحال حتى أصبحت في الثانية عشرة من عمري. حينها تركت المدرسة وبدأت ‏أعتمد على نفسي في العمل وأساعد والدي أكثر في تأمين المدخول للعائلة". ويشرح: "نحن أسرة كبيرة، ومدخولنا كبير. لذلك عملت في محل لبيع الفلافل ثم عملت في مصنع للألبان الى أن ‏اشتريت هذه الآلة التي أعمل عليها منذ عام تقريباً". ‏
ويقول أبو السعيد: "جميعنا يعلم بأن "الشيبس" باتت نقطة ضعف الأطفال والكبار في آن، وما يزيدني تعلّقاً بعملي ويبهر كل مَن حولي بأن مكونات هذه البطاطس طبيعية وخالية من أي مواد حافظة، وبالتالي أعرف أنني لن ألحق الضرر بأي طفل من الأطفال الذين يتحلّقون حولي".
رغم الساعات الطويلة التي يقضيها في العمل، إلا أن المدخول اليومي لأبو السعيد لا يكفي أحياناً لمصروفه الشخصي. ويقول: "أحيانا أعمل بـ5 دولارات في اليوم تقريباً، واحياناً بـ20 دولاراً. حركة المبيع تعتمد على السوق ‏وعلى موعد دفع الرواتب للموظفين. كذلك تلعب طبيعة الشارع الذي أتواجد فيه دوراً في حجم المبيعات".
ويلفت وسام إلى أنه أحياناً تمر عدة أيام من دون أن يدّخر أي مبلغ للعائلة، "وهذا أمر يقلقني، والآن أبحث عن عمل آخر، إضافة إلى عملي في بيع "الشيبس" الطبيعي، لكي أوفّر المصروف لعائلتي".
أما عن مستقبله، فيقول وسام: "لن أتزوج، حياتنا صعبة جداً وتمنعني من التفكير بخطوة كهذه. الزواج ‏مُكلف، وانا لا أستطيع أن أوفر مصروف بيت أو حتى خطوبة. لا بل هذا ‏الموضوع هو آخر ما يمكن أن أفكر به في ظل الظروف المعيشية في البلد".‏
ويشيد أبو السعيد بتفاني الشباب الفلسطيني الذي يسعى الى التحايل على البطالة وتحدي الظروف المعيشة الصعبة. إذ إن احتضار الاقتصاد يستنزف جيلاً منتجاً، بحيث تقل فرص العمل في الخليل، وحين تتوافر، فبدخل محدود جداً.
ويقول وسام: "ليس من السهل على أي شخص أن ينجح بسهولة رغم الظروف التي يعاني منها مجتمعنا الفلسطيني. فالعمل، إنْ وجد، تكون ظروفه شاقة. هنا في الخليل الكثير من الشبان الذي درسوا في الجامعة، وعندما خرجوا إلى سوق العمل لم يجدوا وظائف تلائم اختصاصاتهم".
وعندما نسأل أبو السعيد عن حلمه، يجيب ببساطة قائلاً: "أطمح أن يكون لي فرصة لأطوّر مشروعي الصغير، وأن تصبح هذه البطاطس مطلوبة أكثر، وأن أستطيع صناعة مستقبل جيد لي ولعائلتي".
المساهمون